تجسس الاستخبارات الأميركية على مكالمات هولاند يتسبب في حرب تصريحات

باريس- رغم التحذيرات المتواصلة للإدارة الأميركية منذ سنوات بالكف عن أعمال التنصت والتجسس التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات والفرق التقنية المختصة في التقاط المكالمات التابعة للسي آي إيه في حق عدد من المسؤولين الأوربيين، ورغم تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما في أكثر من مناسبة بالكف عن تلك الممارسات، إلا أن الفضائح الإعلامية والأزمات الدبلوماسية المنجرة عن التجسس لا تزال متواصلة إلى حد الآن.
فبعد أن نشر موقع ويكيليكس ووسائل إعلام فرنسية وثائق تؤكد قيام الاستخبارات الأميركية بالتنصت على المكالمات التابعة للرئاسة الفرنسية والهاتف الشخصي للرئيس الفرنسي فراسوا هولاند، ظهرت بوادر أزمة دبلوماسية حادة يسعى الفرنسيون والأميركان إلى التخفيف من حدتها إلى أقصى الحدود، نظرا لارتباط البلدين بمصالح لا تحتمل توترات في الوقت الراهن، خاصة أن المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في خصوص اتفاقية التبادل بين ضفتي المحيط الأطلسي تجري على قدم وساق في الأيام الأخيرة.
لكن الأمر لم يخل من تصريحات صادرة عن مسؤولين من البلدين لإدانة ما قامت به أجهزة الاستخبارات الأميركية، وجاء ذلك على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي أكد أن اختراق الهواتف تهديد للأمن الفرنسي “وهو فعل غير مقبول”.
أما وزير الخارجية جون كيري فقد سارع إلى التخفيف من حدة التصريحات الصادرة عن الرئاسة الفرنسية، مؤكدا أن بلاده “لا تريد الدخول في أزمة مع حلفائها”.
أميركا تعرض أمننا للخطر وهذا أمر غير مقبول
|
حذر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من أن بلاده “لن تسمح بأي أعمال تعرض أمنها للخطر”، معتبرا أن ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية من أعمال تجسس واختراق لسرية المكالمات الشخصية له ولهاتف الرئاسة أمر “غير مقبول”، خـاصة أن أعمال التجسس هذه بقيت لمدة ثألاث سنوات وشملت آخر ثلاثة رؤساء، وهم جاك شيراك ونيكولا سـاركوزي وفـرانسوا هـولاند.
وعلى إثر نشر موقع ميديابارت وصحيفة ليبيراسيون الوثائق السرية التي سربها موقع ويكيليكس والتي كشفت عن عمليات تجسس مارستها واشنطن على هولاند وسلفيه نيكولا ساركوزي وجاك شيراك على مدى سنوات، أعلن الرئيس الفرنسي “أن حكومته تدين هذه الوقائع غير المقبولة”، وقد دعا إلى عقد اجتماع لمجلس الدفاع.
واستدعى هولاند وزير الخارجية لوران فابيوس ليلتقي كلاهما السفيرة الأميركية في باريس جين هارتلي، بحسب ما أفادت مصادر دبلوماسية، وصرح هولاند إثر اللقاء أن “فرنسا أبلغت رسميا الولايات المتحدة الأميركية قلقها وتوترها، بشأن المعلومات التي نشرت حول قيام الأجهزة الأميركية بعمليات تنصت على الهواتف الشخصية للرؤساء وهاتف الإليزيه التابع للرئاسة”.
ولكن في المقابل أبقى الرئيس الفرنسي الباب مفتوحا في علاقة بلاده بالولايات المتحدة، مؤكدا أن “ما حصل غير مقبول، لكنه لا يعني أننا سندخل في أزمة”. فيما نددت المعارضة اليمينية بالسلوك الـ”خطير”، منتقدة “خرق ميثاق الثقة” بين حليفين قديمين.
وبحسب الوثائق السرية المنشورة، فإن وكالة الأمن القومي الأميركية تنصتت بين 2006 و2012 على الأقل على الرئيس الحالي هولاند الذي انتخب عام 2012 وساركوزي (2007-2012) وشيراك (1995-2007).
وكان المستشار السابق لدى الوكالة إدوارد سنودن سرب معلومات عام 2013، كشفت عن نظام واسع النطاق تطبقه وكالة الأمن القومي لمراقبة الاتصالات الهاتفية والإنترنت، ولا سيما الاتصالات في ألمانيا وصولا حتى إلى الهاتف الجوال الخاص بميركل، وذلك على مدى سنوات. والمعلومات الجديدة المنشورة تنقل فحوى محادثات بين المسؤولين الفرنسيين، دون أن تفضح بشكل أساسي أسرار دولة.
وصرح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمام جمع من الصحفيين بأن بلاده “لن تتهاون مع أي تهديدات ضد مصالحها”، وذلك ردا على ما تم الكشف عنه بشأن تجسس وكالة الأمن القومي الأميركي على كبار المسؤولين الفرنسيين.
ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية من أعمال تجسس واختراق لسرية المكالمات الشخصية ولهاتف الرئاسة أمر غير مقبول
وقال هولاند في بيان صدر عن قصر الإليزيه عقب عقد اجتماع وزاري طارئ مع وزير الدفاع “إن التقارير التي كشفها موقع ويكيليكس تعكس حقائق غير مقبولة أثيرت بالفعل بين أميركا وفرنسا”.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر دبلوماسية القول أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس استدعى السفيرة الأميركية في فرنسا جين هارتلي مرة أخرى بشكل ثنائي، على خلفية الوثائق التي نشرها موقع ويكيلكيس.
وأعلن هولاند على لسان الناطق باسم الإليزيه أن باريس “لن تسمح بأي أعمال تعرض أمنها للخطر”، في ختام اجتماع طارئ لمجلس الدفاع دعا إليه الرئيس هولاند بمجرد نشر المعلومات على الصحف الفرنسية. وأكد هولاند على لسان ناطقه أن “السلطات الأميركية قطعت تعهدات بعدم المساس بأمن أي حليف لها في العالم، وعليها أن تلتزم بما تعهدت به”، إذ وعدت في نهاية 2013 بوقف برامج التنصت على حلفائها.
وتابع الناطق قوله أنه “يجب التذكير بهذه التعهدات والالتزام بها بشكل صارم”، منددا بما أسماه “وقائع غير مقبولة”.
وقال فرانسوا هولاند أن واقعة التجسس “سلوك غريب صادر عن قوة عالمية صديقة لفرنسا ولا يوجد أي تاريخ من العداء بينهما”، معربا عن “أسفه لهذه الحادثة”.
|
“لا شك أن الكشف عن معلومات سرية مثل لحظة توتر مع بعض حلفائنا”، بهذا التصريح بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري سلسلة تعليقاته على ما نشرته الصحف الفرنسية حول الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس التي تحوي تأكيدات على وجود شبكة أميركية للتجسس على الرؤساء الثلاثة الأخيرين لفرنسا من بينهم فرانسوا هولاند.
وقال كيري “إن المزاعم بأن أجهزة المخابرات الأميركية تجسست على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المحمول وآخرين في فرنسا وإيطاليا، تمثل فترة عصيبة ولكنها ستمر بسلام مع بعض الحلفاء، ويجب ألا تقوض التعاون في قضايا دولية حساسة مثل سوريا وإيران”.
وأكد وزير الخارجية الأميركية أنه “من المؤكد أن الكشف الأخير عن معلومات خاصة أمر مرفوض، ولا يقبله بعض حلفائنا وعلينا أن نعالج الأمر بهدوء وحكمة في مستوى البلدين العريقين”. وأضاف “نحن بصدد إجراء مناقشات مع هؤلاء الحلفاء”، في إشارة إلى زيارة يقوم بها كبار مسؤولي المخابرات الألمانية والفرنسية لواشنطن للحصول على إجابات في الأسبوع الجاري.
وقال جون كيري إنه يناقش مع مسؤولين الاتهامات التي تستند إلى تسريبات المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودن المطلوب في الولايـات المتحدة.
وقال جون كيري “إن التسريبات عن أنشطة أجهزة المخابرات الأميركية سببت تحديات كبيرة في علاقاتنا مع الدول الحليفة وارتباكا عاما”.
وأكد كيري أن البيت الأبيض من جانبه “ينفي أن الولايات المتحدة تتنصت على اتصالات هولاند، ومن غير المرجح قيام أزمة دبلوماسية دائمة بين البلدين الشريكين في مواجهة عدد من النزاعات والأزمات في العالم”.
وصرح كيري لوكالة الأنباء الفرنسية قائلا “نحن لا نستهدف ولن نستهدف اتصالات الرئيس هولاند”، من دون أن يأتي على ذكر عمليات تنصت قد تكون حصلت في الماضي.
ننفي أن الولايات المتحدة تتنصت على اتصالات هولاند ومن غير المرجح قيام أزمة دبلوماسية دائمة بين البلدين الشريكين
وأضاف “نحن نعمل بشكل وثيق مع فرنسا على كل المواضيع ذات البعد الدولي، والفرنسيون شركاء أساسيون”. وأكد كيري أن الولايات المتحدة لا تتجسس على الرئيس فرانسوا هولاند أو أي مسؤولـين آخريـن في الحكومـة الفرنسية.
وأبلغ كيري في مؤتمر صحفي رسالة طمأنة إلى الحكومة والسلطات الفرنسية أكد فيها أن “الأمر لا يعدو أن يكون سوء تفاهم وسوء تأويل لما تم نشره”، مضيفا أن الولايات المتحدة لا تتعدى على حلفائها، وقال “نحن لا نستهدف الرئيس هولاند، لن نستهدف أصدقاء مثل الرئيس هولاند، ونحن لا نقوم بأي أنشطة للمخابرات للمراقبة الخارجية ما لم يكن هناك هدف محدد جدا ومصدق عليه رسميا للأمن القومي، وهو ما لا علم لي بوجوده في هذه الحالة”. وعلق جون على تصريح لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي قال فيه أن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة “أمر خطير” قائلا “لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار ما حدث أمرا خطيرا، لنا ثقة في الفرنسيين أنهم سيتفهمون ما حدث بدقة وتفهم”.
وأكد الرئيس الأميركي باراك أوباما لنظيره الفرنسي هولاند في اتصال هاتفي “التزام واشنطن بإنهاء ممارسات التجسس التي تعتبر غير مقبولة على حلفائها”.
وقد أكد مراقبون أن هذا التصريح يعد تضاربا مع تصريحات كيري، إذ يؤكد أوباما بشكل غير صريح وجود عمليات تجسس فيما ينفي كيري مطلقا الخبر.
وجاء اتصال الرئيسين الذي أعلنه مكتب هولاند بعد أن نشرت ويكيليكس وهي جماعة ضغط مؤيدة للشفافية يوم الثلاثاء 2 يونيو حزيران الماضي، ما يفترض أنها وثائق سرية لوكالة الأمن القومي تزعم أن الوكالة الأمريكية تجسست على ثلاثة رؤساء فرنسيين متعاقبين وهم جاك شيراك ونيكولا ساركوزي والحالي فرانسوا هولاند.
|
باريس- حث مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج باريس على الرد، بعد الكشف عن تنصت أميركي على الرئاسة الفرنسية، في الوقت الذي تسعى فيه الدبلوماسية الأميركية إلى تهدئة الأوضاع بين البلدين.
وصرح أسانج لتلفزيون فرنسي أن “سيادة فرنسا لا يمكن انتهاكها”، معتبرا أن “الوقت قد حان بالنسبة لفرنسا لبدء تحقيق نيابي وملاحقات قضائية”. وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أن أوباما شدد في اتصال هاتفي مع هولاند على التزامه “بوضوح وضع حد لممارسات الماضي غير المقبولة بين الحلفاء”.
وفي أواخر 2013، تعهد أوباما بوقف التنصت على رؤساء دول أو حكومات حليفة أو صديقة، وذلك بعد كشف معلومات حول حجم التنصت الذي تقوم به وكالة الأمن القومي الأميركية.
وأظهرت وثائق كشف عنها المستشار السابق لوكالة الأمن القومي إدوارد سنودن اللاجئ حاليا في روسيا، أنه حتى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تعرضت للتنصت على هاتفها الشخصي.
وأكد أسانج من سفارة الإكوادور في لندن، حيث يلجأ منذ ثلاث سنوات أن الوثائق الأهم لم يتم الكشف عنها بعد، وقال “لدينا معلومات أخرى سنكشف عنها في الوقت المناسب، والآتي أعظم من وجهة نظر سياسية”.
وعلى الفور عقد هولاند اجتماعا لمجلس الدفاع واستدعى السفيرة الأميركية في باريس، موفدا إثنين من مسؤولي الاستخبارات إلى الولايات المتحدة. كما حذر من أن باريس “لن تسكت عن أي سلوك من شأنه تهديد أمنها.
أظهرت وثائق كشف عنها المستشار السابق لوكالة الأمن القومي إدوارد سنودن اللاجئ حاليا في روسيا، أنه حتى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تعرضت للتنصت على هاتفها الشخصي
وطالب رئيس الوزراء إيمانويل فالس واشنطن بـ”بذل كل الجهود لتصحيح الخطأ”، بينما ندد وزير الخارجية لوران فابيوس بممارسات “تمس بالثقة” بين دول حليفة.
أما في أوساط المعارضة الفرنسية، فقد ندد ساركوزي وشيراك بهذه الممارسات “غير المقبولة” بين دول حليفة، بحسب مصادر مقربة منهما.
كما طالب اليمين واليسار المتطرفان بوقف المفاوضات حول معاهدة التبادل بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلا أن الحكومة الفرنسية دعت إلى الحفاظ على “الاعتدال” حول هذه النقطة. وفي ما عدا الاستنكار، لا تتمتع فرنسا بهامش كبير للتحرك حسب مراقبين.
وتوقعت الخبيرة السياسية نيكول باشاران “مناقشات صارمة وربما تغيير أعضاء في الطاقم السياسي الأميركي في باريس، لكن الأمور لن تمضي أبعد من ذلك”، حسب تصريحها.
وبالنظر إلى العلاقات الوطيدة بين البلدين حول العديد من الأزمات مثل أوكرانيا وملف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والجهاديين في دول الساحل، فمن المستبعد أن يؤدي الكشف عن التسريبات إلى قطيعة بين باريس وواشنطن.
ومن جهته، ذكر آلان شويه المسؤول السابق في الاستخبارات الفرنسية أنه “في ما يتعلق بالاستخبارات فلا وجود للأصدقاء أو الحلفاء، الأمر يقتصر على المصالح”، مضيفا أن فرنسا “لا تمتنع أيضا” عن التجسس على حلفائها. كما نددت جمعيات للدفاع عن حقوق الإنسان بعدم تحرك فرنسا قضائيا، خصوصا وأن تنصت وكالة الأمن القومي موضوع شكوى قضائية في فرنسا منذ العام 2013.