تحرير التعامل بالعملات الأجنبية محور برنامج الحكومة التونسية

اعتبر اقتصاديون الخطة التي أعلن عنها رئيس الحكومة يوسف الشاهد الإثنين، بفتح حسابات بالعملة الصعبة بأنها تشكل ركيزة أساسية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في طريق الخروج من أزمة شحّ السيولة النقدية.
ويؤكد متابعون للشأن الاقتصادي التونسي أن اتخاذ الحكومة قرارا برفع القيود على التعامل بالعملات الأجنبية يعدّ خطوة مهمة باتجاه إعادة الروح لسوق الصرف بالدرجة الأولى، والذي يعاني من أزمة حقيقية بشكل لم يسبق له مثيل.
ويُتوقع أن يشجع الإجراء الجديد العديد من المستثمرين التونسيين والأجانب والمغتربين على ضخّ أموالهم في البنوك المحلية، الأمر الذي سيترتب عليه انتعاش للقطاع المصرفي من جهة، وفك ارتباط التعامل بالعملة المحلية التي تشهد تراجعا في قيمتها بشكل كبير.
|
وكشف رئيس الحكومة يوسف الشاهد الإثنين، خلال جلسة عامة بالبرلمان لمنح الثقة لحكومته بعد التعديل الوزاري الموسّع، الذي أعلنه الأسبوع الماضي، أن بلاده ستسمح بفتح حسابات بالعملة الأجنبية وستقر قانونا للعفو في جرائم الصرف.
وينتقد محللون منذ سنوات القيود التي تفرضها الحكومة على حركة النقد الأجنبي والتي أدت إلى ظهور مصاعب للعديد من الشركات ورجال الأعمال، ما أعطى صورة سلبية لمناخ الأعمال بالبلاد.
ويأتي الإجراء الذي وصفه اقتصاديون بـ“الاستثنائي” في إطار خطة لدعم احتياطيات تونس من العملة الصعبة، والتي تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ نحو ثلاثة عقود، كما أنها تهدف إلى احتواء السوق السوداء التي تزايد نشاطها في الفترة الماضية بشكل لافت.
وتحاول تونس جاهدة استقطاب المغتربين التونسيين عبر جذب استثمارات الكفاءات المغتربة في السوق المحلية وتشجيعهم على تحويل أموالهم للبلاد. وقـد يكـون هذا الإجراء الجديد دافعا لأن تشهد البلاد المزيد من التحويلات بالعملة الصعبة في الفترة المقبلة.
وتصاعدت التحذيرات من انحدار الاقتصاد التونسي إلى الركود في ظل تباطؤ معدلات النموّ وتفاقم الديون وتزايد الضغوط على التوازنات المالية وأكدت خطورة استنزاف الاحتياطيات المالية على قدرة الحكومة على إصلاح الاقتصاد المتعثر.
ويرى خبراء أن تراجع سعر الدينار التونسي أمام اليورو والدولار إلى مستويات تاريخية في سوق الصرف الرسمي، سيكون له تداعيات سلبية على اقتصاد البلاد وأن تأثيراته قد تعمق الأزمة.
ويقول الصادق جبنون، الخبير التونسي في استراتيجيات الاستثمار، إن من أسباب شح النقد الأجنبي الانخفاض المتواصل للدينار مقابل اليورو، الذي شهد ارتفاعا كبيرا مؤخرا، وكذلك بسبب ضعف اقتصاد البلاد.
ولا يزال الاقتصاد التونسي حتى الآن يعاني من التركة الثقيلة للسياسات الاقتصادية المرتبكة لحكومة الترويكا التي قادتها النهضة وتسببت في أزمات كثيرة انسحبت على معظم مظاهر الحياة الاقتصادية للمواطنين.
ووفق بيانات البنك المركزي التونسي، بلغ الاحتياطي من العملة الصعبة في منتصف الشهر الماضي، نحو 4.67 مليار دولار، وهو أقل بكثير عن مستوياته في 2010، حينما كان يبلغ نحو 13.5 مليار دولار.
وتتضمن الخطة الاقتصادية الجديدة التي أعلن عنها الشاهد 4 محاور أساسية ستتم معالجتها حتى 2020 بالتوازي مع الإصلاحات المقررة سابقا في قطاع الضرائب والوظائف في القطاع العام والمؤسسات الحكومية والصناديق الاجتماعية.
|
وأشار الشاهد إلى أن حزمة الإصلاحات ستمس القطاع العام والقطاع المصرفي والصناديق الاجتماعية، إضافة إلى منظومة الدعم التي اعتبرها أهم الإصلاحات المنتظرة في الفترة المقبلة.
وقال إن “الإصلاحات تشمل كذلك مراجعة الاختلال في نظام الدعم الحكومي حتى يصل الدعم إلى مستحقيه من فئات الشعب فضلا عن التقليص في حجم الأجور في القطاع العام”، والتي أرهقت كثيرا كاهل الدولة.
وأوضح أن حكومته “ستقدّم برنامجا اقتصاديا للبرلمان بعد أن تنتهي من البعض من النقاشات مع الأحزاب والمنظمات التي يتوقع أن تثريه ببعض الاقتراحات”، لافتا إلى أن الخطة تتضمن إصلاحات اقتصادية “ضرورية لإعادة التوازنات للمالية العامة وإنعاش الاقتصاد”.
ومن بين الأهداف التي تتطلع إليها الحكومة التحكم في حجم الأجور في القطاع العام والذي يشكل نحو 40 بالمئة من ميزانية الدولة، وذلك بالعمل على خفضه من 15.5 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي حاليا إلى 12.5 بالمئة بحلول عام 2020.
وتواجه تونس تحديا كبيرا بإيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل من الشباب والبالغ عددهم أكثر من 600 ألف، أكثر من ثلثهم من خريجي الجامعات، بالإضافة إلى حلحلة مشاريع التنمية في المناطق الداخلية الفقيرة.
وتعهد الشاهد بخفض عجز الموازنة إلى نحو 3 بالمئة بحلول عام 2020 مقارنة مع 6 بالمئة متوقعة هذا العام، إلى جانب الحفاظ على استقرار حجم الديون والوصول به إلى نسبة 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتخطط الحكومة لرفع النمو إلى 5 بالمئة في 2020 مقارنة مع نمو متوقّع لا يتجاوز 2.5 بالمئة في 2017 في إطار خطة لإنعاش الاقتصاد التونسي الواهن.