تحركات الفصائل المسلّحة في العراق معدّلة بالكامل على أجندة إيران

الميليشيات تخفف هجماتها على القوات الأميركية بأمر من قائد فيلق القدس.
الاثنين 2024/02/19
صاحب الكلمة الفصل

تمكُّن قائد فيلق القدس الإيراني من كبح جماح الميليشيات العراقية المشاركة في استهداف مواقع تمركز القوات الأميركية تحت عنوان دعم المقاومة الفلسطينية، أعاد تسليط الضوء على حجم السلطة التي تمتلكها إيران على تلك الميليشيات وقدرتها الكاملة على ضبط حركتها وفقا لأجندتها في المنطقة.

بغداد - فرض الحرس الثوري الإيراني على الميليشيات الشيعية الإيرانية المُشارِكة في استهداف القوات الأميركية في العراق وسوريا، مخالفة تعهّداتها بأن تواصل ضرباتها لمواقع تمركز تلك القوات حتى إجبارها على الرحيل، وأجبرها على الدخول في تهدئة اقتضتها مصلحة إيران، التي باتت تخشى ردّة فعل أميركية عاصفة قد تشملها هي بحدّ ذاتها.

وقالت عدة مصادر إيرانية وعراقية إن زيارة قام بها إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني إلى بغداد أدت إلى توقف الهجمات التي تشنها الفصائل المتحالفة مع إيران في العراق على القوات الأميركية.

ووصفت المصادر هذا بأنه علامة على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقا.

وقالت المصادر التي نقلت عنها وكالة رويترز إن قاآني التقى بممثلي عدة فصائل مسلحة في مطار بغداد يوم التاسع والعشرين من يناير الماضي بعد أقل من ثمانية وأربعين ساعة من اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل ثلاثة جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري بالأردن.

وقالت عشرة من المصادر إن قاآني الذي قُتل سلفه على رأس فيلق القدس قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة أميركية بالقرب من المطار نفسه قبل أربع سنوات، أبلغ الفصائل بأن سفك الدماء الأميركية يخاطر برد أميركي عنيف.

وأضافت المصادر أن قاآني أبلغ الفصائل المسلحة أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسية أو حتى الانتقام الأميركي المباشر من إيران.

فرهاد علاء الدين: عملنا على التهدئة مع كل الأطراف المعنية داخل العراق وخارجه
فرهاد علاء الدين: عملنا على التهدئة مع كل الأطراف المعنية داخل العراق وخارجه

ولم توافق إحدى الفصائل في البداية على طلب قاآني، لكن معظم الفصائل الأخرى وافقت. وفي اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب حزب الله المتحالفة مع إيران أنها ستعلق هجماتها.

ومنذ الرابع من فبراير الماضي لم تقع هجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، مقارنة مع أكثر من 20 هجوما في الأسبوعين السابقين لزيارة قاآني في إطار موجة من أعمال العنف من قبل الفصائل ردا على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة الفلسطيني.

وقال قيادي كبير في إحدى الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران “دون تدخل قاآني المباشر، كان من المستحيل إقناع كتائب حزب الله بوقف عملياتها العسكرية لتهدئة التوتر”.

وقالت رويترز إنّ قاآني ولا فيلق القدس، وهي قوة تابعة للحرس الثوري الإيراني تعمل مع الفصائل المسلحة المتحالفة من لبنان إلى اليمن، لم ترد على طلباتها للتعليق، ولم يتسن الوصول إلى كتائب حزب الله وفصيل لكشف موقفها. كما لم يرد البيت الأبيض ولا وزارة الدفاع الأميركية البنتاجون أيضا.

ومن جهتها أشارت وسائل إعلام عراقية إلى زيارة قاآني، لكن تفاصيل رسالته وتأثيرها في الحد من الهجمات لم ترد في تقارير قبل ذلك.

وتحدث ثلاثة مسؤولين إيرانيين ومسؤول أمني عراقي كبير وثلاثة سياسيين شيعة عراقيين وأربعة مصادر في الفصائل المسلحة العراقية المتحالفة مع إيران وأربعة دبلوماسيين يركزون على الشأن العراقي.

وقالت خمسة من المصادر إن الحكومة في بغداد، وهي حليف مشترك نادر لكل من طهران وواشنطن، تحاول منع تحول البلاد مرة أخرى إلى ساحة قتال للقوى الأجنبية وطلبت من إيران المساعدة في كبح جماح الفصائل بعد الهجوم في الأردن.

وقال فرهاد علاء الدين مستشار رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للشؤون الخارجية ردا على سؤال بشأن زيارة قاآني وطلب بغداد المساعدة في كبح جماح الفصائل المسلحة إن السوداني عمل مع كل الأطراف المعنية داخل وخارج العراق محذرا من أن ي تصعيد سيعمل على زعزعة أمن العراق والمنطقة”.

وقال سياسي شيعي من الائتلاف الحاكم إنّ الهجوم على موقع البرج 22 “جاء بطريقة خدمت مصلحة الحكومة العراقية”.

وفي أعقاب الهدوء الذي تلى ذلك، استؤنفت المحادثات في السادس من فبراير الجاري مع الولايات المتحدة حول إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق.

وتفضل عدة أحزاب وفصائل مسلحة أخرى متحالفة مع إيران في العراق، إجراء المحادثات بدلا من شن هجمات لإنهاء وجود القوات الأميركية.

ولم تكن واشنطن مستعدة للتفاوض على تغيير في وضعها العسكري في ظل الهجمات، خشية أن يؤدي ذلك إلى تجرّؤ إيران وفصائلها على استهداف المصالح الأميركية في المنطقة.

وللولايات المتحدة حاليا نحو 2500 جندي في العراق و900 جندي في سوريا في مهمة لتقديم المشورة والمساعدة. وهذه القوات جزء من تحالف دولي تم نشره في عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد، خاصة في غرب العراق وشرق سوريا.

Thumbnail

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الوجود الأميركي في العراق سيتحول إلى “علاقة أمنية ثنائية مستمرة”.

وتؤكد الولايات المتحدة أن طهران تتمتع بمستوى عالٍ من السيطرة على ما تسميه وكلاء لإيران في المنطقة. وتقول طهران إنها قدمت التمويل والمشورة والتدريب للحلفاء، لكنهم يقررون العمليات بأنفسهم.

واعترف مسؤول أميركي آخر بدور إيران في الحد من الهجمات لكنه قال إنه ليس واضحا ما إذا كان الهدوء سيستمر.

وقال مسؤول أميركي كبير آخر “نحتاج إلى رؤية المزيد من الجهد على الأرض” من قبل العراق للسيطرة على الفصائل، مشيرا إلى عدم تنفيذ سوى عدد محدود من الاعتقالات فقط بعد هجوم بقذائف الهاون في ديسمبر الماضي على السفارة الأميركية في بغداد.

وقال المصدر الأمني العراقي الكبير إنه في الوقت الذي تستعد فيه إيران لرد أميركي على هجوم الأردن، جاءت زيارة قاآني سريعة إذ لم يغادر المطار “لدواع أمنية مشددة وخشية على سلامته”.

وأعقب الغارةَ التي أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني عام 2020 خارج المطار، هجومٌ اتهمت واشنطن كتائب حزب الله أيضا بشنه، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل متعاقد أميركي وأثار في ذلك الوقت مخاوف من اندلاع حرب إقليمية. وإلى جانب سليماني، أسفرت الغارة التي شنت بطائرة مسيرة عن مقتل زعيم كتائب حزب الله سابقا أبومهدي المهندس.

وذكرت تسعة مصادر أن كلا من طهران وبغداد يريدان تجنب تصعيد مماثل هذه المرة. وذكر المصدر الأمني العراقي الكبير “تعلم الإيرانيون الدرس من تصفية سليماني ولا يريدون تكرارها”.

وقال مسؤول أمني إيراني كبير “زيارة القائد قاآني كانت ناجحة ولكن ليست بشكل كامل إذ لم توافق جميع الجماعات العراقية على تهدئة التصعيد”. وقالت جماعة النجباء وهي جماعة صغيرة لكنها نشطة جدا إنها ستواصل الهجمات مشيرة إلى أن القوات الأميركية لن تغادر أبدا إلا بالقوة.

لمن الولاء
لمن الولاء

وليس واضحا إلى متى ستستمر الهدنة. وتوعدت جماعة تنضوي تحت لوائها عدة فصائل مسلحة باستئناف العمليات إثر قتل الولايات المتحدة للقيادي الكبير في كتائب حزب الله أبوباقر السعدي في بغداد يوم السابع من فبراير الجاري.

وكان السعدي أيضا عضوا في قوات الحشد الشعبي وهي جهة أمنية عراقية تضم في أغلبها فصائل شيعية مسلحة متحالفة مع إيران وحاربت تنظيم الدولة الإسلامية مما يسلط الضوء على مدى تداخل الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران مع الدولة العراقية.

وغزت قوات تقودها الولايات المتحدة العراق في 2003 وأطاحت بصدام حسين قبل أن تنسحب من العراق في 2011.

غير أن الفصائل المسلحة الشيعية التي أمضت سنوات في مهاجمة القوات الأميركية في أعقاب الغزو الأميركي للعراق قاتلت في نفس الجبهة ضد تنظيم داعش ولكن من دون الدخول في شراكة مباشرة مع الجنود الأميركيين حتى أُلحقت الهزيمة بالتنظيم المتشدد في العراق.

وفي السنوات اللاحقة اشتدت جولات من القتال المتبادل مع بقايا القوات الأميركية في العراق حتى مقتل سليماني والمهندس.

ودفع مقتل سليماني والمهندس، البرلمان العراقي إلى التصويت لصالح خروج القوات الأجنبية من العراق. وقال مسؤولون حكوميون إن حكومة السوداني وصلت إلى السلطة في أكتوبر 2022 بناء على تعهد بتنفيذ هذا القرار، على الرغم من أنه لم يكن يعتبر أولوية. لكن الوضع تغير مجددا مع بداية الحرب في غزة.

ودفعت عشرات الهجمات والعديد من الردود الأميركية عليها بما في ذلك مقتل قيادي كبير في حركة النجباء في بغداد يوم الخامس من يناير الماضي، السوداني إلى إعلان أن التحالف أصبح عاملا لعدم الاستقرار في المنطقة وبدأ محادثات لإنهاء وجوده في العراق. غير أنه أبقى الباب مفتوحا لاستمرار الوجود العسكري الأميركي لكن بصيغة مغايرة عبر اتفاق ثنائي.

وقال مسؤولون عراقيون إنهم يأملون في أن يستمر الهدوء الحالي حتى تتمخض المحادثات التي من المتوقع أن تستغرق شهورا عن نتائج.

وتعهد المسؤول الكبير في كتائب حزب الله والقائد العسكري لقوات الحشد الشعبي عبدالعزيز المحمداوي في مراسم تشييع السعدي برد على عملية القتل الأخيرة لكنه لم يعلن العودة للعنف. وذكر أن الرد سيكون مبنيا على توافق بما في ذلك مع الحكومة.

وقال إنّ الانتقام للساعدي “سيكون بخروج كل القوات الأجنبية من العراق. ولن نقبل بأي شيء أقل من ذلك”.

3