تدريس المواد العلمية بالفرنسية يثير جدلا حول الهوية المغربية

الرباط - يشهد قطاع التعليم في المغرب حركية حثيثة في إطار توجه المملكة نحو إصلاح منظومتها التربوية، وبين قرارات وزارة التربية وتقبل المجتمع والمعلمين لها، يتواصل الجدل. ومؤخرا عادت قضية “فرنسة” التعليم المغربي إلى دائرة الطرح مجددا، بعد قرار أصدرته وزارة التربية بتدريس المواد العلمية والتكنولوجية في المرحلة الثانوية باللغة الفرنسية، ابتداء من الموسم الدراسي المقبل، مع إمكانية البدء من الموسم الحالي.
هذا القرار أثار رفضا في صفوف “حماة” اللغة العربية، والمدافعين عنها، في دولة يعتبر دستورها العربية اللغة الرسمية، فقد اعتبروه “انتهاكا للدستور المغربي، وانقلابا على الهوية المغربية” رغم أنه صادر عن وزارة تنتمي إلى حكومة يقودها حزب يوصف بـ“الإسلامي”.
ووجه وزير التربية والتكوين المهني المغربي رشيد بن المختار مذكرة إلى مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تقول “تصحيحا للاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية، وخصوصا منها تلك المتعلقة بتكامل المواد التعليمية في السلك الثانوي التأهيلي، فقد تقرر ابتداء من العودة المدرسية المقبلة 2016/2017 تدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفزيائية، باللغة الفرنسية، بشعبتي العلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والعلوم والتكنولوجيات الكهربائية”.
وطالبت الوزارة مسؤوليها الجهويين بـ“تعميم هذه الإجراءات على كل مؤسساتها الثانوية التأهيلية العمومية والخصوصية الحاضنة للشعب”، بل إنه ولتسريع تطبيق هذا القرار، قال الوزير المغربي في مراسلته إنه “يمكن بدء تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية ابتداء من الموسم الدراسي الحالي 2015/2016، إذا توفرت لديها الشروط الضرورية لذلك”.
واستند معارضو هذا القرار إلى جانب الدستور على مبادئ الحركة الوطنية المغربية الداعية إلى “تعريب التعليم والإدارة” عقب استقلال المغرب عن فرنسا، في بداية خمسينات القرن الماضي.
فؤاد أبو علي، منسق ما يسمى بـ“الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” الذي يضم 110 جمعيات ومنظمات مغربية تعنى باللغة العربية، قال إن سياسة وزير التربية الوطنية بخصوص تعميم الفرنسية في التعليم، تعني “الانقلاب التام والمكتمل على هوية الوطن”، متهما الوزير بـ“مسابقة الزمن” من أجل ما وصفها بـ“فرنسة التعليم والقضاء المبرم على مسار التعريب المؤسس للدولة الوطنية”.
اعتماد اللغة الفرنسية في المغرب وخاصة في المناهج التعليمية، يكون فيه استبعادا للغة العربية وتهميشا لها
ووصف رئيس جمعية حماية اللغة العربية بالمغرب موسى الشامي، وهي جمعية فكرية علمية ثقافية مستقلة، لـ“العرب”، قرار وزارة التربية الوطنية القاضي بتدريس المواد العلمية “الرياضيات والفيزياء” باللغة الفرنسية بـ“الخطأ”. معتبرا أن ذلك انقلاب على ثوابت الهوية الوطنية وعلى مقتضيات الدستور الذي يقر على أن اللغتين العربية والأمازيغية هما اللغتان الأساسيتان في المغرب، كما أن هذا القرار يعد نكوصا وردة حضارية ولغوية.
وأضاف الشامي، بأن وزارة التربية والحكومة، لم تلتزم بالوعود التي قطعتها والمتمثلة في النهوض باللغة العربية، قائلا “الحكومة تتحمل مسؤوليات تقصيرها في إعطاء اللغة العربية العناية التي تستحقها”.
وطالب رئيس الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية، بضرورة تنمية دور اللغة العربية والعمل على استخدامها في كافة الإدارات والمرافق والقطاعات الإنتاجية، وأساسا في المناهج التعليمية، والكشف عن قدراتها التعبيرية في شتى الميادين، إضافة إلى إبراز مكانتها في المجتمع المغربي. وأكد الشامي على أن توسيع اللغة الفرنسية في المغرب وخاصة في المناهج التعليمية، يكون فيه استبعاد للغة العربية وتهميش لها.
من جهته قال عبدالإله دحمان نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم إن “هذه المذكرة الوزارية التي تواصل بها بعض مدراء المؤسسات التعليمية في الثانوي التأهيلي، ليست معممة، وتروم فتح الباب من جديد للمبادئ الأربعة التي بقي الإصلاح التربوي رهينا لها”.
وأكد دحمان، أن هذه المذكرة هي بمثابة فتح الباب لولوج الفرنسية والتمكين لها عبر تدريس المواد العلمية “الفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية” بها في السلك التأهيلي، إلى جانب إضافة الأدب الفرنسي في البرامج التربوية المصاحبة لهذا التجريب.
واعتبر نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، أن هذا البعد التجريبي جاء في سياق التنزيل لاتفاقية شراكة بين المغرب وفرنسا في هذا المجال.
واعتمد المغرب سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، لكن هذه السياسة ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تدرس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي، إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، حيث تقرر تعريب جميع المواد حتى نهاية الثانوية العامة، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع جامعات المغرب.