تبون يشكو من صراعات داخلية تعرقل تمركز الجزائر في أفريقيا

الرئيس الجزائري ينتقد أداء بعض المسؤولين من بينهم المدير السابق للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي، مشيرا إلى استرجاع ممتلكات منهوبة بقيمة 22 مليار دولار.
الأحد 2023/05/07
تبون يدعو الصحافيين إلى تكوين تكتل نقابي والتحلي بالوطنية

الجزائر- اعترف الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، بصعوبات "داخلية" اعترضت خطته على المسار الصحيح لاسترجاع مكانتها في أفريقيا ويكون صوتها مسموعا، مشدداً على استمراره في محاربة الفساد وملاحقة المسؤولين المتورطين في قضايا نهب المال العام.

وأعاد تبون استدعاء، سواء عن قصد أو غير قصد، مناخ "صراع الإرادات" حيث تحدث عن مقاومة له داخل الإدارات الحكومية واشتكى عدم تطبيق الحكومة لقراراته.

وهو استدعاء يفسح المجال لكثير من التأويلات، ويعني أن البيت السياسي لم يستقر بعد على النحو الطبيعي الذي يفترض له، بعد التعديل الحكومي الذي أجراه في منتصف مارس الماضي والذي طاول 11 وزارة، إلى جانب تغييرات في مؤسسة الرئاسة، كان أبرزها إزاحة وزير الخارجية رمطان لعمامرة ومدير الديوان عبدالعزيز خلف.

وتساءل تبون، خلال مقابلة مع وسائل إعلام محلية بثت مساء السبت، كيف للجزائر التي تعتبر ثالث قوة اقتصادية وثاني قوة عسكرية في أفريقيا، أن لا يكون لها وجود حقيقي في القارة السمراء.

وأشار تبون، إلى معاناته قبل نجاحه في فتح خط بحري يربط الجزائر بدكار (السنغال)، وخط بحري آخر بين الجزائر ونواكشوط، والتخطيط لآخر مع كوت ديفوار، منتقدا في نفس الوقت أداء بعض المسؤولين وبينهم المدير السابق للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.

وكان تبون قد أقال في التاسع والعشرين من الشهر الماضي مدير وكالة التعاون الدولي بوجمعة دليمي، وعين جنرالاً سابقاً في الجيش مديراً جديداً للوكالة، هو الثالث منذ إنشاء الوكالة التي تعنى بتسيير وتمويل المشاريع التي تنجزها الجزائر في الدول الفقيرة والمعنية بالمنح والمساعدات الجزائرية.

ويراهن تبون على إعادة تنشيط الوكالة بعد إعلانه في يناير الماضي عن وضع مليار دولار أميركي تحت تصرفها، لإنجاز مشاريع تنموية وخدمية في الدول الأفريقية، خاصة دول الساحل.

وتتطلع الجزائر إلى استعادة دورها المركزي في أفريقيا من خلال مشاريع الوكالة.

وقال تبون "عندما أعلنت في قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا عن تخصيص مليار دولار للوكالة الجزائرية للتعاون الدولي توجه لتنفيذ مشاريع تنموية في أفريقيا، قوبل هذا الاقتراح بترحاب كبير، وحتى هناك من قال أين كنتم، لأنهم يعرفون صدقنا وغايتنا الحقيقية".

وأضاف "الفقر جعل بعض الأفارقة لعبة بين أيادي بعض الأطراف. نسعى لدعم جهود التنمية في القارة الأفريقية بدوافع أخوية. سنبني مدارس ومستشفيات ونحفر آبار للمياه، وقد تكون البداية بشمال مالي. لن نعرف إن كنا سننفق مليار دولار بالكامل أو أقل أو أكثر. ربما بعد شهر أو شهرين سنرى طلائع برامج الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي على أرض الواقع".

وأبرز تبون، عزمه على تنفيذ برنامج لتصدير منتجات غير نفطية بقيمة تصل إلى 13 مليار دولار سنويا، مشيرا أن الرقم الحالي وصل إلى أكثر من 7 مليارات دولار وهو رقم لم يتحقق منذ استقلال البلاد عام .1962

وأكد الرئيس الجزائري أنه ملتزم تعهداته لمحاربة الفساد، وقال "نحن مصرون ومستمرون في محاربة الفساد"، مشيراً إلى أن الأمر لا يتعلق بالقضايا السابقة (في العهد السابق) التي توجد بيد القضاء، ولكن أيضاً بقضايا جديدة، لافتاً إلى أن الأمور تغيرت في الجزائر الجديدة، وحتى لو كان وزيراً وأخطأ، فإنه يتحمل مسؤوليته". وكان الرئيس تبون يشير إلى سجن وزير المؤسسات الصغيرة السابق نسيم ضيافات، في قضية فساد أخيرة.

وكشف تبون أن السلطات تمكنت من استرجاع 22 مليار دولار من الأملاك والأموال والعقارات المنهوبة من قبل كارتل الفساد في العهد السابق.

ولفت إلى أن عدداً من الدول الأوروبية بدأت المساعدة والتعاون في مجال استرجاع الأموال المنهوبة، لصالح الجزائر، إذ كانت الحكومة الجزائرية قد أعلنت في شهر فبراير الماضي، استرجاع ما لا يقل عن 44 عقاراً، من بينها قصور وشقق في فرنسا، وفنادق في إسبانيا.    

كما دعا الرئيس الجزائري الصحافيين في بلاده إلى التكتل في تنظيم نقابي قوي، نافيا وجود أي صحفي في السجن على خلفية مقالاته أو بسبب آراء له.

ووصف تبون، في المقابلة الصحافية مع وسائل الإعلام المحلية تصنيف المنظمات غير الحكومية ومنها " مراسلون بلا حدود" للجزائر في مجال حرية الصحافة، بمثابة " افتراء على الجزائر التي لديها ثقة في أبنائها".

وأضاف " زخم الصحف الموجود في الجزائر وفي وسائل الإعلام الأخرى غير موجود حتى في الدول الراقية. التصنيف الذي نأخذه بالحسبان هو تصنيف مؤسسات الأمم المتحدة لأنها تتمتع بالحيادية، أما غير ذلك فلا نأخذه كقاعدة. التصنيف هذا يهمهم هم (المنظمات غير الحكومية) وليس نحن".

وجدد تبون، نفيه وجود صحافيين في السجون الجزائرية، مؤكدا أن الصحافي الذي يدور الحديث بشأنه (إحسان القاضي) أدانته العدالة بتهمة قبول أموال مصدرها أجنبي وهو ما لا يقبله أي بلد آخر ولا حتى الأمم المتحدة.

في المقابل وفي تفاصيل قضية التمويل الأجنبي المتابع بها إحسان القاضي قال دفاعه إن الأمر يتعلق بـ"مبلغ 25 ألف جنيه استرليني، تلقاه الصحافي من نجلته المقيمة في لندن تينهينان القاضي التي تُعدّ أحد المساهمين في مؤسسة إنترفاس ميديا".

وأوضح المحامون أنّ "مؤسسة إنترفاس ميديا ناشرة موقعي راديو أم ومغرب إمرجنت، كانت تعاني من ديون ضرائب ما بين سنة 2019 إلى سنة 2022 تقدر بـ9 ملايين سنتيم (500 ألف دولار)، الأمر الذي خلّف غلق ثلاثة حسابات بنكية خاصة بالمؤسسة”، ما دفع حسبهم تينهينان قاضي لترسل من مالها الخاص ما قيمته 25 ألف جنيه استرليني على دفعات لوالدها من أجل صب رواتب الصحافيين، باعتبارها من الشركاء في المؤسسة.

وخارج ذلك، لا توجد وفق المحامين، أي وثيقة تبيّن تلقي إحسان القاضي أو مؤسسته أموالا من قبل هيئات أجنبية أو شخص أجنبي، إلا إذا كانت ابنة إحسان القاضي أجنبية في نظر القضاء وهو أمر غير معقول حسبهم، علما أن ابنته وهي حاملة شهادة دكتوراه ومقيمة في بريطانيا، قدمت لقاضي التحقيق الذي سمعها كشاهدة، كل الوثائق التي تدل على مصادرها المالية.

في مقابل ذلك، يرى المحامون أن الأسباب الحقيقية لسجن القاضي تعود لمقال رأي كتبه وتغريدة تويتر نشرها". وأكد المحامي عبدالله هبول أن سجن موكله جاء على خلفية "المقال الأخير له والذي خاض فيه في مشروع العهدة الثانية للرئيس تبون وموقف المؤسسة العسكرية من ذلك. أما التغريدة، فكانت تعليقا على تصريح الرئيس تبون استرجاع 20 مليار دولار من الأموال المنهوبة في الفترة السابقة، حيث شكك الصحافي في صحة هذا الرقم".

وفي أبريل الماضي قضت محكمة سيدي امحمد في العاصمة الجزائرية بالسجن 5 سنوات منها 3 نافذة بحق الصحافي إحسان القاضي، وغرامة مالية قدرها مليون دينار أي ما يعادل 7000 دولار، ما يعد أثقل حكم يصدر في تاريخ الصحافة الجزائرية ضد صحافي بعد فتح مجال التعددية الإعلامية في البلاد بداية سنوات التسعينات.

ومن جهة أخرى أعرب الرئيس الجزائري عن أمله في أن تنتظم الصحافة الجزائرية في نقابة قوية، وتشكل هيئة لأخلاقيات المهنة، الأمر الذي سيسمح بتقييم وتقويم وإعذار وإنذار الصحافيين، دون أن تكون للصحافي أي رابطة بالعدالة.

واستطرد قائلا "نريد إعلاما وطنيا قويا ، يتمتع بالمهنية والروح الوطنية العالية. مستعدون لوضع كل الإمكانيات تحت تصرف كل الصحف دون استثناء. نتطلع لأن تكون هذه الصحافة مؤسسة ردع لأعداء الوطن والتصدي للهجمات التي تتعرض لها البلاد. من حق الصحافة الانتقاد، ولكن دورها أيضا هو صنع الرأي العام وخلق حركية في المجتمع، حتى لو أنني أتأسف لغياب صحافة مختصة".