تخبط التعليم يعكس ارتباك الحكومة المصرية لتحديد التوجهات العامة

المصريون يشكون بشكل مستمر من تردي أوضاعهم الاقتصادية.
الجمعة 2022/12/30
الحكومة المصرية تغضب الكبار والصغار

القاهرة - أثار الارتباك في أداء وزارة التربية والتعليم المصرية قبل أيام من انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الأول مع اتجاهها لعقد اختبارات المرحلة الثانوية عبر استخدام “التابلت” لبعض الطلاب وإقرارها نظام الامتحانات “الورقي” لآخرين، تساؤلات حول أسباب التخبط الذي ترك أثره على مجالات مختلفة.

وقرر وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي إعفاء بعض طلاب الصف الأول والثاني الثانوي من أداء الامتحانات المقرر انطلاقها منتصف يناير المقبل إلكترونيا من خلال “التابلت”، بينما وافق على عقد الامتحانات “ورقيا” لمن لم يتسلموه أو ليس لديهم شبكة إنترنت جاهزة، ما خلق حالة من عدم المساواة وغضبا شعبي.

ولم تحسم الوزارة، التي كانت واجهت القدر الأكبر من السخط المجتمعي ضد الحكومة السنوات الماضية، موقفها من طبيعة طريقة التقييم النهائية لبعض الصفوف الدراسية، وتقف في مفترق طرق بين تطبيق اختبارات “الأوبن بوك” أو الاستعانة بالكتاب المفتوح وبين العودة إلى طريقة التقييم التقليدية، وقررت إتاحة ورقة مدوّن بها معلومات عن المادة العلمية تسلمها للطلاب دون السماح باصطحاب الكتاب المدرسي.

مدحت الزاهد: عدم استقلالية الحركات النقابية لا يخدم الحكومة
مدحت الزاهد: عدم استقلالية الحركات النقابية لا يخدم الحكومة

وتمثل السياسات التعليمية وقدرة الحكومة على إقناع الرأي العام بها مؤشراً على قدراتها في التعامل مع قضايا مرتبطة بالمواطنين لأن قطاع التعليم يخاطب نحو 25 مليون طالب، إلى جانب أسرهم والمهتمين بالعملية التعليمية، ويشكل ارتباكها في هذا القطاع مؤشرا على مواجهتها أزمات في تحديد توجهاتها العامة في مجالات متعددة.

ولم يتوقف الأمر فقط على التعليم، فقرارات تطبيق الفاتورة الإلكترونية التي كان من المقرر تطبيقها على أصحاب الحرف والنقابيين في منتصف ديسمبر الجاري جرى إرجاؤها للمزيد من النقاش بعد اعتراضات طالتها من جانب نقابات مهنية، في مقدمتها المحامون، ولا تملك الحكومة خطة واضحة بشأن آليات تنفيذه.

وظهر الارتباك الحكومي في القرار الأخير الذي أصدره وزير التنمية المحلية اللواء هشام آمنة بشأن بدء إجراءات تطبيق قانون المحال العامة بدءاً من منتصف الشهر الجاري، الصادر منذ أكتوبر 2019، لكنه لم يدخل حيز التنفيذ.

وأمام الاعتراضات التي واجهها القانون بخاصة اشتراط الموافقة الأمنية على أكثر من 80 نشاط تجاري، قرّرت اللجنة العليا التي شكلتها وزارة التنمية المحلية لترخيص المجال العام إعادة النظر في الأنشطة التي تتطلب موافقة أمنية.

وقال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) جورج إسحاق إن الارتباك يسود العمل الحكومي في تلك الأثناء أكثر من أيّ وقت مضي، لأن الحكمة غائبة عن الحكومة الحالية، تحديداً عقب إدخال تعديلات عليها، لأن وزير التعليم على سبيل المثال لديه رغبة في السير بنفس النظام القديم للمنظومة التعليمية قبل إدخال تعديلات عليها، ووزراء آخرون يرتبكون حينما يجدون رفضا شعبيًا واسعًا لقراراتهم.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن أزمة الحكومة في عدم استماعها لآراء المتخصصين وافتقارها للدراسات الدقيقة لما يمكن تنفيذه على الأرض في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة من عدمه، لذلك تتراجع عن كثير من قراراتها وتبدو كأنها تتخذ كل يوم قرارات متناقضة مع التي أصدرتها من قبل.

ووصف الارتباك الحالي بـ”الخطير” لأنه يضرّ بالأمن القومي والمواطنين الذين يشكون بشكل مستمر من تردي أوضاعهم الاقتصادية، مطالبا بضرورة إقالة الحكومة والاستعانة بأشخاص محترفين لهم حس سياسي وقدرة جيدة على مخاطبة الرأي العام.

نقابات مهنية تعارض بشدة القرارات الحكومية
نقابات مهنية تعارض بشدة القرارات الحكومية

وتزايدت وتيرة القرارات التي تراجعت الحكومة عنها مؤخراً، فقد أدخلت تعديلا على قانون التصالح في مخالفات البناء الذي أصدرته منذ حوالي عامين ونصف العام، واستجابت للكثير من الاعتراضات التي واجهتهم وجمّدت تطبيق عدد من بنوده.

ولم تتمكن الحكومة من اتخاذ قرارات بشأن رفع أسعار تذاكر القطارات وتراجعت عن الأسعار التي حددتها للقطار الكهربائي وأقرت أخرى جديدة، كما تراجعت عن قراراها الذي أثار جدلاً بشأن إعفاء الدواجن المستوردة من الرسوم الجمركية.

ويتفق العديد من المتابعين على أن تواضع الأداء الحكومي وارتباكه يرجع إلى غياب الدور السياسي لوزرائها، وأن أداءها يغلب عليه الانفصال عن المشكلات التي تثار في الشارع ثم تفاجأ باعتراضات تدفعها للتراجع بدلاً من الدخول في صدامات عديدة.

أضف إلى ذلك غياب التفاصيل الفنية التي تتعلق بقياس اتجاهات الرأي العام حيال بعض القضايا الحيوية واتخاذ القرار وفقًا لما يتماشى مع تلك الاتجاهات بما لا يضعها في موقف مرتبك باستمرار، ومن ثم يؤثر ذلك على صورتها العامة أمام المواطنين.

وينعكس تأثير الأداء الحكومي مباشرة على الاستقرار الأمني في دولة دائما ما يجري توظيف الاحتجاجات فيها على أنها مقدمة لانهيار داخلي وليس هناك مساحات للاعتراض والشد والجذب بين الحكومة والمواطنين، وتبقى المخاوف من تسييس المطالب الفئوية من أبعادها الاجتماعية لتأخذ مسارا حاضراً بقوة في المشهد المصري.

الوزارة لم تحسم موقفها من طبيعة طريقة التقييم النهائية لبعض الصفوف الدراسية، وتقف في مفترق طرق بين تطبيق اختبارات "الأوبن بوك" أو الاستعانة بالكتاب المفتوح

وأكد رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (معارض) مدحت الزاهد أن تخبط الحكومة يعد مظهراً لأخطار سيطرة الأجهزة التنفيذية على مختلف السلطات، وهو ما يقوض أدوار البرلمان التشريعية والرقابية ويغيّب أدواره في تقديم بدائل كثيرة لكثير من القرارات والتوجهات العامة التي أثارت قلاقل داخلية، كما أن ذلك يرجع للقيود على الآراء وأصحاب المصلحة المستفيدين من تلك القرارات.

وذكر الزاهد في تصريح لـ”العرب” أن التضييق على المجال العام يضر الحكومة ذاتها في بعض الأحيان لأنها تفتقر إلى القدرة على توصيل رؤيتها بشكل كامل من تلك القرارات ويعزف المواطنون عمّا تروّجه لعدم اقتناعهم بها وتجاهل انتباههم لما تسوّق له نتيجة لانعدام الثقة.

كما أن توقيت إصدار العديد من التوجيهات غير ملائم وقد يكون قرار الفاتورة الإلكترونية حق أصيل للحكومة لكن الأزمة في عدم قدرتها على إقرار العدل المطلوب في عملية التنفيذ، لأن ليس كل أصحاب الحرف يملكون القدرة على تحمل نفقاتها.

ولفت الزاهد إلى أن عدم استقلالية الحركات النقابية لا يخدم الحكومة، فقد كان من المفترض أن تعقد لقاءات أولية مع من ستطبق عليهم القرارات قبل اتخاذها، في ظل أزمة اقتصادية خانقة تحتم الانحياز إلى فئات معينة حتى لا يقود ذلك للانفجار.

وأصبحت بعض القرارات التي كان يتقبلها المواطنون سابقا مرفوضة في الوقت الحالي نتيجة الاحتقان المتزايد، ما يتطلب مراجعة عاجلة لسياسات الحكومة عامة.

6