تحديات خطة مصرية جديدة للتصدي لمشاكل الصناعة

تسعى السلطات المصرية لتبني خطة طموحة لتوسيع فرص النمو في مجال الصناعة السنوات المقبلة، في سياق محاولات رسمية عديدة لتعزيز القيمة المضافة لهذا القطاع في عمليات التصدير، ودعم احتياطات البلاد من النقد الأجنبي.
القاهرة - فتحت مصر جبهة جديدة في مسار تطوير قطاع الصناعة، متسلحة بإستراتيجية تهدف إلى معالجة المشكلات الهيكلية وزيادة الاستثمار والصادرات، كي تسهم في حل أزمة شح العملات الأجنبية.
واستقر اجتماع عقده الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار حسام هيبة، مؤخرا، وبعض الوزراء والغرف التجارية ومنظمات الأعمال على إنشاء مجلس أعلى لكل مجال صناعي.
وقال هيبة إن “الخطوة محاولة لتعزيز الاستثمارات وزيادة الأسواق المستهدفة في الخارج، متوافقة مع رؤية مصر 2030”.
وتتطلع الحكومة عبر وثيقة سياسة ملكية الدولة لفتح المجال أمام القطاع الخاص ليتمكن من المشاركة في الاقتصاد بنسبة 65 في المئة بدلا من 35 في المئة حاليا.
وتحاول الهيئة تحقيق مستهدفات البلاد في إستراتيجية الاقتصاد للفترة بين 2024 و2030 لجذب 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي عبر منح حوافز جديدة وتأسيس وكالة للتّرويج للاستثمارات في الخارج.
ويرى محللون أن تعدد المجالس ليس معيارا لحل مشاكل الصناعة أو زيادة الصادرات، بل إن تقليص الإشراف الحكومي هو الحل الأمثل، إذ توجد نماذج ناجحة ولم تسلك الخطة المستهدفة، مثل تركيا.
ويُدرك القطاع الخاص في مصر مشاكله جيدا، وهو في غنى عن وجود مجالس جديدة لحلها، لأن منظمات الأعمال تريد عرض مشاكلها على المسؤول الحكومي المنوط به الإشراف على القطاع، لكن تأمل أن تكون هناك قدرة على توفير الحلول.
وتتنافى الخطوة مع توجه الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما رد على مقترح رئيس اتحاد الصناعات محمد السويدي خلال مؤتمر صحفي في أكتوبر الماضي بشأن مطالبته بإنشاء مجلس أعلى للصناعات.
وقال السيسي وقتها إن “العبرة ليست بالمجالس لكن بإرادة الناس وإرادة الموظف الذي لا يعرف أنه عندما يوقف إجراء يعطل البلد”.
وأكد عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين حسن الشافعي أن حل مشكلات الصناعة لا تستوجب إنشاء مجالس جديدة، وأن المطالبات بذلك “مضيعة للوقت” واستعراض إعلامي فقط وهي غير مجدية.
وتم تدشين المجلس الأعلى للاستثمار والمجلس الأعلى للتصدير قبل ذلك، وكلاهما تحت إشراف رئيس الجمهورية، ومع ذلك، لم تظهر طفرة استثمارية أو تصديرية في بلد يعاني أزمة اقتصادية حادة لضعف الصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وقال الشافعي لـ”العرب” إن “زيادة الصادرات تأتي بمنح الحوافز الحكومية وليس بمجالس عليا، ولو تم إصدار قرارات بخفض الضرائب للمصدرين أو منحهم أراضي مجانية لتأسيس مشروع جديد سوف يترتب على ذلك قفز الصادرات لضعف قيمتها الحالية”.
وحققت مصر نموا في الصادرات العام الماضي، وصفته وزارة الصناعة بأنه “إنجاز كبير”، مع تتابع الأزمات على الصعيدين الإقليمي والعالمي، لتسجل نحو 35.6 مليار دولار، فيما المستهدف هذا العام تحقيق نمو قدره 10 في المئة.
ورفض مستثمرون في تصريحات لـ”العرب” تدشين أيّ مجالس عليا جديدة، لأن انتعاش الصناعة والتصدير يتحققان بالحوار بين رجال الأعمال والمسؤولين المعنيين لتجاوز العراقيل ووضع حلول سريعة لها.
100
مليار دولار مستهدف الحكومة في جذب الاستثمارات خلال الفترة بين 2024 و2030
وقال عضو جمعية مستثمري السويس غريب محمد إن “تعدد المجالس العليا لن يضيف جديدا، والحل في يد الحكومة، لكن المطلوب خفض عدد الوزارات وإعادة هيكلة الحكومة كي لا تتعدد الهيئات عند المستثمر وإنهاء إجراءات التصدير”.
وأوضح لـ”العرب” أن المصانع تعاني من ضعف الإنتاج ولا يزال حجم الصادرات ضئيلا للغاية، ثم تطل الحكومة بتأسيس مجالس فرعية لن تقدم أو تؤخر في ظل إخفاق في النهوض بالصناعة”.
كما أشار إلى أن تأسيس المجالس يدفع بالبيروقراطية خطوة إلى الأمام ويزيد من انتشارها دون وجود خطة إنقاذ سريعة للقطاع الذي تتعامل معه الحكومة بالمسكنات.
وإذا بات تدشين المجالس حقيقة فيجب أن تضم في إدارتها خبراء وممثلين عن القطاع الخاص، إلى جانب المسؤولين الحكوميين الذين يتولون إدارتها.
وتواجه معظم المصانع المحلية ارتباكا نتيجة الركود ونقص الخامات ومستلزمات الإنتاج بسبب أزمة شح العملة وارتفاع الأسعار والتضخم الكبير في الأسواق المحلية.
ويؤكد الواقع العملي أن الصناعة لا تتطلب مثل هذه المجالس، لأن وجود مجلسين تابعين لرئاسة الجمهورية يكفي لحل مشكلات هذا القطاع، فالأول تُعرض عليه مشكلات الاستثمار والصناعة والثاني لعرض عقبات التصدير.
ويدور تساؤل بشأن المجالس الجديدة فيما إذا كان سيتم إلغاء المجالس التابعة للرئاسة عقب وجود المجالس العليا لكل صناعة، وما هو دور الأخيرة بالضبط، وهل تتولى حصر المشكلات ثم عرضها على الرئاسة فيما بعد؟
وتأتي الخطوة مع وجود منظمات أعمال كبرى مثل جمعية رجال الأعمال المصريين التي تضم لجانا مختلفة لكل مجال صناعي واتحاد الصناعات المصرية الذي يضم العديد من الغُرف والشعب.
وهناك أيضا اتحاد المستثمرين الذي يركز على المناطق الصناعية والمصانع المختلفة، وكذلك جمعيات المستثمرين لكل منطقة صناعية، وكلها في النهاية تتواصل مع الحكومة.
ومن هنا تأتي أهمية التواصل الحكومي المباشر مع رجال الأعمال والهيئات المعنية دون وجود حلقة جديدة يترتب عليها تأخير حل المشكلات التي تواجه المستثمرين.
وثمة بدائل أكثر فاعلية لزيادة الصادرات بدلا من إطلاق مجالس جديدة هي التركيز على التمثيل التجاري في الخارج، فهو على دراية بالأسواق الخارجية ومتطلباتها.
ويرى خبراء أنه ينبغي أن ينصبّ تركيز الحكومة حاليا على زيادة الإنتاج عبر توفير الخامات للمصانع بدلا من استغراق الوقت في البحث عن تشكيل للمجالس أو توفير مقرات لها وقد تتخذ قرارات بشأن الصناعة والتصدير دون الرجوع إلى الوزير المختص.
وأعلنت هيئة الاستثمار أنها بصدد تجهيز حوافز جديدة تناسب متطلبات السوق، كوسيلة لجذب رؤوس الأموال الخارجية وستكون أكثر مرونة من نظيرتها في قوانين الاستثمار وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
وأكدت أن الحوافز المزمع الإعداد لها تنقسم إلى شقين، الأول خاص بالكلفة الاستثمارية للمشروع، والثاني بناء على الطاقة التشغيلية، أي عدد العمالة المستهدف تشغيله بالمشروع، وستختلف الحوافز على حسب كل نشاط.