تجارب الأردن تسلط الضوء على حدود العلاقات مع سوريا

عمان - تولّى الأردن مؤخرا دفة القيادة في التقارب بين الدول العربية وسوريا. لكن تجربة عمّان تُظهر أن تطبيع العلاقات الثنائية، من دون تعاون إقليمي، لا يمكن أن يحصد سوى إنجازات محدودة.
وشهد الأردن وسوريا علاقات طبيعية لفترات متقطعة، إلا أنهما غالبا ما كانا على خلاف خلال نصف القرن الماضي. وفي صيف العام 2021، حين صرّح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع شبكة “سي.أن.أن” بأن “حكم الرئيس السوري بشار الأسد يتمتّع بالاستمرارية”، وأن ثمة حاجة إلى “التواصل مع النظام”، كان يستعّد للانفتاح مجددا على سوريا بعد فترة من العداوة.
وكان العاهل الأردني أول زعيم عربي يدعو الأسد إلى التنحي بعد اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011، وكان من بين أول الساعين إلى إعادة الانخراط مع النظام السوري. لكن بعد مرور عام تقريبا، لا تزال العلاقات السورية - الأردنية باردة والإنجازات المحققة محدودة.
ويتمثل التحدي الأساسي لإعادة الانخراط هذه المرة في أن سوريا والأردن على السواء مقيّدان بقرارات حلفائهما الأكثر قوّة. فدمشق تمتلك مجالا أصغر لاتخاذ القرارات منفردة في ما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية. وينطبق هذا بشكل خاص على خلفية علاقتها مع إيران.
الاستقرار في سوريا بعيد المنال، ويُعزى ذلك إلى توسّع وجود إيران وحزب الله إضافة إلى عمليات تهريب المخدرات
وعلى الرغم من أن الأردن لم يعش الحرب كجارته الشمالية ولم يلحق به دمار كالذي لحق بها، فإنه اضطر إلى أخذ آراء حلفائه، ولاسيما الولايات المتحدة، في الاعتبار.
وفي الوقت نفسه، لا يزال الصراع السوري من دون حلّ، ما يبقي النظام في حالة خلاف مع عدد كبير من الجهات الفاعلة الدولية الرئيسة، ويخلّف آثارا جانبية قد تلحق الضرر بالأردن.
وتتجلّى هذه التحديات بصورة أكثر وضوحا على طول الحدود السورية – الأردنية. فمنذ العام 2011، شهدت الحدود السورية كلّها تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية جذرية. ولا تختلف الحدود الأردنية عنها في ذلك، إذ باتت المنطقة الحدودية الأوسع نقطة مواجهة إقليمية بين نظام الأسد وحلفائه من جهة، ولاسيما إيران وحزب الله، اللذين عززا وجودهما ونفوذهما في جنوب سوريا، والأردن وإسرائيل ودول الخليج العربي من جهة أخرى.
وباتت القضايا الحيوية المرتبطة بالحدود السورية - الأردنية، بما فيها القضايا الأمنية وعسكرة إيران للمناطق الحدودية الجنوبية السورية، تشكّل مخاوف إقليمية وتتطلّب حلولا إقليمية.
واستطاعت دمشق وعمّان إحراز تقدّم في المجالات التي كانتا فيها قادرتين على العمل بصورة مستقلة أو عند وجود اتفاق إقليمي أو في الحالتين معا.
وتشكّل العلاقات الاقتصادية عبر الحدود المثال الوحيد على التقدّم الملموس المحرز، إذ تكشف تجربة الأردن أن قيام دولة صغيرة بإعادة الانخراط مع سوريا في إطار العلاقات الثنائية لن يكون له سوى تأثير محدود على تحسين العلاقات، ولن يشكّل حافزا كبيرا يدفع دمشق إلى تغيير سلوكها في القضايا الإقليمية الخلافية.
ومن المرجّح إلى حدّ كبير أن يحدث التغيير بعد التقارب بين دمشق والجهات الفاعلة الإقليمية الأكثر قوة، على غرار المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن مثل هذه النتيجة اليوم لن تلغي حقائق ما بعد الحرب في سوريا، وخصوصا تداعيات الوجود الإيراني.
وقبل قيام الأردن وسوريا بإعادة إحياء علاقاتهما في صيف العام 2021، كانت لدى الأردن مجموعة من المخاوف المتعلقة بحدوده الشمالية. فقد عبر مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الحدود إلى الأردن، مستبعدين احتمال عودة فورية إلى بلادهم.
والواقع أن إرساء الاستقرار في جنوب سوريا بعيد المنال، ويعزى ذلك جزئيا إلى توسّع وجود إيران وحزب الله هناك، إضافة إلى عمليات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن. وقد كانت علاقات الأردن الاقتصادية مع جارته محدودة بسبب إغلاق الحدود، ما أثّر سلبا على اقتصاده. ولم يكن الإبقاء على العزلة السورية يصبّ في مصلحته، إذ فشل في إيجاد حلول لمشاكله العالقة. وسعت سوريا بدورها إلى الاندماج من جديد في الاقتصاد الإقليمي، وأرادت أن ينأى الأردن بنفسه عن مجموعات المعارضة السورية.
ويستطيع الأردن وسوريا المضي قدما بخطواتهما إذا ما حظيت بدعم القوى الخارجية النافذة. ومن الأمثلة على ذلك موافقة الولايات المتحدة في العام 2021 على مشروع لتزويد لبنان بالغاز والكهرباء. فقد حاولت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التصدي لحزب الله الذي أراد استيراد النفط الإيراني الخاضع للعقوبات لتخفيف نقص هذه الموارد في بلد يواجه أزمة مالية عميقة.
لا يزال الصراع السوري من دون حلّ، ما يبقي النظام في حالة خلاف مع عدد كبير من الجهات الفاعلة الدولية الرئيسة، ويخلّف آثارا جانبية قد تلحق الضرر بالأردن
وفي أغسطس 2021، صادقت واشنطن رسميا على اتفاق مموّل من البنك الدولي لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا.
وكان لجميع الجهات الفاعلة المعنية مصلحة في إبرام الاتفاق. فلبنان سيحصل بموجبه على موارد الطاقة التي هو بأمسّ الحاجة إليها، وسوريا ستتقدّم خطوة على طريق إعادة الاندماج في الاقتصاد الإقليمي، إضافة إلى حصولها على مدفوعات عينية لقاء السماح بمرور الغاز والكهرباء عبر أراضيها، ومصر ستصدّر غازها والأردن كهرباءه.
وفي حين لم تكن إسرائيل جزءا من الاتفاق رسميا، وافقت عليه بهدف الحدّ من نفوذ إيران في لبنان وتصدير غازها عبر مصر.
وعلى الرغم من هذه التحضيرات كافة، لم يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بعد، لأن البنك الدولي يطالب لبنان بإجراء إصلاحات قبل تمويل المشروع.
ويُظهر كلّ ذلك أن وجود اتفاق إقليمي وغياب أي عقبات من الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسة قد ينعكسان إيجابا على العلاقات السورية - الأردنية، في حين أن العكس صحيح أيضا.
ومع ذلك، لم تتحسّن بعض أبعاد العلاقات السورية - الأردنية الثنائية، حتى حين كانت الدولتان تمتلكان حرية التصرّف.
واقع الحال هو أن العلاقات الأردنية مع دمشق باتت منقسمة إلى أجزاء عدّة. يمكن للمراقبين أن يتوقّعوا إحراز تقدّم على الجبهة الاقتصادية، وفي التعاون ما دون الإقليمي، وحتى في مجال المياه.
وعلى النقيض، من المرجّح أن يبقى الأمن في المنطقة الحدودية متزعزعا، ما يتسبب بحالة مستمرة من انعدام الاستقرار. ولم يتبقّ للأردن سوى خيارات محدودة، تتمثل بصورة أساسية بتعبئة حلفائه وشركائه لمساعدة المملكة في رفع التحديات التي تطلّ من الطرف الآخر لحدودها الشمالية.