تحول زراعي في منطقة باجة بفضل البحث العلمي

فراولة تونسية بطعم النجاح: زراعة واعدة رغم التحديات.
الخميس 2025/06/12
باجة تروي العطش للفراولة

توسعت زراعة الفراولة في تونس من محافظة نابل إلى باجة بفضل التقدم العلمي، حيث تنتج ضيعات جديدة كميات واعدة رغم التكاليف المرتفعة وصعوبات المناخ والعمل. ويُستهلك الإنتاج محليا ويشهد طلبا متزايدا، ما يعزز فرص نجاح هذا القطاع مستقبلا.

تونس ـ لئن اشتهرت ولاية نابل شمال شرقي تونس بإنتاج نسبة هامة من الفراولة على مستوى البلاد، فإن هذه الفاكهة المعروفة بـ”فاكهة الربيع والصيف” بدأت تحظى بأهمية كبيرة في ولاية باجة غربا، خاصة في مناطق تيبار ونفزة ووشتاتة، حيث لا يزال موسم قطفها مستمرا.

ووفق أرقام للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (اتحاد المزارعين) تستأثر ولاية نابل بـ90 في المئة من مساحات زراعة الفراولة في تونس بنحو 350 هكتارا، في حين تبلغ المساحة في ولاية باجة نحو 40 هكتارا.

وبعد نابل، ظهرت فكرة تجربة زراعة الفراولة في باجة، في وسط بساتين التين واللوز في منطقة جبة بمعتمدية تيبار، حيث يمتد حقل فراولة على مساحة 5 هكتارات بمساحة خضراء يانعة وأوراق عريضة تخفي تحتها الحبات الحمراء.

العشرات من النساء والرجال في الحقل، منهمكون في جني الفاكهة بكل جد ونشاط، يسابقون الزمن من أجل قطف الثمرات الناضجة قبل اشتداد حر يوم من أيام يونيو تجاوزت حرارته 38 درجة.

إنتاج الفراولة يتطلب الكثير من التقنية والاعتمادات، فتكلفة هكتار من الفراولة هي ما بين 80 ألفا و100 ألف دينار

صاحب الحقل المنجي الدجبي يشرف على العمل وينظم خروج الشاحنات الصغيرة وقد رصفت فوقها صناديق الثمار التي تم جنيها لتنتقل إلى الأسواق.

وقال الدجبي “ضيعتنا تمسح 5 هكتارات، نبدأ العمل من سبتمبر بزرع الشتلات وفي أبريل تجنى الثمار.”

وأضاف الدجبي “تحتاج نبتة الفراولة إلى العناية والري، حيث نجلب الماء من آبار إرتوازية في المنطقة بعد جفاف البحيرة القريبة منا طيلة العام.”

وتابع “كانت الأمطار دائمة هذا العام ولم نضطر إلى الري كثيرا.”

أما عن كلفة إنتاج الهكتار الواحد فقال الدجبي “يتكلف إنتاجه 80 ألف دينار (26.6 ألف دولار).”

ويواجه الدجبي صعوبة في توفير اليد العاملة بعد عزوف الناس عن العمل الفلاحي، ورغم أن منطقة دجبة معروفة بإنتاج التين فقد بدأت مغامرة زراعة الفراولة منذ 5 سنوات، وفق حديث صاحب الحقل.

موسم الحصاد الأحمر
موسم الحصاد الأحمر

وتابع الدجبي “الهكتار الواحد يعطي في السنة الجيدة من حيث الأمطار، 20 طنا من الفراولة وفي الأعوام العادية ينتج ما بين 10 و15 طنا.”

ولفت إلى أن “في السنة الأولى من غراسة الفراولة لا يمكن تغطية تكاليف الإنتاج لقلة المحصول الذي يتضاعف في العام الثاني والثالث المواليين.”

وحول الفراولة التي ينتجها قال الدجبي “نغرس نوعين من الفراولة؛ الكاماروز لأنها تتحمل الحرارة وكذلك صنف الفرتونة. أما الشتلات فهي كلها مستوردة من ولاية كاليفورنيا بأميركا.”

وأضاف “الشتلة الواحدة تبلغ تكلفتها 1.2 دينار (0.4 دولار) والهكتار الواحد يتسع لـ40 ألف شتلة.”

ويتم التسويق للمنتوج داخليا “بطريقة سهلة”، نظرا لاستهلاك الفراولة في التقاليد الغذائية للعائلات التونسية، وفق المزارع، الذي يدير الضيعة الوحيدة في منطقة دجبة التي تنتج الفراولة.

من ناحيته، قال شكري الرزقي، نائب رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلف بالإنتاج الفلاحي، “كانت جهة الوطن القبلي (نابل) تختص بإنتاج الفراولة وأساسا منطقة قربة ولكن بحكم التطور العلمي، اكتسح المنتوج العديد من الجهات.”

وأضاف الرزقي “مثل العديد من المزروعات التي كانت في السابق حكرا على جهات محددة، أصبحت اليوم تنتشر في مختلف أنحاء التراب التونسي، بفضل التطور العلمي الذي منح هذه الزراعات فرصة الوجود في مناطق أخرى، ومكنها من تجاوز صعوبات المناخ ومحدودية الموارد المائية وتفاوت نوعية التربة.”

وأضاف الرزقي “لقد أفضى البحث العلمي إلى تطوير أنواع من المزروعات قادرة على تحدي صعوبات المناخ والتربة.”

وتابع “كانت الفكرة السائدة أن الفراولة، وغيرها من الزراعات مثل القوارص والتفاح، لا تُنتَج إلا في جهات محددة. لكن البحث العلمي تمكن من تجاوز هذه القناعة وفتح آفاقا جديدة أمام الفلاحين لإنتاج أنواع متعددة من المزروعات. ويبقى على الفلاح أن يبحث عن الصنف الذي يتلاءم مع خصائص منطقته.”

وحول ارتفاع استهلاك الفراولة وتوسعه جغرافيا قال الرزقي “وبحكم توسّع الإنتاج في عدّة جهات، أصبح هذا المنتوج أقرب إلى المواطن، الذي أقبل عليه بكثافة.”

فاكهة الربيع تثمر في أرض جديدة
فاكهة الربيع تثمر في أرض جديدة

وأضاف “في ولاية باجة كان إنتاجه حكرا على نفزة ووشتاتة ( شمال ولاية باجة) أما اليوم فإنتاج الفراولة أصبح في منطقة سيدي إسماعيل وفي جهة مجاز الباب (جنوب الولاية) وكلما اقترب المنتوج من المواطن أتيحت فرصة استهلاكه أكثر.”

وتابع الرزقي “إنتاج الفراولة يتطلب الكثير من التقنية والاعتمادات، فتكلفة هكتار واحد من الفراولة هي ما بين 80 ألفا (26.6 ألف دولار) و100 ألف دينار (333.3 ألف دولار) وهذا ليس بإمكان أي كان.”

وأوضح أن “من الناحية التقنية والمتابعة يتطلب إنتاج الفراولة دقة، وبحكم توفر المعلومة العلمية والإرشاد من الشركات أصبح المزارع متضلعا في غراسة الفراولة.”

وأضاف “يُوجَّه كامل الإنتاج الوطني إلى السوق المحلية، مع وجود صناعات تحويلية مرافقة. وهذا ما يساهم في تطوّره، إذ إن أي ثورة فلاحية لا تُكتب لها الاستدامة والنجاح ما لم ترافقها ثورة صناعية تحويلية.”

وقال الرزقي “لهذه الغراسة آفاق واعدة، ويمكن أن تكون مربحة إذا توفرت الظروف المناخية الملائمة. غير أن من أبرز العوائق التي تعترض نجاحها هو انتشار الأمراض في الحقول، مما يجعل معالجتها مكلفة جدا من الناحية المالية.”

من ناحية أخرى، أفاد الرزقي بأن “الفراولة تنضج في تقاطع فصول (الربيع والصيف) مما يجعل تسويقها سهلا ومربحا ويقبل عليها المواطنون.”

أما عن الصعوبات التي تواجه إنتاج الفراولة في تونس، فقال الرزقي “الصعوبات تشمل كل القطاعات مثل الأمراض واليد العاملة وارتفاع تكلفة الإنتاج.”

إلا أنه أعرب عن تفاؤله بمستقبل هذه الزراعة في تونس بالقول “كلما ارتفعت الإنتاجية، انخفضت التكلفة، وأصبح الربح للفلاح مجزيا أكثر.”

16