تجدد الاشتباكات في بغداد وسقوط أربعة صواريخ بالمنطقة الخضراء

بغداد – تجددت الاشتباكات في المنطقة الخضراء ببغداد صباح الثلاثاء، بعد مواجهات دامية الاثنين ارتفعت حصيلتها، وفق مصادر طبية، إلى 23 قتيلا من أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وإصابة نحو 350 متظاهرا، وسط دعوات دولية وأممية وعربية للتهدئة وضبط النفس والحوار.
وبعد ليلة هادئة، تجددت صباح الثلاثاء المواجهات العنيفة بين أنصار رجل الدين الشيعي النافذ والجيش وعناصر من الحشد الشعبي الموالي لإيران.
وسُمع إطلاق نار من أسلحة آلية وقاذفات صاروخية في أرجاء العاصمة مصدرها المنطقة الخضراء، فيما كشف مصدر أمني عن أن إطلاق صفارات إنذار السفارة الأميركية ببغداد فجر الثلاثاء كان ضد أهداف جوية.
وأفادت خلية الإعلام الأمني في العراق الثلاثاء بأن المنطقة الخضراء في بغداد تعرضت لقصف بأربعة صواريخ سقطت في المجمع السكني، مما أدى إلى حدوث أضرار فيه، موضحة أن مكان انطلاق الصواريخ كان من منطقتي الحبيبة والبلديات بشرق العاصمة.
وأفاد مصدر أمني بأنّ مسلّحين من "سرايا السلام"، التنظيم المسلّح التابع للصدر، أطلقوا النار من خارج المنطقة الخضراء على أهداف داخلها.
وأضاف أنّ القوات المتمركزة داخل المنطقة الخضراء، وهي وحدات خاصة تابعة للجيش ووحدة من الحشد الشعبي (فصائل مسلّحة موالية لإيران أصبحت جزءا من القوات المسلّحة العراقية)، ردّت على مصادر النيران هذه.
واستُهدفت المنطقة الخضراء مساء الاثنين بشكل خاص بسبع قذائف هاون على الأقلّ، بحسب المصدر نفسه. ولم تتّضح في الحال حصيلة هذا القصف.
وفي وقت متأخر الاثنين، أفادت مصادر طبية في العراق بارتفاع حصيلة القتلى إلى 20 متظاهرا في اشتباكات المنطقة الخضراء بوسط بغداد، حيث سادت حالة من الفوضى عقب إعلان الصدر اعتزاله العمل السياسي، ما أثار الغضب بين أنصاره الذين اقتحموا القصر الحكومي، فيما فرض الجيش حظر تجول عاما.
كما أصيب نحو 350 متظاهرا بعضهم بالرصاص والبعض الآخر جرّاء استنشاق الغاز المسيل للدموع.
وأفادت قناة "السومرية" العراقية بإصابة رئيس أركان الشرطة الاتحادية أحمد حاتم الأسدي خلال الاشتباكات، التي وقعت الاثنين في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد.
ونقلت القناة عن مصدر أمني لم تسمه أن الأسدي أصيب إلى جانب أحد أفراد الحماية الخاصة به بجروح.
وكان شهود عيان أفادوا بتبادل لإطلاق النار بين أنصار التيار الصدري وخصومهم في الإطار التنسيقي الموالي لإيران.
وتسببت أزمة سياسية مطولة أعقبت انتخابات أجريت في أكتوبر، تنافس خلالها التيار الصدري والإطار التنسيقي على السلطة، في بقاء البلاد من دون حكومة لأطول فترة متصلة على الإطلاق، كما أدت إلى اضطرابات جديدة بينما تكافح البلاد للتعافي من عقود من الصراع.
وهذه المرة نشبت الاشتباكات بين فصائل الأغلبية الشيعية التي تحكم العراق منذ الغزو الأميركي في 2003 الذي أطاح بصدام حسين.
ويعارض الصدر كافة أشكال التدخل الأجنبي في بلاده سواء من الولايات المتحدة والغرب أو من إيران. ويقود فصيلا مسلحا قوامه آلاف، فضلا عن الملايين من الأنصار في أنحاء العراق. ويسيطر منافسوه، وهم متحالفون مع إيران، على العشرات من الفصائل شديدة التسليح دربتها القوات الإيرانية.
ويسيطر الصدر ومنافسوه منذ أمد طويل على مؤسسات الدولة ويديرون أنحاء كبيرة من العراق.
وأمام تدهور الوضع الأمني في البلاد وسقوط قتلى وجرحى، دعا المسؤولون السياسيون في البلاد إلى وقف الاقتتال وضبط النفس مع محاسبة مطلقي النار على المتظاهرين.
وأكد الرئيس العراقي برهم صالح مساء الاثنين أن الدم العراقي خط أحمر.
وقال صالح عبر صفحته على تويتر "تثبّتوا في قتامِ العِشْوةِ، واعْوجاجِ الفتنةِ عندَ طُلوعِ جَنينها، وظُهورِ كمينها، وانْتِصابِ قُطبِها، وَمدارِ رَحاهَا، تبدأُ في مَدارجَ خَفيّةٍ، وتؤولُ إِلى فظاعَةٍ جليَّةٍ، شِبابُها كَشِبابِ الْغُلام، وَآثارُهَا كَآثَار السِّلامِ. الإمام علي عليه السلام"، لافتا إلى أن "الدم العراقي خط أحمر".
وأشاد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مساء الاثنين بدعوة كل من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس تحالف الفتح، أحد مكونات تحالف الإطار التنسيقي، هادي العامري، إلى إيقاف العنف في البلاد.
وقال الكاظمي في تغريدة له "أثمّن دعوة سماحة السيد مقتدى الصدر إلى إيقاف العنف، كما أثمّن دعوة الحاج هادي العامري، وكل المساهمين في التهدئة، ومنع المزيد من العنف".
ودعا الجميع إلى "تحمل المسؤولية الوطنية لحفظ الدم العراقي".
والاثنين، قال رئيس الكتلة الصدرية البرلمانية المستقيلة حسن العذاري، في تغريدة، إن الصدر "أعلن إضرابا عن الطعام حتى يتوقف العنف واستعمال السلاح".
وتابع "فإزالة الفاسدين لا تعطي أحدا مهما كان مسوغا لاستعمال العنف من جميع الأطراف".
كما قال زعيم تحالف الفتح هادي العامري في بيان "ندعو إلى التهدئة وأناشد أبنائي من كل الأطراف التوقف عن استخدام السلاح، فالسلاح ليس حلا، ولا يوجد حل بين الأخوة إلا بالحوار والتفاهم".
ووجّه الكاظمي بفتح تحقيق عاجل بشأن أحداث المنطقة الخضراء، مشددا على منع استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين من أي طرف كان، وفق بيان لمكتبه الإعلامي.
ودعا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي الاثنين جميع الأطراف في العراق إلى إطفاء نار الفتنة والتوصل إلى تفاهمات لحفظ وصون سيادة الوطن واستقراره، وحمايته من الانزلاق إلى تصادم يخسر فيه الجميع.
وقال في بيان صحافي "إن ما آل إليه الوضع هذا اليوم ينذر بخطر كبير، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه أو تركه يتصاعد دون تدخل من العقلاء والمؤثرين من زعامات دينية وسياسية وعشائرية واجتماعية، تدفع باتجاه التهدئة وضبط النفس، وتحذر من الفوضى وإراقة دماء العراقيين الأبرياء عبر استخدام السلاح من أي طرف".
وحثّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين الأطراف العراقية على "ضبط النفس" و"اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع".
وقال ستيفان دوجاريك، المتحدّث باسم غوتيريش، في بيان إنّ الأمين العام "يتابع بقلق التظاهرات التي شهدها العراق اليوم، والتي دخل خلالها المتظاهرون مباني حكومية".
وأضاف أنّ الأمين العام "يدعو إلى الهدوء وضبط النفس، ويحضّ كلّ الجهات الفاعلة ذات الصلة على اتّخاذ خطوات فورية لتهدئة الوضع وتجنّب العنف".
ونقل البيان عن غوتيريش دعوته "كلّ الأطراف والجهات الفاعلة إلى تجاوز خلافاتهم والانخراط، من دون تأخير، في حوار سلمي وشامل".
ووصف البيت الأبيض الوضع بأنّه "مقلق"، ودعا إلى الهدوء والحوار.
وأبلغ المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي الصحافيين بأن واشنطن لا ترى حاجة إلى إجلاء العاملين في سفارتها بالعراق في الوقت الحالي.
كما دعت وزارة الخارجية الروسية الثلاثاء إلى ضبط النفس والحوار بين الأطراف العراقية.
وقال مصدر في الخارجية الروسية في تصريح إن "موسكو تتابع عن كثب تطورات الوضع في العراق، وتدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والحوار".
وأضاف "نحن نتابع كيف ستتطور الأحداث، بالطبع يحتاج الجميع إلى الهدوء وإجراء حوار بناء".
وتابع "نحن على علاقة جيدة مع جميع القادة السياسيين، لا أعتقد أن هناك أي خطر جدي على المواطنين الروس في العراق، لكننا سنحلل الوضع، لأن الأولوية الرئيسية هي سلامة ممثلينا وموظفينا ومواطنينا".
وعربيا، دعت مصر والجزائر وجامعة الدول العربية الاثنين العراقيين إلى تغليب لغة الحوار لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة، مع تحذير من انزلاق البلاد إلى "المزيد من العنف والفوضى وإراقة الدماء".
وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا هاتفيا بنظيره العراقي برهم صالح أكد فيه "دعم جمهورية مصر العربية لأمن واستقرار وسلامة الشعب العراقي"، بحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
وأعرب السيسي عن "أمله في تجاوز الأزمة السياسية عبر الحوار وبما يحقق الاستقرار والأمن والرخاء للعراقيين".
وقالت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان "نتابع ببالغ القلق تطورات الأوضاع في هذا البلد الشقيق (العراق) في ضوء مستجدات الأزمة السياسية، وما انجر عنها مؤخرا من مظاهر خطيرة للعنف".
ودعت جميع الأطراف إلى "تفضيل لغة الحوار وتغليب المصلحة العليا للبلاد، حفاظا على الأرواح والممتلكات".
وأعربت عن أملها في "أن يتمكن هذا البلد الشقيق من تجاوز المرحلة الراهنة واستعادة أمنه واستقراره بتضافر وتوحد جهود جميع أبنائه".
وقال المتحدث باسم الأمين العام لجامعة الدول العربية (تضم 22 دولة) جمال رشدي في بيان إن الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط "يدعو جميع الأطراف العراقية إلى تغليب المصلحة الوطنية علي أي اعتبارات أخرى، لتجاوز الوضع الراهن الذي يمثل خطورة على استقرار البلاد".
وحذر أبوالغيط من "انزلاق الوضع في العراق إلى المزيد من العنف والفوضى وإراقة الدماء".
وشدد على "ضرورة ضبط النفس وتوجيه جموع المتظاهرين من مختلف المجموعات بالابتعاد عن كافة المظاهر المسلحة وتفادي إراقة الدماء"، وفق البيان.