تحركات أممية تراهن على العقوبات لكسر شوكة ميليشيات طرابلس

القاهرة - عقدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الخميس، اجتماعا ضم البعثات الدبلوماسية العاملة هناك، ورئيس لجنة مراقبة وقف إطلاق النار اللواء حسين عبدالله.
وقالت البعثة في بيان لها “إن الدبلوماسيين أعربوا عن استعدادهم لتسهيل عمل اللجنة عبر تقديم الدعم اللوجستي”. وأكد اللواء حسين عبدالله أن وقف إطلاق النار الخطوة الأولى نحو تعزيز الأمن في طرابلس وإخلائها من الأسلحة والميليشيات.
لا تزال الميليشيات المسلحة تتلاعب باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في مدينة الزاوية، برعاية الأمم المتحدة، في 4 سبتمبر الجاري، حيث تجددت الاشتباكات أخيرا، ما أدى إلى نزوح عدد كبير من الأسر الليبية بعيدا عن العاصمة طرابلس، خوفا من اتساع نطاق الاشتباكات بين الميليشيات الرئيسية وقوات اللواء السابع مشاة، الذي دخل المعادلة الأمنية في 26 أغسطس الماضي.
تأتي هذه التطورات عقب تصاعد المخاوف الدولية من نتائج الاشتباكات العسكرية، وبعد تحذيرات صارمة من المبعوث الأممي غسان سلامة، والتلويح بورقة العقوبات الدولية ضد قادة بعض الكتائب المسلحة.
وعلمت “العرب” أن غسان سلامة يستعد لتقديم إفادة إلى مجلس الأمن، تتضمن أسماء قادة ميليشيات مسلحة لإدراجهم في قائمة العقوبات، بينهم صلاح بادي قائد ما يسمى بـ”لواء الصمود”، وقائد ميليشيا مسلحة يدعى بشير البقرة، يدعم حكومة موازية (غير معترف بها دوليا) يقودها خليفة الغويل.
وينطوي التلويح الدولي بورقة العقوبات على أهمية كبيرة، لأنه يمكن أن يردع قادة بعض الميليشيات الذين كونوا ثروات طائلة خلال السنوات الماضية من البلطجة وفرض الإتاوات.
وقال بلقاسم قزيط، عضو مجلس الدولة الليبي (كيان استشاري)، إن المبعوث الأممي وضع قائمة بأسماء 30 شخصية، من بينها قادة ميليشيات وسياسيون ومهربون، لإدراجهم في قائمة عقوبات ستقدم إلى مجلس الأمن الدولي قريبا.
وكشف في تصريحات لـ”العرب”، أن سلامة جاد هذه المرة ويريد أن “يكشر عن أنيابه للميليشيات المسلحة”، مرجحا تبني دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عملية فرض عقوبات على بعض قادة ميليشيات طرابلس، وربما تطال قيادات في المشهد السياسي الليبي على علاقة وثيقة بها. وأوضح أن وضع قادة التشكيلات المسلحة على قائمة العقوبات الدولية “يضعفهم ويسقطهم من المشهد السياسي الليبي”.
وتشير التحركات الأخيرة للدول الفاعلة في ليبيا، بعد إدراج آمر حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران، على قائمة العقوبات الدولية مؤخرا، إلى أن المجتمع الدولي بدأ في تغيير موقفه من الاعتماد على الميليشيات المسلحة، وسبق أن توعد غسان سلامة قادة الميليشيات في عدة مناسبات .
التلويح الدولي بورقة العقوبات ينطوي على أهمية كبيرة، لأنه يمكن أن يردع قادة بعض الميليشيات الذين كونوا ثروات طائلة خلال السنوات الماضية من البلطجة وفرض الإتاوات
ومن أخطر التجليات السلبية للأزمة الليبية الغطاء الذي وفرته بعض القوى الدولية للميليشيات المسلحة، والتي تبيّن أنها من أهم أسباب استمرار الأزمة، ما دفع بعض الدول الأوروبية إلى تغيير حساباتها، ومنها إيطاليا (وقبلها فرنسا) التي بدأت تتجه نحو التنصل من قادة الميليشيات حتى لا تنكشف طبيعة العلاقة التي جمعتها بعدد من قادة الكتائب المسلحة.
وأجبرت تطورات الأوضاع في طرابلس روما على إعادة هيكلة أجهزتها الأمنية للحفاظ على مصالحها الجيوستراتيجية الضخمة في ليبيا والتي تخوض بسببها مناوشات سياسية مضنية مع فرنسا. ونشرت جريدة “لاريبوبليكا” تحقيقا مشتركا مع مجلة “ليسبرسو”، عن خطة متكاملة لحكومة رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، لإحداث تغييرات واسعة النطاق في هياكل أجهزتها الأمنية الداخلية والخارجية، بما في ذلك تكليف مسؤولين جدد على رأسها وتعديل الموقف في ليبيا لتحسين مستوى إدارة الأزمة.
واتهمت بعض المصادر الليبية روما بالتدخل في ليبيا، ما أدى إلى تعقيد وإرباك المشهد السياسي واحتدام القتال بين الميليشيات التي تتبع حكومة الوفاق.
وأكد زايد هدية، عضو مجلس النواب الليبي عن مدينة سرت، أن إيطاليا تبحث عن مصالحها وتتحالف مع أي ميليشيات لتأمينها، خاصة في قطاع النفط والغاز، مشيرا لـ”العرب” إلى أن المعالجة الحقيقية لأزمة طرابلس تكمن في “دخول الجيش الوطني طرابلس، بعيدا عن لعبة تبادل الأدوار التي تقوم بها الميليشيات للسيطرة على المؤسسات السيادية”.
ويرى بعض المراقبين أن ترويض الميليشيات يمكن حدوثه حال توافرت الإدارة السياسية الجيدة للأزمة في ليبيا، لأن المشكلة تكمن في عدم اعتراف المجتمع الدولي بأن ما حدث في ليبيا منذ عام 2011 هو حرب أهلية فعليا، ما قاد إلى خلق الميليشيات الحالية، وتأخير محاولات نزع السلاح واستيعاب المقاتلين وتأهيلهم.
وتصف دوائر كثيرة الميليشيات أنها “عصابات إجرامية، ليس لها أي أيديولوجيات سياسية، بعضها يعذب البشر والبعض الآخر يهرب السلاح والمخدرات والسلع، ويصعب التعامل معها إلا بالقوة لكسر شوكتها”.
وذهبت بعض أطراف الأزمة إلى أن الحل في التعجيل بإجراء الانتخابات التي رسمتها المبادرة الفرنسية، وحددت لها تاريخ 10 ديسمبر الجاري، باعتبارها المدخل الذي يسكت جميع القوى، ويخضعها لنتائجها. لكن هناك قوى أخرى ترى في هذا الخيار تكريسا لنفوذ الميليشيات وصعوبة في إنهاء سلطتها، لأنه لا توجد ضمانات تؤكد قدرة الطرف الفائز في الانتخابات على فرض سيطرته في ظل عدم وجود مؤسسات أمنية نظامية (جيش وشرطة) تفرض سيطرتها على جميع المناطق.
واستبعد بلقاسم قزيط في تصريحات لـ”العرب”، إجراء الانتخابات في ظل غياب البعد العملي للرؤية الفرنسية المتسرعة وغير المفهومة للدفع نحو إجرائها، وظهور بوادر تشي بعدم رضا المبعوث الأممي (فرنسي الجنسية من أصل لبناني) عن جهود باريس لحل الأزمة، مؤكدا “لن تستطيع إيطاليا أو فرنسا التوصل إلى حل لأزمة ليبيا”.
وطالبت بعض الدوائر الليبية المحايدة، البعثة الأممية بمعارضة أي مبادرات دولية خلافا للدور الأممي، مع تصاعد وتيرة الحديث عن خطة أميركية جديدة للتدخل في ليبيا، ووسط تنافس كبير بين روما وباريس، لقيادة زمام المبادرة في البلاد.
ورجحت بعض المصادر إمكانية انتخاب مجلس رئاسي جديد للمضي قدما في عملية الترتيب لإجراء انتخابات نزيهة، ولا تخضع لهيمنة الميليشيات والقوى السياسية التي تقف خلفها، والعمل على وقف الصراع المسلح وإقرار تهدئة في طرابلس، بعد فشل المجلس الرئاسي الحالي في حل الأزمة وتغلغل الفساد في مفاصله.