تحديات الإدماج: كيف تتعامل الدول مع معضلة القوات شبه العسكرية؟

يمثل الصراع في السودان مثالا جديدا على طبيعة التحديات التي تواجه الدول عند عجز القوات النظامية عن القيام بدورها في حفظ الأمن في البلاد وتقدم الميليشيات للقيام بالمهمة. الأزمة تصبح أكبر عندما ينتهي الصراع الذي تسبب بولادة الميليشيات ولا تعرف الدول ماذا تفعل بقوى شبه عسكرية ضاربة.
في السنوات القليلة الماضية، تنامت معضلة الميليشيات والقوات شبه العسكرية في المنطقة العربية، حيث ترافق سقوط العديد من أنظمة الحكم منذ العام 2011 مع تلاشي سلطة الدولة المركزية. وبدا أن التحولات السياسية التي حدثت في بعض الدول، مثل اليمن وليبيا وسوريا والسودان، قد نالت سلباً من تمتع هذه الوحدات السياسية بالاحتكار المشروع للعنف من جانب سلطة مركزية في وسعها بسط سيطرتها وسيادتها على إقليم محدد. ويثير هذا التطور إشكالية كبرى بالنسبة إلى مستقبل بعض الدول في المنطقة العربية، إذ إن تَوزع السيطرة على أدوات الإكراه بين جهات عدة متنافسة قد أفضى إلى سيادة أنماط من الصراع العنيف. ولقد قلصت تلك التفاعلات الصراعية بشدة من احتمالات التحول الديمقراطي المأمول، وجعلت مشروع الدولة الحديثة نفسه عُرضة للانهيار. ويبدو بديل الدولة هو الفوضى المدمرة لأساليب العيش المستقرة، فمع الدولة يأتي الأمن، والأمن هو الشرط الضروري الذي يمكن في ظله للأفراد إشباع غاياتهم المشتركة.
ثمة جملة من العوامل التي أفضت إلى نشوء ظاهرة القوات شبه العسكرية واستمرارها في بعض الدول العربية، وخاصة مع تصاعد الصراعات المسلحة في الإقليم على غرار ما يحدث حالياً في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، مما يفرض البحث عن مقترحات للتعامل مع هذه التنظيمات شبه العسكرية، ولاسيما ما يتعلق بمنظور إدماجها في القوات المسلحة النظامية للدول.
ماهية القوات شبه العسكرية
من دون آليات مناسبة لاندماج الميليشيات في القوات المسلحة الرسمية للبلاد، فإن احتمالات التسبب بحرب أهلية قائمة
الميليشيات والقوات شبه العسكرية هي جماعات مسلحة تابعة أو إضافية، أُنشئت لتأدية أدوار أمنية محددة، لكنها لا تخضع لسلسلة السيطرة والقيادة الخاصة بالقوات المسلحة النظامية. وتبدو تلك الكيانات أكثر قابلية للتعبئة السريعة وتواؤماً مع الأخطار (الداخلية بالأساس) من الجيوش النظامية، فضلاً عن أن تشكيلها يجعلها أشد قابلية للإذعان والامتثال لقائد محدد أو للنظام الحاكم، حيث تتألف عادة من أفراد يجمعهم انتماء إثني أو عرقي واحد. وفي المقابل، تتألف الجيوش النظامية من أفراد ينتمون إلى تكوينات مجتمعية شتى، فضلاً عن التزامهم بالتسلسل الطبيعي للقيادة والسيطرة الخاص بالجيش النظامي. وبصفة عامة، يزداد احتمال إنشاء تلك الجماعات عندما يكون هناك خطر داخلي يهدد النظام الحاكم، وهكذا تظهر تلك الكيانات باعتبارها وسيلة ملائمة لمجابهة التهديدات التي قد تعجز قوات الأمن النظامية (الجيش والشرطة) عن التعامل معها.
ولعقود عديدة مضت، نشأت مئات من تلك التنظيمات في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط فضلاً عن أميركا اللاتينية. ولم يقتصر توظيف التنظيمات شبه العسكرية على دول العالم الثالث، لكنه امتد أيضاً إلى القوى الكبرى، حيث وُظفت تلك الكيانات على نطاق واسع من جانب الولايات المتحدة في حربها في فيتنام، ومن جانب بريطانيا في أيرلندا الشمالية، وكذلك الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان.
وبينما يُعد ضعف الدولة الشرط الضروري الأول لظهور تلك الميليشيات، يمثل الصراع المسلح عاملاً آخر يفسر ظهورها، حيث تعكس الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية أزمة حادة تعيشها الدولة، وبسبب عجز الحكومة عن التعامل مع التحديات الموجهة لسلطتها من قِبل المتمردين. وهكذا يندر ظهور تلك الكيانات المسلحة قبل بدء الصراع الداخلي، والمثال البارز على ذلك ميليشيا “الجنجويد” في السودان التي أُعيد تكوينها وتنظميها للقتال ضد أعداء النظام في الخرطوم. ونظراً لأن معظم تلك التنظيمات يجرى تعبئتها في خضم الصراع المسلح، فإن عدداً قليلاً منها فقط يستمر بعد نهاية الحرب الأهلية أو إثر تنامي قوة الدولة. وهكذا عُدت قوات مثل “الكوبرا” و”النينجا” في الكونغو لا لزوم لها، وجرى حلها عقب انتهاء الصراع الداخلي. وطالما تتلاقى مصالح الدولة مع مصالح تلك الميليشيات، فإنها تتجنب تحدي الحكومة أو الإطاحة بها، حيث يمثل حفظ الوضع القائم الهدف الرئيسي لمعظم الميليشيات المسلحة، بيد أن تلك التنظيمات قد تعمل في بعض الأحيان على تجاهل الحكومة أو تقوم بمهامها كمؤسسات بديلة.
إن التنوع الهائل في طبيعة الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية يجعل أي محاولة للتعميم بخصوص سماتها وتأثيرها في البيئة الأمنية والسياسية في أي دولة أمراً محفوفاً بالصعوبات، لكن بصفة عامة يمكن تصنيف تلك التنظيمات من عدة زوايا رئيسية؛ فمن ناحية أولى يمكن فحص ميزان القوى السائد بينها وبين الجيش النظامي من منظور القوة العسكرية والموارد المتاحة تحت تصرفها والروح القتالية لأفرادها. فعلى سبيل المثال، تُقدر بعض الدراسات عدد القوات الشيعية المتطوعة في العراق بـ90 ألف مقاتل، والعدد الإجمالي للمتطوعين الشيعة الذين انخرطوا في الحرب ضد تنظيم داعش بمليون مقاتل في العام 2014. ومن جهة ثانية، يوجد معيار التمثيل السياسي في مؤسسات الدولة والعمل ضمن الإطار القانوني، حيث يشارك قادة بعض تلك التنظيمات في الحياة السياسية للدولة، وعلى وجه التحديد في المؤسستين التنفيذية والتشريعية، وهكذا قد تتمتع تلك الميليشيات بوضع قانوني وتستند أنشطتها إلى قوانين رسمية. فعلى سبيل المثال، تأسست قوات الحشد الشعبي في العراق من جانب وزارة الداخلية، وتخضع للإطار القانوني المنظم لعمل قوات الأمن الرسمية، لكن بصفة عامة تظل الكتائب الشيعية المتعددة في العراق خارج السيطرة المباشرة للحكومة المركزية، إلا أن قادتها يرتبطون بعلاقات وثيقة بالنخبة السياسية. وبالرغم من أن تلك الميليشيات تظهر للدفاع عن مصالح إثنية أو طائفية لقطاعات معينة من السكان، إلا أنها تسعى لإضفاء الشرعية على وجودها من خلال تصوير نفسها حارساً على الوحدة الوطنية والتكامل الإقليمي للدولة.
أسباب الصعود
تمثل الحرب الأميركية على العراق في عام 2003 نقطة تحول في المنطقة العربية فيما يخص الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية، حيث أعقب احتلال العراق قرار حل الجيش الوطني، وشكل الفراغ
الأمني الذي خلفه هذا القرار وتوفُّر حشد هاشل من المتعطلين عن العمل والمتمرسين في توظيف العنف أساساً لظهور العديد من الجماعات الطائفية المسلحة.
وبالإضافة إلى ما سبق، أفضى سقوط الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية عقب أحداث عام 2011، إلى خلق البيئة المناسبة لتشكل الميليشيات التي تتصارع في ما بينها من أجل السيطرة على الدولة (الحالة الليبية)، والتي تسهم في تكريس حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط (الحروب في سوريا واليمن).
إن أزمة الدولة القومية في بعض البلدان العربية تُفسر، جزئياً، صعود تلك التنظيمات وتنامي تأثيرها، حيث أفضى العجز في شرعية الدولة وعدم قدرتها على القيام بوظائفها الأمنية والاقتصادية والسياسية بكفاءة، إلى الحد من قدرتها على احتواء الهويات الطائفية والقبلية داخل إطار قومي تجسده، وإلى انتعاش الهويات الفرعية. وواقع الأمر أن ضعف الدولة وانهيار سلطتها المركزية في بعض البلدان قد غذى عجزها في ما يخص احتكار توظيف القوة المسلحة، كما أن الدولة باتت غير قادرة على فرض سيطرتها على إقليمها وتوفير الأمن والحماية والحاجات الأخرى الضرورية لمواطنيها. وفي هذا السياق، يصبح بالإمكان فهم ظهور وتمدد حزب الله في لبنان، وحركة الشباب في الصومال، فضلاً عن أن السودان والعراق قد شهدا ظهور العديد من التنظيمات شبه العسكرية قبل وبعد الثورات العربية عام 2011. ويُلاحظ أن العديد من تلك التنظيمات هي أجنحة عسكرية لقبائل وجماعات إثنية وتعبير عن اختلافات طائفية ومذهبية، ومن ثم ترافقت صراعات الهوية في المنطقة العربية منذ عام 2011 مع تعميق أزمة الدولة القومية وصعود الصراع على الهوية وتمدد سلطة وتزايد عدد تلك الكيانات.
لا يمكن فصل صعود التنظيمات شبه المسلحة في المنطقة العربية عن العامل الاقتصادي والمصالح السياسية التي تسعى هذه التنظيمات لتحقيقها
وبالإضافة إلى ما سبق، أدى اعتماد الحكومات الضعيفة في بعض الدول العربية على تلك التنظيمات لحفظ الأمن في بعض أجزاء إقليم الدولة، أو لمحاربة خصومها، إلى تعزيز ظاهرة الميليشيات المسلحة. فعلى سبيل المثال، في العراق وعقب سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل عام 2014، قبلت حكومة نوري المالكي آنذاك مشاركة ميليشيا الحشد الشعبي في القتال ضد هذا التنظيم الإرهابي، وهكذا ظهرت عشرات من الجماعات المسلحة والميليشيات التي تستند إلى أسس طائفية (شيعية بالأساس).
فضلاً عن الدعم الخارجي الذي تتلقاه تلك التنظيمات والذي يمدها بالعوامل الضرورية للبقاء وممارسة دور فعال، حيث أدى الدعم العسكري والمالي المُقدم من إيران دوراً رئيسياً في استمرار حضور حزب الله على الساحة اللبنانية وتعزيز قدراته العسكرية. كما أن الدعم الخارجي للقوات شبه العسكرية والميليشيات المسلحة قد شكل إحدى أهم سمات الحرب الأهلية في سوريا، حيث تحولت الدولة هناك إلى ساحة للقتال لحروب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية تستهدف تعزيز مصالحها. وفي اليمن، ساعد الدعم العسكري والاقتصادي الإيراني للحوثيين على تمكينهم من الاستمرار في الحرب ضد قوات الشرعية اليمنية.
لا يمكن فصل صعود التنظيمات شبه المسلحة في المنطقة العربية عن العامل الاقتصادي والمصالح السياسية التي تسعى هذه التنظيمات لتحقيقها، وتمثل حالة ليبيا إثر سقوط نظام القذافي حالة نموذجية على الصراع بين عشرات من الميليشيات المسلحة للسيطرة على موارد الدولة الاقتصادية، ولاسيما النفط، فضلاً عن الانخراط في بعض الأنشطة الإجرامية مثل تهريب البشر والمخدرات والسلاح، ولقد عمقت تلك الممارسات من هشاشة وضعف الدولة الليبية؛ ما أفضى إلى تهديد وحدة الدولة هناك.
إستراتيجيات التعامل
طبقت الدول العربية والقوى الدولية مجموعة متنوعة من الإستراتيجيات في التعامل مع التنظيمات شبه العسكرية، بداية من توظيف القوة العسكرية في مواجهة تلك الفواعل المسلحة أو على الأقل تقليص قدراتها والمخاطر التي تثيرها، ومروراً بإعادة إدماج تلك الكيانات في القوات المسلحة النظامية ومثال على ذلك إدماج الحشد الشعبي في الجيش العراقي، ووصولاً إلى التعايش مع تلك التنظيمات، حيث تقبل بعض الدول تلك الفواعل إما لعجزها عن نزع سلاحها أو لرغبتها في تجنب مواجهة يمكن أن تقود إلى حرب أهلية؛ والمثال الواضح على ذلك هو حزب الله في لبنان.
وبشكل عام، يمكن توضيح إستراتيجيات واقترابات التعامل مع التنظيمات شبه العسكرية، في ما يلي:
٭1 الاقتراب الواقعي: يتم في هذا الاقتراب توظيف الإجراءات القسرية للتعامل مع الميليشيات بما في ذلك توظيف القوة العسكرية، فضلاً عن تهميش وعزل تلك الكيانات بشكل سياسي ومادي عن الأنصار الحقيقيين والمحتملين. ويبدو هذا الخيار جذاباً للتعامل مع الفواعل الضعيفة، حين يسود شبه إجماع بين النخب السياسية والتكوينات المجتمعية على عدم التعامل مع تلك الكيانات وعدم الرد على أفعالها التخريبية، كما يمكن إذكاء الصراعات والانشقاقات الداخلية بين تلك المجموعات من خلال منح بعض قياداتها وبطريقة انتقائية مزايا معينة، مثل إشراكهم في العملية السياسية. ويظل جوهر هذا الاقتراب هو توظيف الإجراءات القسرية والإكراهية التي تضع مزيداً من الضغط على التنظيمات شبه العسكرية لحملها على تغيير قناعاتها وتصرفاتها.
٭ 2 الاقتراب المؤسسي: يشمل هذا الاقتراب محاولة تدشين عملية للوساطة والتفاوض بين مختلف الأطراف بما في ذلك الفواعل المسلحة غير الحكومية؛ بهدف التوصل إلى تسوية سياسية، وكذلك محاولة استقطاب تلك التنظيمات وإدماجها في العملية السياسية من خلال توزيع المنافع والمسؤوليات. وتتضمن تلك الإستراتيجية قدراً معيناً من اقتسام السلطة بهدف منحها دوراً ما تؤديه؛ بما قد يفتح المجال لتغيير تفضيلاتها وتوجهاتها السياسية. ويقع في قلب هذا الاقتراب المؤسسي إرساء القواعد والإجراءات والسياقات المؤسسية اللازمة للسماح بقدر من التعايش السلمي، والتي تفتح مجالاً رحباً للتفاوض والمساومة والوساطة. وهكذا فإن المنطق الذي ينطلق منه هذا الاقتراب هو التسليم بأن العديد من الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية قد تعاني مظالم سياسية واقتصادية محددة يمكن التعامل معها من خلال الوسائل السياسية.
٭ 3 الاقتراب البنائي: من أهم الإجراءات التي يتضمنها هذا الاقتراب منح العفو بخصوص جرائم معينة ارتُكبت من جانب الجماعات المسلحة؛ كحافز لتغيير السلوك واحترام بعض الأعراف في المستقبل. ويمكن اللجوء لهذا الإجراء كملاذ أخير يستهدف إنهاء العنف وكجزء من صفقة سياسية أشمل، وربما بدا هذا الخيار ملائماً حين يميل أعضاء تلك الجماعات إلى بدء حياة مختلفة وإظهار رغبة حقيقية في تغيير السلوك. وبصفة عامة، تشدد الاقترابات البنائية على دور الإقناع ومحاولة حث الجماعات المسلحة على القبول ببعض الأعراف المرتبطة بعملية بناء السلام، والهدف النهائي هو تدشين عملية طويلة الأجل من التحول تتضمن تغييراً حقيقياً في سياسات وتصورات تلك التنظيمات.
إشكالية الإدماج

يثير اللجوء إلى دمج الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية في بنية الجيوش الوطنية وامتصاصها في الجيش النظامي، الكثير من الإشكاليات والتحديات. وإذا كانت تلك الإستراتيجية مفيدة لاستقطاب بعض الجماعات، إلا أنها تثير العديد من المخاطر المحتملة بالنسبة إلى تماسك المؤسسة العسكرية وهيكلها التنظيمي وكفاءتها في العمليات. ويُعد الإدماج عملية مكلفة تتطلب استثمار الموارد اللازمة، وتأمين دعم أفراد الجيش النظامي. وبالنسبة إلى العديد من الدول التي تخرج من خضم حرب مكلفة، تتسم الموارد المالية والسياسية بالندرة، وبالتالي تكون تكاليف الإدماج ضخمة على نحو يُصعب على الحكومات تحملها.
وفي بعض الحالات، تفتقر الدول ذات القدرة التنظيمية العسكرية المحدودة للموارد الكافية لإدماج عدد كبير من أعضاء الميليشيات غير الرسمية. ففي جمهورية أفريقيا الوسطى، على سبيل المثال، توقعت الميليشيات الملحقة أو التابعة قدراً ضئيلاً من المنافع جراء الانضمام إلى القوات المسلحة النظامية، ومن ثم اختارت البقاء خارج الهيكل الرسمي للمؤسسة العسكرية. وفضلاً عن ذلك، تعيق القدرات التنظيمية الضعيفة لبعض الجيوش قدرتها على السيطرة على قوات تتسم بطبيعتها بالعنف والجموح، حيث يثير إدماج تلك الكيانات مخاطر تعريض تماسك الجيش للخطر وربما تفككه بما قد يفضي إلى انهيار الجهاز العسكري الرسمي تماماً. وفي المقابل، فإن الجيوش ذات القدرة التنظيمية العالية تملك القوة الكافية في العدد والعتاد اللازمين للتغلب على خصومها، ولا تملك مثل هذه الجيوش دافعاً حقيقياً لإدماج تلك القوات غير النظامية؛ حيث تميل تلك الجيوش إلى امتلاك مجموعة من الضباط تعارض بضراوة أي تغيير يطرأ على تراتبية الجيش وتكوين وحداته؛ نظراً لأن هؤلاء الضباط لديهم خلفية رسمية في التدريب العسكري، ويميلون لاعتبار الفواعل المسلحة غير الحكومية هواة ينالون بالسلب من جاهزية القوات المسلحة النظامية وقدرتها على الاستجابة للتهديدات الأمنية، بفعل المخاوف من غياب الاحترافية والانضباط، وهذا ما حدث بالفعل في دول مثل نيجيريا وباكستان.
خلاصة القول إن إدماج الميليشيات والتنظيمات شبه العسكرية في بنية القوات المسلحة النظامية يتوقف على العديد من الاعتبارات، مثل خلق القبول الكافي من جانب الضباط لإدماج تلك الكيانات، واستعداد تلك الجماعات نفسها للانخراط في القوات المسلحة النظامية، ومدى توافر الشرعية لهذا الإجراء في نظر مختلف القطاعات المجتمعية، وهي أمور يجب أن تُؤخذ كلها بعين الاعتبار عند تصميم إستراتيجيات فعالة لإدماج تلك الفواعل المسلحة.
٭ بحث أعدّه مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة