ترامب من الماضي.. جونسون من الأمس

تحبس بريطانيا أنفساها كسائر دول العالم في انتظار النتائج النهائية للانتخابات الأميركية حيث سيكون لهوية ساكن البيت الأبيض الجديد تأثير على العلاقات الأميركية – البريطانية. ويرى متابعون أن رئيس الوزراء بوريس جونسون أكبر الخاسرين من هزيمة الجمهوري دونالد ترامب لفقدانه دعم حليف قوي يشترك معه في تبني السياسة الشعوبية ومناصر لملف البريكست، حيث شكل دعم ترامب لانفصال بريطانيا تغييرا جذريا في الموقف الأميركي بالمقارنة مع سلفه باراك أوباما الذي كان قد هدد بجعل المملكة المتحدة “في آخر أولوياته”. وبنجاح بايدن يدق المحافظون ناقوس الخطر لمعارضته البريكست ودعمه العلني لأيرلندا.
لندن - منذ وصوله إلى داوننغ ستريت كرئيس لوزراء بريطانيا، أطلق المراقبون على بوريس جونسون لقب “ترامب بريطانيا” لتأثره بالسياسة الشعوبية التي عرف بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي قادته إلى سدة البيت الأبيض في يناير 2017.
وأظهر انتخاب دونالد ترامب أن هيمنة الولايات المتحدة الثقافية ليست دائما إيجابية، مع انبهار وتأثر السياسيين المتعجرفين في جميع أنحاء العالم بسياسته الشعوبية.
أبرز ترامب لعدد من القادة، من البرازيل حتى المجر، أنهم لم يعودوا بحاجة إلى التظاهر بأنهم من القديسين إذ ستدعمهم قاعدتهم مهما كانوا شياطين. ولم يتعلم أحد هذا الدرس أفضل من البريطاني بوريس جونسون.
لقد كان جونسون وجها آخر لترامب حين اختار أن يكون على خطاه بتصرفاته الطائشة وتصريحاته المثيرة للجدل وبمزاعمه الكاذبة باستمرار، وتمزيقه للاتفاقيات، وأخيرا بالفوز في المناسبات الانتخابية الحاسمة، عبر قدرته الهائلة على إقناع جمهور الناخبين الذي بات منجذبا للأحزاب اليمينية في السنوات الأخيرة.
وأثناء الترويج لحملة الخروج من الاتحاد الأوروبي حرص جونسون على استدعاء الخطاب القومي في تصريحاته أسوة بترامب، متبنيا نفس الشعار الترامبي الشهير “أميركا أولا”. من جهته أبدى ترامب إعجابه بجونسون وتودده له مشيدا بمواقفه من الانفصال عن أوروبا.
ويشكل ملف بريكست نقطة التقاء قوية بين الزعيمين، على غرار ما يجمعهما من نقاط التقاء أخرى كقضايا الهجرة والعلاقة بالمسلمين. وبالنسبة إلى جونسون فإن ترامب حليف قوي ومساند له في ملف بريكست مع وعود أميركية بإنعاش الاقتصاد البريطاني في أعقاب الطلاق النهائي من أوروبا.
وتجد بريطانيا في السوق الأميركية متنفسا وداعما لها بعد استكمال إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي بنهاية العام الجاري.
وتترقب بريطانيا بحذر نتائج الانتخابات الأميركية حيث ستحمل هوية ساكن البيت الأبيض الجديد تداعيات على العلاقات الأميركية – البريطانية، فيما تشير أوساط سياسية أن جونسون متوجس من وصول الديمقراطي جو بايدن إلى الرئاسة، ولن يكون نبأ هزيمة حليفه ترامب جيدا بالنسبة إليه.
ترامب البريطاني
يشير نيك كوهين، وهو كاتب عمود في صحيفة الأوبزرفر، ومؤلّف كتاب “كيف فقد اليسار طريقه” إلى أنه مع وجود جو بايدن على طريق النصر، يبدو رئيس الوزراء البريطاني الآن وكأنه رجل الأمس، ومن بقايا الماضي المشؤوم مع تدشين الولايات المتحدة صفحة جديدة والتي ستكون لها اثر ممّا لا شك فيه على مستقبل العلاقات البريطانية الأميركية.
واستحضر كوهين مدى سرعة تجاوب جونسون مع تكتيكات ترامب من موقعه في المملكة المتحدة وهي خطوة وصفها بـ”المحبطة”، وذلك حين علق جونسون البرلمان الذي يفترض أنه ذو سيادة في بريطانيا في محاولة لدفع خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، وتهديده استقلال القضاء، وقال إنه سينتهك القانون الدولي بالتخلي عن معاهدة وقعها مع الاتحاد الأوروبي إذا لم يحصل على ما يريد.
ورد ترامب مشيدا بجونسون في عام 2019 قائلا “يسمونه ترامب بريطانيا والناس يقولون إن هذا أمر جيد”.
في المقابل يولي بايدن أهمية كبرى للعلاقة مع أوروبا في تناغم مع مبادئ حزبه الديمقراطي الذي يؤمن بالقيم الليبيرالية والانفتاح على الآخر. وهو موقف تبناه الرئيس الأميركي الأسبق باراك اوباما الذي حذر بريطانيا من مغادرة الاتحاد الأوروبي سنة 2016.
وكان الرئيس الديمقراطي وغيره من عدد كبير من الخبراء في السياسة الدولية في تلك الفترة، يرون أن من مصلحة ضفتي المحيط الأطلسي أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
حينها بدا جونسون وكأنه من حركة بيرثر المبنيّة على نظريات المؤامرة حول جنسية باراك أوباما، مشيرا إلى أنه لم يكن صديقا لهذا البلد بسبب تراثه “الكيني” و”كره أجداده للإمبراطورية البريطانية”.
يمكن أن يبالغ المرء في مقارنة جونسون بترامب. فقد كان المحافظون البريطانيون أقرب إلى الديمقراطيين من الجمهوريين في السياسة الخارجية. ويواصلون دعم اتفاق أوباما مع إيران، ويقولون إنهم قلقون بشأن تغير المناخ، رغم قلة استعدادهم لتبنّي القرارات الصعبة لمكافحته.
لحظة خطر
منذ أن بدا نائب الرئيس أوباما في طريقه إلى البيت الأبيض، ساد ما يشبه الذعر في داونينع ستريت، حسب تعبير كوهن.
ومع بايدن الرئيس، قد لا تمنح واشنطن لبريطانيا اتفاق التجارة السريعة الذي زعم مؤيدو خروج بريطانيا بأنه يمكن أن يعوض خسارة الاتحاد الأوروبي.
وفي نفس الوقت، سيعني تصميم بايدن والكونغرس الأميركي على منع جونسون من وضع الحدود بين نصفي الجزيرة الأيرلندية أن صوت دبلن سيحمل وزنا أكبر في واشنطن من صوت لندن. وهو عكس ما كان لمدة 800 سنة من الهيمنة الإنجليزية على أيرلندا.
وعارض بايدن تمرير صفقة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والتي برأيه على حساب مصالح أيرلندا. وسبق أن وعد بأنه لن يسمح بذلك في حال وصوله إلى السلطة.
ويستنتج كوهن أن بريطانيا ستكون بذلك قد تخلت عن تحالفها الأوروبي دون تأمين تحالف أميركي. وستكون عزلتها مؤلمة وواضحة.
من جهته يشير جايمس فورسيث في مقال في التايمز بعنوان “انتصار بايدن نعمة ونقمة بالنسبة إلى بريطانيا”، إن الرئيس الأميركي غالبا ما يشكل السياسات البريطانية سواء أكان ذلك جيدا أم سيئا.
ويقول الكاتب “أظهر الديمقراطيون الجدد في عهد بيل كلينتون كيف كان اليسار يتكيف مع عالم ما بعد الحرب الباردة وقدموا نموذجا لحزب العمال الجديد. وكان ينظر إلى نزعة بوش المحافظة المتعاطفة على أنها وسيلة لليمين في بناء تحالف انتخابي جديد. أما أوباما فقد جسد رغبة شابة في التغيير وأظهر ترامب مدى رد الفعل العنيف ضد الإجماع العالمي”.
لكن فورسيث يرى أن بايدن لن يمارس الجاذبية نفسها على السياسة البريطانية التي مارسها الرؤساء في العشرين سنة الماضية، لأنه “لا يؤيد أي فكرة سياسية كبيرة”.
وبرأيه فإن مساوئ حكومة بايدن واضحة بالنسبة إلى بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا. إذ إن بايدن “عارض بريكست بشدة، ومن حوله، مثل كثيرين من اليسار الأميركي، ينظرون إلى لندن ويرون ترامب مصغرا”.
ويضيف أن هؤلاء سيعتبرون القادة الآخرين من ميركل إلى ماكرون شركاء طبيعيين لهم.
وينقل الكاتب عن “أحد الشخصيات الحكومية المؤثرة” قوله إن الانتقال من ترامب إلى بايدن من الآن وحتى يناير “هو لحظة الخطر الأقصى على المملكة المتحدة”.
ويقول فورسيث إنه ربما يكون أكبر فوز لبريطانيا من رئاسة بايدن هو زيادة التعاون بشأن تغير المناخ، وهو الاهتمام المتزايد لحكومة جونسون، قبل قمة تغير المناخ في غلاسجو العام المقبل.
ويخلص إلى أن أكبر هدية تالية لرئاسة بايدن إلى المملكة المتحدة هي، ببساطة، أنها ستكون أكثر قابلية للتنبؤ مما كانت عليه خلال عهد ترامب. وسيكون هذا هو الحال بشكل خاص في ما يتعلق بالتعامل مع روسيا، خصوصا أنه مع وجود بايدن في البيت الأبيض، ستكون سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا أكثر استقرارا، حسب تقديره.
ومع ذلك، يعتقد المتابعون أن جونسون لن يخسر الكثير في حال فوز بايدن، لان العلاقات بين بريطانيا والولايات المتحدة من القوة والمتانة ما يجعلها أعلى من أن تتأثر بتغيير الرؤساء في الولايات المتحدة. فالعلاقات بين البلدين مبنية على المؤسسات وليس الأشخاص، والتداخل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين البلدين كبير للغاية.