تراجع الدعم الإقليمي يكبح مكاسب الحرب على الإرهاب في الصومال

مقديشو - حقق الجيش الصومالي بإسناد من العشائر انتصارا إستراتيجيا بعد سيطرته على المعقل الرئيسي لحركة الشباب وسط البلاد، ما يفتح أمامه المجال لبدء المرحلة الثانية للقضاء على معاقلها الجنوبية في إقليمي جوبا لاند والجنوب الغربي، إلا أن المكاسب الميدانية مهددة بالانتكاسة في ظل تراجع كينيا وإثيوبيا وجيبوتي المفاجئ عن تقديم الدعم للمرحلة الثانية من عمليات الجيش.
وفي الخامس والعشرين من أغسطس الماضي، أعلن الجيش الصومالي دخوله مدينة عيل بور وسط إقليم غلمدغ (وسط)، التي تبعد نحو 400 كلم شمال العاصمة مقديشو، بعد أسابيع من القتال وحرب استنزاف شاركت فيها طائرات مسيّرة أميركية. وتعتبر المدينة بمثابة إمارة قائمة بذاتها لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي، فهي بعيدة عن معاقلها في الجنوب، خاصة بعد تحرير الجيش لإقليم هيرشبيلي، ما أدى إلى قطع طرق الدعم والإمداد، أو على الأقل إضعافها.
ويقع هيرشبيلي بين غلمدغ وإقليم الجنوب الغربي، والأقاليم الثلاثة متصلة فيما بينها، لكن خطة الجيش اعتمدت في مرحلتها الأولى التي انطلقت في أغسطس 2022 على تحرير كامل مدن وبلدات هيران وشبيلي الوسطى، المجاورة لمقديشو، ما أدى إلى تقطيع أوصال معاقل الشباب في الوسط والجنوب. وتعتبر عيل بور مركزا للتخطيط وانطلاق العمليات الإرهابية الدامية في مختلف مدن وبلدات وسط البلاد، بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي وشبكة الطرقات والسبل المؤدية إلى مدن وبلدات وسط البلاد المختلفة.
◙ عيل بور تعتبر مركزا للتخطيط وانطلاق العمليات الإرهابية الدامية بمختلف مدن وبلدات وسط البلاد بالنظر إلى موقعها الإستراتيجي
وهذا ما يفسر قول قائد الجيش الصومالي إبراهيم شيخ محيي الدين "السيطرة على عيل بور ستوقف تماما التعاسة التي تسببت فيها حركة الشباب، سيعم السلام والرخاء". والتحدي الأكبر للحكومة الصومالية استمرار سيطرتها على المدينة وعدم السماح لحركة الشباب باستعادتها مجددا، كما فعلت في مناسبات سابقة.
لكن تحالف الجيش مع العشائر منذ عام ساعد على تثبيت السيطرة على المدن والبلدات المحررة، خاصة وأن الشباب بدأت تفقد حاضنتها الشعبية، بسبب تشددها وفرضها ضرائب مكلفة على السكان الخاضعين لسيطرتها في وقت يعانون من الجفاف وانتشار الفقر، ما دفع بعضهم إلى الانحياز للحكومة وتشكيل قوات محلية تسمى "معاويسلي" أو "الدراويش".
وبفقدانها مدينة إستراتيجية مثل عيل بور، تكون الشباب خسرت موردا ماليا لتمويل عملياتها الإرهابية، وقد تضطر قياداتها وعناصرها المتشددة إلى الفرار إلى معاقلهم في الجنوب، ما سيسهل على الجيش الصومالي تطهير ولاية غلمدغ بالكامل، خاصة المناطق الريفية التي من المرجح أن يختبئ فيها عناصر التنظيم.
ورغم أن الجيش كان ينتظر دعم دول الجوار الثلاث؛ إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، لبدء المرحلة الثانية وتحرير عيل بور، إلا أن عدم وصول الدعم مع توتر الأوضاع الأمنية في إقليم أمهرة الإثيوبي، لم يمنعه من تنفيذ العملية.
ووفقا لوسائل إعلام محلية، جرى تدريب وتجهيز 10 آلاف جندي خلال الأشهر العشرة الماضية، بالإضافة إلى 3 آلاف مسلح من الميليشيات العشائرية المعروفة محليا بـ"معاويسلي". كما شاركت القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في دعم تحرير عيل بور، عبر استهداف مسلحي الشباب بغارات للطائرات المسيّرة. ومنذ نهاية يوليو الماضي، كثف الجيش الصومالي هجماته على المناطق القريبة من عيل بور، بدعم من قوات الدراويش التابعة للولاية، والسكان المحليين.
وكان واضحا أن قتال الجيش للحركة خارج المدينة يهدف إلى استدراج عناصرها بعيدا عن مواقعها المحصنة حتى يتم استنزافها ويسهل على الطيران الأميركي المسيّر استهدافها. ولم يتم بعد إعلان بدء المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد الحركة، خاصة بعد تراجع كل من إثيوبيا وكينيا وجيبوتي عن التزامها بتقديم المساعدة خلال هذه المرحلة، وفقا للاتفاقية التي تم توقيعها في فبراير الماضي.
لكن عملية تحرير عيل بور التي انطلقت في يوليو وانتهت في الخامس والعشرين من أغسطس، بمثابة انطلاقة فعلية للمرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد حركة الشباب. وبذلك يكون الجيش قد نجح في تحييد الحركة بنسبة كبيرة من الأقاليم الوسطى، رغم أن تطهير القرى والأرياف ما زال متواصلا، ما سيسمح له بنقل ثقل المعارك إلى الجنوب.
وتمكن الجيش الصومالي خلال المرحلة الأولى من العملية ضد الشباب التي انطلقت في أغسطس 2022، من تحرير نحو 70 مدينة وبلدة في ولايتي هيرشبيلي وغلمدغ، وسط البلاد. وكان الرئيس شيخ محمود أعلن في السابع عشر من أغسطس أنه سيتم إطلاق المرحلة الثانية من العملية العسكرية خلال أيام، متوعدا بالقضاء على حركة الشباب خلال خمسة أشهر.
◙ التحدي الأكبر للحكومة الصومالية استمرار سيطرتها على المدينة وعدم السماح لحركة الشباب باستعادتها مجددا كما فعلت في مناسبات سابقة
ويمكن القول إن العمليات العسكرية في إقليمي جوبا لاند والجنوب الغربي، بدأت فعلا، حيث قضت القوات الأميركية على 13 عنصرا من الحركة في ضربة جوية نفذتها في السادس والعشرين من أغسطس، بعد يوم من تحرير عيل بور. كما قضت القوات الخاصة الصومالية (دنب)، على 47 عنصرا من الشباب بضواحي مدينة كسمايو، مركز ولاية جوبا السفلى، بإقليم جوبا لاند، الحدودي مع كينيا.
وهذه مؤشرات على البداية الفعلية والتدريجية للمرحلة الثانية للعملية في جوبالاند والجنوب الغربي، حتى في غياب دعم من دول الجوار التي تواجه تحديات أمنية مستجدة. وخاض الجيش الإثيوبي قبل أسابيع معارك صعبة مع ميليشيات فانو الأمهرية، التي سيطرت على عدة بلدات إستراتيجية في اٌليم قبل أن يستعيدها الجيش.
وأما كينيا، فواجهت انتقام حركة الشباب، التي اتهمت بتنفيذ عدة هجمات شمالي البلاد، خلفت مقتل 24 شخصا بينهم 15 عنصرا من الشرطة في يونيو الماضي. وتسعى حركة الشباب التي يقدر عدد أفرادها بين 7 و12 ألف عنصر، للضغط على كينيا للتراجع عن دعم المرحلة الثانية للعملية العسكرية ضدها، ويبدو أنها نجحت بذلك بعد تراجع نيروبي عن دعم العملية، وفق إعلام صومالي. وتسيطر الشباب على محافظة جوبا الوسطى بولاية جوبالاند، كما تحكم سيطرتها على معظم المناطق الريفية في محافظتي باي وبكول بإقليم الجنوب الغربي.