تحديد مواقع سفن حربية غرقت قبالة فرنسا

السفينة الحربية تظهر بشكل ثلاثي الأبعاد على شاشة عالم جيوفيزياء.
السبت 2023/10/14
وراء كل سفينة قصة مؤلمة

ما تزال آثار الحرب العالمية الثانية غير واضحة المعالم رغم مرور السنوات، حيث كشف علماء آثار عن سفن حربية غرقت في السواحل الفرنسية تروي كل واحدة منها قصة عن هول الخسائر التي لحقت بالمتحاربين.

دنكيرك (فرنسا) - حدد علماء الآثار موقع المدمّرة البريطانية "كيث" التي كانت ترقد في قاع قناة دنكيرك منذ غرقها خلال عملية "دينامو" عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية، ويعملون من سفينتهم للأبحاث على إجراء جرد للقطعة التي يبلغ طولها نحو مئة متر وعرضها عشرة أمتار وتبدو عليها آثار عدد من القنابل.

وتظهر السفينة الحربية بشكل ثلاثي الأبعاد على شاشة عالم جيوفيزياء من هيئة "هيستوريك إنغلند" الحكومية البريطانية التي تشارك في حملة نقل الحطام بقيادة الإدارة الفرنسية لأبحاث الآثار تحت الماء.

ويقيس مسبار الصدى متعدد الحُزَم المُعلّق أسفل القارب عمق المياه، مما يتيح له إنشاء “نموذج ثلاثي الأبعاد لقاع البحر وما قد يكون موجوداً فيه من حطام سفن” أو سوى ذلك، على ما يوضح الجيوفيزيائي. ويصف "رؤية السفينة تظهر على الشاشة بأنه أمر مؤثر، فهذه السفن الغارقة تمثل تراثاً ثقافياً مشتركاً بين إنجلترا وفرنسا".

إلا أن عالمة الآثار من الإدارة الفرنسية لأبحاث الآثار تحت الماء سيسيل سوفاج المشاركة في إدارة عملية البحث التي بدأت في 25 سبتمبر أفادت بأن الحطام "سيختفي شيئا فشيئا" رغم "حجمه الكبير". وأوضحت أن فهرسة الحطام تتيح "حماية ذكرى السفن والتاريخ البشري الموجود وراء حطامها".

◙ تحديد المهمة بثبات
◙ علماء الآثار يتوجب عليهم تأكيد المواقع ومقارنتها بالبيانات الأرشيفية لإضفاء الطابع الرسمي على ماهية كل حطام

وحصلت عملية “دينامو” التي خلّدها فيلم دنكيرك عام 2017، في الفترة من 26 مايو إلى 4 يونيو 1940، وتمثلت في محاولة إجلاء قوات الحلفاء المحاصرة من القوات الألمانية في شمال فرنسا، وتمكينها من الاتجاه إلى إنجلترا.

وفي تسعة أيام، أُجلِيَ 338220 مقاتلًا (معظمهم من البريطانيين لكنّ بينهم أيضاً فرنسيون (123ألفاً) و16800 بلجيكي) في ظروف غير مسبوقة وعلى متن قوارب مختلفة، كانت بينها سفن عسكرية وأخرى مخصصة للصيد وعبّارات وزوارق قَطْر، وسوى ذلك. ولا تتجاوز مسافة أقصر طريق بين دنكيرك ودوفر 60 كيلومتراً، لكنها كانت في مرمى مدافع العدو المنصوبة في كاليه.

أما عالمة الآثار كلير ديستانك التي تشارك في إدارة العملية فتشرح أن "ما بين ألف و1500 سفينة من كل الأنواع عبرت"، غرقت 305 منها بسبب "القصف وطوربيدات العدو والألغام وكذلك الاصطدامات الناجمة عن الهلع الذي رافق العملية".

وغرق نحو خمسة آلاف جندي، وفقاً للمؤرخ باتريك أودون من دنكيرك. وعلى مدار ثلاثة أسابيع، تولت عالِمتا الآثار، بدعم من اثنين من الجيوفيزيائيين، مسح بحر الشمال لجرد السفن المفقودة، وهو ما يحصل للمرة الأولى في المياه الفرنسية.

وسبق أن حُدِّدَ موقع حطام السفن بواسطة غواصين متطوعين في المنطقة، ولكن كان يُفترض بعلماء الآثار تأكيد المواقع ومقارنتها بالبيانات الأرشيفية لإضفاء الطابع الرسمي على ماهية كل حطام.

ويتجه الباحثون بعد ذلك نحو سفينة شحن فرنسية يبلغ طولها نحو مئة متر جاءت عام 1940 من الجزائر لتفريغ البضائع في دنكيرك، فطُلب منها إجلاء 1200 جندي، لكنها ما لبثت أن غرقت بعد قليل من مغادرتها الميناء جرّاء إصابتها بلغم، على ما تروي ديستانك.

◙ مسبار الصدى متعدد الحُزَم المُعلّق أسفل القارب يقيس عمق المياه ما يتيح له إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد لقاع البحر وما قد يكون موجودا فيه من حطام سفن

وتشير الباحثة على الشاشة إلى الأثر الذي أحدثه اللغم على السفينة التي رصدت بعد مرور أكثر من 80 عاما على غرقها. وتقول إن "قصة غرقها مؤثرة جداً". وأعلن علماء الآثار أن الحملة البحثية أتاحت التعرف بشكل مؤكد على 27 حطاماً لسفن غرقت خلال عملية "دينامو".

كما تم تحديد موقع حطام ثلاث قطع أخرى، لكنّ "تضررها الشديد" يستلزم "فحصها عن طريق الغوص" خلال مرحلة البحث الثانية سنة 2024، للتأكد من هويتها. وتوضح سوفاج أن الهدف من الحملة البحثية “هو تحديد مكان البقايا وتكوين فكرة أفضل عنها”. ويتمثل الهدف أيضاً في “حماية هذه الآثار بشكل أفضل وخصوصاً في حال تنفيذ مشاريع تنموية يمكن أن تدمّرها، كمزارع الرياح".

وثمة مشروع لإنشاء مزرعة رياح منذ سنوات قبالة ساحل دنكيرك. وتشير إلى أنها أيضاً فرصة لتعريف الجمهور بالتراث، ملاحِظَةً أن "'دينامو' محطة مهمة في الحرب العالمية الثانية"، لكنها معروفة بدرجة أقل بكثير في فرنسا منها في بريطانيا. وتوضح ديستانك أن حطام القطع التي كانت مخفيّة تحت الماء تمثّل "305 قصص في التاريخ".

18