تحييد الضفة الغربية عن غزة يستوجب إجراءات استباقية

شرارة خاطئة خلال شهر رمضان يمكن أن تحول الضفة الغربية إلى جبهة ثالثة لإسرائيل، تنضم إلى غزة ولبنان.
الأربعاء 2024/03/06
تحييد الضفة رهن تنسيق إسرائيلي - فلسطيني - أردني

القدس - يرى محللون أن مع بدء شهر رمضان في العاشر من مارس، ستحتاج إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى اتخاذ تدابير استباقية تقلل من احتمالات التصعيد. وتقول نيومي نيومان الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في وكالة الأمن الإسرائيلية في تقرير نشره معهد واشنطن إن ذلك يتضمن تجنب الأخطاء التي توفر للمتطرفين، وخاصة قائد حماس يحيى السنوار، الفرصة لتوحيد "كل الجبهات الفلسطينية" وتحويل الضفة الغربية والقدس إلى مسرح جديد للحرب بين حماس وإسرائيل.

وفي الآونة الأخيرة، كثفت حماس وغيرها من لاعبي المقاومة حملتهم لتعزيز الرواية الوطنية الفلسطينية والسرد الديني المتمثل في "الدفاع عن الأقصى" من اليهود. وفي هذا الصدد، لدى السنوار سوابق واضحة يمكن الاستفادة منها. وفي عام 2017، قامت إسرائيل بتركيب أجهزة الكشف عن المعادن عند مداخل جبل الهيكل/الحرم الشريف، مما حول الاشتباكات الأمنية مع الفلسطينيين إلى أزمة مع العالم الإسلامي الأوسع.

وفي مايو 2021، أطلق مسلحون من غزة صواريخ من القطاع باتجاه القدس بهدف معلن هو “الدفاع عن الأقصى”، مما أدى إلى تصعيد في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وحتى المجتمعات العربية الإسرائيلية. وسرعان ما تم جر إسرائيل إلى عملية عسكرية كبيرة أخرى نتيجة لذلك.

وقد جربت حماس أساليب تحريضية مماثلة خلال الحرب الحالية. ردا على ذلك، بقي معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية على السياج حتى الآن وامتنعوا عن العنف. ومع ذلك، أصبح الوضع على الأرض هشا على نحو متزايد لعدة أشهر، والشرارة الخاطئة خلال شهر رمضان يمكن أن تحول الضفة الغربية إلى جبهة ثالثة لإسرائيل، تنضم إلى غزة والجبهة اللبنانية. وليس السنوار الوحيد الذي يدعو إلى مثل هذا الإجراء، فقد حث الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس الشرقية على السير إلى المسجد الأقصى في اليوم الأول من شهر رمضان وكسر الحصار الإسرائيلي.

الواقع الهش في الضفة الغربية

ليس السنوار الوحيد الذي يدعو إلى حملة "الدفاع عن الأقصى" من اليهود
◙ ليس السنوار الوحيد الذي يدعو إلى حملة "الدفاع عن الأقصى" من اليهود

تأتي التوترات خلال شهر رمضان في وقت يتصاعد فيه الغضب الفلسطيني تجاه إسرائيل في أنحاء الضفة الغربية. ويرجع هذا جزئيا إلى أن الحرب بين حماس وإسرائيل قد ألحقت الضرر بالخزانة المالية للسلطة الفلسطينية والوضع الاقتصادي بشكل عام. ولعدة أشهر، احتجزت إسرائيل الكثير من عائدات المقاصة التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، في حين لم يُسمح لنحو 150 ألف فلسطيني كانوا يعملون في إسرائيل بالعودة خلال الحرب.

ونتيجة لهذا فإن معدل البطالة في الضفة الغربية يبلغ الآن 29 في المئة، مقارنة بنحو 13 في المئة قبل الحرب. وفي الربع الرابع من عام 2023 وحده، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للإقليم بنسبة 22 في المئة. ومن المرجح أن يسلط شهر رمضان الضوء على تدهور الاقتصاد، إذ عادة يزداد النشاط الاستهلاكي في الضفة الغربية قبل العطلة، لكن هذا العام شهد انخفاضا ملحوظا في الاستهلاك الخاص وسط ارتفاع الأسعار وندرة الأسواق المحلية.

وفي الوقت نفسه، قامت بعض وكالات السلطة الفلسطينية مؤخرا بتقليص عملياتها إلى يومين أو ثلاثة أيام فقط في الأسبوع لأنها تفتقر إلى الأموال اللازمة لدفع رواتب موظفي القطاع العام كاملة. وفي نوفمبر، حصل موظفو الخدمة المدنية في الضفة الغربية على 65 في المئة من رواتبهم، بزيادة طفيفة عن 50 في المئة في أكتوبر. ولا يزال الوضع الأمني هشا أيضا. وكانت حرب غزة قد ألهمت 180 هجوما فلسطينيا كبيرا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر، معظمها عمليات إطلاق نار، قتل فيها سبعة عشر إسرائيليا.

وعلى الرغم من انخفاض هذه الحوادث منذ ذروتها في بداية الحرب، إلا أن حماس وإيران تحاولان بشكل مطرد تهريب المزيد من الأسلحة والمتفجرات إلى الضفة الغربية عبر الأردن، مما يوفر الأدوات اللازمة للمزيد من العنف. ولم يكن الوضع الأمني في الضفة الغربية هادئا لفترة طويلة. وكانت جيوب الفوضى واضحة قبل أشهر عديدة من الحرب، مما أعطى النشطاء نقطة انطلاق لشن هجمات.

ومنذ ديسمبر، أدى قرار إسرائيل “بخلع القفازات” ضد هذه الجماعات إلى خفض عدد الهجمات الناجحة بشكل كبير. وإجمالا، أحبط الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 665 هجوما كبيرا منذ السابع من أكتوبر. وتواصل قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية العمل ضد عناصر حماس في الضفة الغربية أيضا. ومع ذلك، فقد اضطروا إلى تبني موقف أقل ظهورا بكثير وسط الحرب، وتتزايد إحباطاتهم بسبب التخفيضات المستمرة في الرواتب.

وعلاوة على ذلك، فإن إحباط الهجمات جاء على حساب زيادة الاعتقالات بشكل كبير. وتم اعتقال حوالي 3300 فلسطيني في الضفة الغربية خلال الحرب، وهي عملية تؤدي حتما إلى زيادة الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والسكان المحليين.

◙ من المهم بالنسبة لإسرائيل أن تطرح صيغة إيجابية لحل نهائي للقضية الفلسطينية، ربما من خلال الاستجابة بمرونة للمقترحات الدبلوماسية الأميركية

وهناك عامل آخر في المعادلة الأمنية في الضفة الغربية وهو تصرفات مجموعة صغيرة من المتطرفين في حركة الاستيطان الإسرائيلية. وبتشجيع من رعاية بعض الوزراء وحرصهم على الرد على إعلان العقوبات الأميركية ضد حفنة من قادة الحركة، واصل المتطرفون استفزازاتهم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويرى العديد من الفلسطينيين أن إسرائيل تستخدم غطاء الحرب لتوسيع مستوطناتها ومواقعها الاستيطانية.

وكانت مشاعر الحرب الساخنة تدور في القدس الشرقية، وخاصة وسط الجدل الإسرائيلي الأخير حول تقييد الوصول إلى جبل الهيكل/الحرم الشريف خلال شهر رمضان. ومع ذلك، هنا أيضا، امتنع السكان الفلسطينيون إلى حد كبير عن الاستجابة لدعوات حماس إلى انتفاضة شعبية. وعند اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع هؤلاء السكان، يجب على السلطات أن تتذكر أن سكان القدس الشرقية يميلون إلى تعريفهم بأنهم “المدافعون عن الأقصى”.

وعلى هذا النحو، فقد ينضمون إلى العنف في أي وقت إذا تم استفزازهم بشكل كاف، سواء من خلال دعوات حماس المتحمسة إلى التصعيد خلال شهر رمضان، أو محاولة إسرائيلية (حقيقية أو متصورة) لتغيير الوضع الراهن في الأقصى، أو رد إسرائيلي على أي استفزاز صادر من داخل الحرم نفسه. وحتى فرض قيود على الدخول خلال شهر رمضان يمكن أن يثير استجابة جماعية، كما قال الشيخ كمال الخطيب من الحركة الإسلامية العربية الإسرائيلية في فبراير، فإن مثل هذه القيود ستكون بمثابة “زلزال” في المناخ الحالي، مع تداعيات غير مسبوقة على المنطقة بأكملها.

ولحسن الحظ، قررت الحكومة الإسرائيلية الأسبوع الماضي فرض سيطرة مجلس الوزراء على الوصول إلى الحرم خلال شهر رمضان، مما أدى إلى تجريد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير من تلك السلطة.

الآثار المترتبة على السياسة

نيومي نيومان: يجب تجنب الأخطاء التي توفر للمتطرفين الفرصة لتوحيد "كل الجبهات الفلسطينية"
نيومي نيومان: يجب تجنب الأخطاء التي توفر للمتطرفين الفرصة لتوحيد "كل الجبهات الفلسطينية"

من الآن وحتى نهاية شهر رمضان، قد تتكشف تطورات عديدة بالغة الأهمية بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي، بما في ذلك تبادل الأسرى مع حماس، ووقف إطلاق النار في غزة، وعملية كبرى للجيش الإسرائيلي في رفح، والتصعيد المحتمل مع حزب الله.

وتمثل إضافة انفجار في الضفة الغربية إلى تلك الكومة أمرا خطيرا، لذا يجب على إسرائيل أن تكون أكثر حذرا في سلوكها خلال الشهر المقبل. وهذا يعني الحد من التوترات مع الجمهور الفلسطيني، وردع الاستفزازات السياسية أو الدينية من قبل الجهات الفاعلة في الداخل أو الخارج، وربما حتى تأجيل بعض التدابير الأمنية إذا لم تكن تستحق المخاطرة خلال شهر رمضان.

ويكتسب هذا النهج أهمية خاصة في جبل الهيكل/الحرم الشريف، نظرا لخطر الانفجارات الخطيرة هناك. وكجزء من هذا الجهد، يعد التنسيق الوثيق بين الشرطة الإسرائيلية في القدس والمؤسسة الدينية التي يديرها الأردن والتي تدير الموقع (المعروف باسم الوقف) أمرا ضروريا. ومن المهم أيضا أن تحذر الجهات الفاعلة الخارجية، في واشنطن وأوروبا، وربما العواصم العربية، من احتمال قيام حماس وغيرها من المتطرفين باستغلال حساسيات شهر رمضان لتصعيد التوترات وإثارة العنف.

ومن المهم أيضا اتخاذ الإجراءات المناسبة بشأن الملف الاقتصادي، سواء للحد من التوترات المحلية أو لمنع حدوث انهيار اقتصادي أوسع نطاقا للسلطة الفلسطينية. وعلى وجه التحديد، سيكون من الحكمة أن تعيد إسرائيل النظر في اثنتين من سياساتها في زمن الحرب: حجب عائدات الضرائب التي تجمعها للسلطة الفلسطينية، ومنع جميع العمال الفلسطينيين تقريبا من دخول إسرائيل للعمل.

وعلى الجبهة الأمنية، فإن الجهود غير البارزة، ولكن الأساسية التي تبذلها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تستحق التقدير والدعم. ولا ينبغي للمسؤولين أن ينسوا مدى فائدة هذا النشاط من حيث إنقاذ الأرواح، حتى عندما يتم تنفيذه بهدوء أكثر من المعتاد. وأخيرا، تحتاج الزاوية الدبلوماسية إلى المزيج الصحيح من الاهتمام والحذر أيضا. وأصبح الفلسطينيون في الضفة الغربية أكثر تشاؤما على مر السنين بشأن فرص التغيير الحقيقي في وضعهم السياسي والاقتصادي، ولا يزال عدد قليل منهم يعتقد أن الولايات المتحدة أو إسرائيل ستكون الجهات الفاعلة التي ستحدث هذا التغيير.

وفي المقابل فإن الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، جنبا إلى جنب مع العزلة الدولية المتنامية لإسرائيل وقدرة الحركة على الصمود أمام الهجمات المضادة التي شنتها قوات الدفاع الإسرائيلية لعدة أشهر، كان سببا في تغذية التوقعات بين العديد من الفلسطينيين بأن الكفاح المسلح، وليس الدبلوماسية، قد يكون السبيل إلى تحقيق تطلعاتهم الوطنية.

وفي هذا السياق، من المهم بالنسبة لإسرائيل أن تطرح صيغة إيجابية لحل نهائي للقضية الفلسطينية، ربما من خلال الاستجابة بمرونة للمقترحات الدبلوماسية الأميركية. وفي مرحلة ما، قد يؤدي غياب أي مسار سياسي إلى توليد ما يكفي من خيبة الأمل لإبعاد سكان الضفة الغربية عن السياج والتوجه إلى النشاط العنيف.

 

اقرأ أيضا:

        • دراما مفاوضات الهدنة

6