تذهيب الكتب في إيران فن الصبر والدقة

فن يتطلب دقة فائقة، فأدنى خط ملتو، حتى لو كان صغيرا، من شأنه أن يكسر التناغم المتماثل لـ"الشمسة".
الأربعاء 2024/07/03
فن صعب

يعد فن التذهيب الذي يقوم على تزيين حواشي الكتب بالألوان وماء الذهب وإحاطة الخطوط والمكتوبات بالنقوش والزخارف من مجالات الحرف اليدوية العريقة في إيران، ويعتقد المختصون القلائل أنه فن سيتمتع بشعبية متزايدة.

طهران - في وقت يمكن للذكاء الاصطناعي ابتكار عمل فني في بضع دقائق، يستغرق محمد حسين أقاميري ستة أشهر من العمل المكثف لإنجاز منمنمة فارسية، مساهما بذلك في استمرار تقليد إيراني قديم.

متكئا على طاولة الرسم الخاصة به، يمارس أقاميري فنه بتركيز شديد، إذ يرسم منحنى رفيعا بطلاء ذهبي مستخدما فرشاة ذات شعيرات دقيقة للغاية.

يُعدّ محمد حسين أقاميري، البالغ 51 عاما، أحد معلّمي تذهيب الكتب الإيرانيين، وهو فن يجمع بين الرسم وتزيين المخطوطات أو النصوص، إذ يحترفه “منذ أكثر من 30 عاما”.

و”من المحتمل أن يكون هناك ما يقرب من عشرة محترفين” ما زالوا يكسبون رزقهم من هذه الحرفة في إيران، وفق أقاميري الذي يعمل بمفرده في ورشة هادئة بالقرب من وسط طهران.

ويوضح أقاميري “إنها مهمة فريدة للغاية، وتتطلب الكثير من الصبر والدقة، وهي ليست في متناول الجميع”.

ويتطلب هذا الفن دقة فائقة، فأدنى خط ملتو، حتى لو كان صغيرا، من شأنه أن يكسر التناغم المتماثل لـ”الشمسة”، وهو عمل يبلغ قطره نحو 50 سنتيمترا مع زخارف مجرّدة وهندسيّة وزهريّة متشابكة، وقد بدأ في إنجازه قبل أربعة أشهر ويخطط للانتهاء منه خلال “شهر ونصف شهر”.

هنن

للرسم، يستخدم محمد حسين أقاميري أصباغا طبيعية، مثل اللازورد أو الزعفران، والغواش، بالإضافة إلى الكثير من الذهب الخالص المستورد من الصين.

ويلفت إلى أن “الذهب يتمتع بجاذبية بصرية كبيرة، وبما أنه باهظ الثمن، فإنه يعزز قيمة العمل في نظر المتفرج”.

ينحدر محمد حسين أقاميري من عائلة فنانين، ويقدّم نفسه على أنه وريث “للتقاليد الحرفية” المتجذرة بعمق في إيران، بما في ذلك الخط العربي أو المنمنمات أو السجاد المنسوج يدويا.

وعلى غرار المنسوجات اليدوية، كان فنّ التخطيط المذهّب موجودا قبل وصول الإسلام، في القرن السابع. وقد استُخدم هذا الفنّ لتجميل أشعار ونصوص الأساطير الفارسية التي يعشقها الإيرانيون، بحسب أقاميري. كما استعان الفنانون المسلمون بالتخطيط المذهّب لإبراز المصاحف.

واليوم، يبيع الفنان البعض من أعماله في إيران، لاسيما للمتاحف، لكن نشاطه يتركز بشكل خاص على بلدان الخليج العربية، حيث يتزايد عدد محبي الفن الشرقي والإسلامي.

ويقول “80 في المئة من أعمالي يتم شراؤها في المنطقة، خصوصا في الإمارات وقطر”، ولكن “أيضا في تركيا”، حيث يحظى هذا النوع من الفن بشعبية كبيرة.

كما يقدم محمد حسين أقاميري دورات في فن تذهيب الكتب عبر الإنترنت للطلاب المقيمين في الخارج، وخصوصا في الولايات المتحدة.

اا

ولا يقتصر هذا الفن الذي يتطلب صبر أيوب على الرجال، ولأنه فن الدقة فقد أتقنته بعض النساء ومن أبرزهن عاطفه سامعي التي تؤكد أن الأشكال والخطوط التي تُستخدم في فن التذهيب هي عادة مستوحاة من الخيال والطبيعة، لكنها تجریدیة تماما ومنتظمة وهندسية، إذ تتميز المنمنمات التذهيبية بخطوط سوداء وذهبية وزعفرانية، وألوان أخرى مصنوعة من دقيق الأحجار الكريمة، مثل الزنجفر واللازورد.

وتعتقد بأن براعة المذهّبين قد تجلت في زخرفة الصفحتين الأولى والثانية من المصحف الشريف، وكذلك في الصفحتين الأخيرتين، كما عمد بعض المذهّبين إلى تذهيب المصحف الشريف بشكل كامل، وهناك من اكتفى بتذهيب بعض الصفحات منه، مثل تذهيب سورة الفاتحة، وأول سورة البقرة، وغيرها من قصار السور.

بعد أن شهد عصره الذهبي في العصور الوسطى، أصبح فن تذهيب الكتب ذا طابع رمزي أكثر، ويعيد إنتاج الوجوه البشرية والحيوانات والمناظر الطبيعية، وغالبا ما يوضح حلقات من الكتاب المقدس.

وفي ديسمبر 2023، سلطت منظمة اليونسكو الضوء على فن تذهيب الكتب من خلال إدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، وذلك بناء على طلب دول عدة من بينها إيران أو تركيا أو أذربيجان أو أوزبكستان.

ويقرّ محمد حسين أقاميري “قبل عشرين عاما، لم يكن لدي الكثير من الأمل” في مستقبل فن تذهيب الكتب الفارسي، “لكن الأمور تغيرت وأرى أن هذا الفن أصبح يتمتع بشعبية متزايدة”.

وسيستقر قريبا لأسباب عائلية في إنجلترا، حيث سيقود أيضا ورش عمل لتعليم تخصصه، الذي يختلف بشكل ملحوظ مع مثيلاته من الفنون في أوروبا.

تت

18