تحت وهج الصيف العراقي الساخن

الخميس 2017/07/27

في الشمس الحارقة التي تصل إلى 55 درجة مئوية في أغلب أيام يوليو، وقت الظهيرة، تجد المزاح العراقي بطاقة الحنق القصوى، فقد وصلت أزمة الناس إلى أشدها ضجرا وفرقعة، يعجّل في ذلك انقطاع الكهرباء التي اعتادوا على غيابها منذ مطلع التسعينات حتى اليوم، أي ربع قرن من المعاناة بعد رمي أول شبكة ممغنطة من طائرات التحالف على محطات توليد الطاقة الرئيسية، إبان حرب الخليج الثانية ليومنا هذا فقد ظلت الكهرباء في غير عافيتها وتململها وشحتها، ولم تعد كما اعتادوا على نعمة سريانها من قبل، ثمرة للحروب التي خاضوها، وانعكس ذلك على سلوك الناس وأمزجتهم وأساليب تعاملهم، في ما بينهم ومع الآخرين أيضا.

يخرجون من البيوت مرغمين ليقضوا حوائجهم تحت لهيب الشمس والشوارع الملتهبة باحتراق الإسفلت وفي ظل غياب الكهرباء التي نكدت عيشتهم، ليجدوا في المطاعم والمقاهي المنتشرة حول العاصمة وسواها، بعض البرودة والتلذذ بنكهة الوجبات الدسمة عند مطعم “ابن سمينة” في السعدون أو باجـة الحاتي في شارع الكفاح وبعدها لن ينسوا متعة الذهاب إلى أقرب “جايجي” للاستمتاع بشاي أبوالهيل، الذي يحرق الشفاه والألسنة معا، والذي يفرض على مرتشفيه تحمل البخار الحار وهو يتصاعد من “الاستكان” الساخن فيعمدوا إلى سكبه في الصحن وتبريده بالنفخ المستمر.

ويذهب بعدها البغداديون إلى المقاهي ليكملوا عادة شرب الشاي ليتحدثوا عن أهمية شربه ومضاره وكيف يكسرّ الحديد في الجسم! وهم في ذات اللحظة يحركون السكر بالملاعق الصغيرة المذاب بمادة الشاي والماء الحار.

وتبدأ أحاديث النصح عن أهمية الرياضة والرجيم والسياسة، والمغامرات خارج المنازل، والسخرية المرّة من الواقع، وبأصوات لا تخشى من غضب السلطة، أو عيونها المنبثة في المقاهي كالعادة، فالحر يهيج قرائحهم ويحفزّهم على جلد رجال السياسة والبرلمان وعرض تصريحاتهم بسخرية لاذعة، والتندر على الأفلام والمسلسلات وأفلام الأكشن، مع كل رشفة شاي يكوي ألسنتهم الحادة، التي انتهت من تذوق أطباق “الرز العمبر”، ومرق الفاصولويا، أو طبق من المحاشي و“الباجة”، قبل برهة والتي تزيد من نسبة الحرارة في الجسم، لتطفى بقدح من الشاي، في مقهى الشابندر أو حسن عجمي ومقاهي الأزقة التي امتلات هذه الأيام، ويدلف بعدها المارة في زقاق في شارع الرشيد أو السعدون لدخول السينمات المبردة للانقطاع عن العالم الخارجي مع صوت أم كلثوم وبرودة منعشة ليغط البعض في نوم عميق إلى نهاية الفيلم.

24