تباين قانوني بشأن حق المرأة في استئجار الأرحام

يقصد باستئجار الأرحام تلك الوسيلة التي من خلالها تسخّر المرأة رحمها للغير على أن تحمل لقيحة مكونة من نطفة رجل وبويضة امرأة غالبا ما يكونا زوجين، وتزرعها في رحمها بواسطة إجراءات طبية معينة ثم تحملها طيلة فترة الحمل الطبيعية وما أن تضع الجنين تسلمه لأبويه البيولوجيين ويصبح طفلا شرعيا لهما يثبت نسبه سواء للأب صاحب البويضة فقط أو للأب والأم صاحبة الرحم المستأجر معا وذلك على حسب كل تشريع وطني.
وحق المرأة في استئجار الأرحام محل جدل تشريعي في الكثير من الدول بحكم عدم وجود قانون صريح ينص عليه فذهبت بعض الدول إلى تنظيم استئجار الأرحام والاعتراف به كحق للمرأة كالمشرع الإيراني والمشرع الهندي والمشرع البريطاني وغيرهم، وذهبت دول أخرى إلى تجريم استئجار الأرحام وعدم الاعتراف للمرأة بهذا الحق، وهناك دول لم تنظم ولم تجرّم بل سكتت كالدول العربية باستثناء مصر والإمارات.
ويستند حق استئجار الأرحام إلى حقوق أساسية للإنسان كحقه في الحياة وحقه في الصحة التي لا تقتصر على مفهوم أن يكون الإنسان في صحة جيدة فقط بل ينسحب على الحقوق الإنجابية وسلامة الجسد من الأمراض وما يهدد بقاء الإنسان وإلى التمتع بمزايا التقدم الطبي.
الإعلانات والاتفاقيات الدولية حاولت كثيرا حماية المرأة من خلال النص على الحقوق التي يجب أن تتمتع بها وخصصت لها اتفاقيات خاصة متعلقة بحقوقها وحرياتها
ونتيجة للتطورات العلمية التي يشهدها القرن الحادي والعشرون أتت الاكتشافات لعلاج ما هو قائم من مشكلات وأتت لتحقيق الرفاهية البشرية ليس إلا، وفي ظل هذه التطورات التي يعيشها حقل الطب أصبحنا نرى اكتشافا جديدا في مجال التلقيح الصناعي بصورة غير اعتيادية تسمى استئجار الأرحام أو الرحم البديل أو الرحم المستعار وإن كان قديما في المجتمع الغربي وشائعاً فيه.
ولما كان العلاج من الأمراض التي تحول دون الإنجاب حقا مشروعا في القانون وكفلته التشريعات الدولية والوطنية تحت ما يسمى حق الإنسان في الصحة وتكوين الأسرة وحق الإنجاب، ولما كان مطلبا شرعيا دينيا تدعمه نصوص قرآنية وأحاديث نبوية، ولما كانت غاية الزواج المودة والسكن واستمرار النوع البشري والحفاظ على الأنساب كي لا تختلط، طور الأطباء علم الإنجاب والتلقيح الصناعي وأحدثوا وسائل جديدة يمكن لها أن تساعد الأزواج الذين يعانون من مشاكل صحية تحول دون إنجابهم للأطفال من تحقيق مشروعهم الإنجابي.
وتعد وسيلة استئجار الأرحام صورة من صور التلقيح الصناعي التي نزعت صفة احتكار إنجاب الأطفال عن الزوجين بعدما أدخلت طرفا ثالثا يمكن له أن يساعد الأزواج في العملية الإنجابية في حال كانت الزوجة أو الزوج يعانيان من أمراض تحول دون إنجابهما للطفل، مثل مرض العقم وغيره من المشاكل الصحية، ويسمى الطرف الثالث بالرحم المستأجر.
واستئجار الأرحام وسيلة طبية حديثة تهدف إلى مساعدة الزوج والزوجة وتمكينهما من الإنجاب بواسطة استعمال رحم امرأة أخرى وذلك عند عجز الزوجة عن حمل الجنين، وتعمل هذه الوسيلة من خلال تلقيح بويضة الزوجة بنطفة الزوج خارجيا بأنبوب اختبار حتى تنقسم ثم تزرع في رحم امرأة أخرى لينمو في رحمها حتى تضعه ثم تسلمه للزوجين صاحبي اللقيحة (الوالدان البيولوجيان) سواء تم ذلك بمقابل مالي أو على سبيل التبرع.
ويطلق على استئجار الأرحام عدة مسميات مختلفة منها الرحم المستأجر والأم البديلة والرحم المستعار والأم بالإنابة والأم بالوكالة والحاضنة، ولكن يبقى مسمى الرحم المستأجر والأم البديلة أكثر شيوعا من بقية المسميات، والرحم المستأجر أطلق من باب التغليب لأن أغلب حالات استئجار الأرحام تتم بعوض مادي.
التشريعات الوطنية تطرقت إلى حق المرأة في استئجار الأرحام، منها ما وافق على الأمر ومنها ما عارضه لأسباب عدة دينية أو اجتماعية أو قانونية
وتعكس هذه المسميات المستخدمة لهذه العملية آراء أصحابها فنجد أن هناك أسماء معينة يستخدمها المؤيدون لاستئجار الأرحام دون المعارضين، كالرحم البديل والأم البديلة والحاضنة، وما يدل على ذلك عندما أجاز البرلمان الإيراني استئجار الأرحام من خلال سن قانون في سنة 2002 وأصبغ عليه صفة المشروعية دعا بعض النواب إلى تغيير مصطلح استئجار الأرحام إلى الرحم البديل، أما المعارضون لاستئجار الأرحام فيستخدمون مسميات أخرى كالأم المستعارة والأم المستأجرة أو الأم بالوكالة.
وعلى رغم اختلاف المسميات فإن استئجار الأرحام لا ينصرف إلا لحالة واحدة فقط وهي أن تكون اللقيحة لزوجين وتقوم امرأة أخرى على حملها إلى حين ولادة الجنين نيابة عن الأم البيولوجية ولحسابها سواء كان ذلك بمقابل مالي أو تطوعا كما ذكرنا.
وتطرقت العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق المرأة فمنها ما جاء صريحا ومنها ما جاء ضمنيا كجزء مشتق من حقوق أساسية. كما أن التشريعات الوطنية تطرقت لحق المرأة في هذا المجال، منها ما جاء مؤيدا لهذا الحق ومنها ما جاء معارضا رافضا له لأسباب عدة قد تكون دينية أو اجتماعية أو قانونية.
وحاولت الإعلانات والاتفاقيات الدولية كثيرا حماية المرأة من خلال النص على الحقوق التي يجب أن تتمتع بها وخصصت لها اتفاقيات خاصة متعلقة بحقوقها وحرياتها، ويرجع ذلك لسبب التمييز الذي تعرضت له كثيرا في أماكن وأزمنة مختلفة، وبهذا نجد أن الاتفاقيات الدولية تؤيد وسيلة استئجار الأرحام من خلال الاعتراف بحق المرأة وحريتها في التصرف بجسدها وفق ما أتت به الوثائق الدولية الصادرة عن مؤتمرات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق المرأة، وبناء عليه فحق استئجار الأرحام يدخل ضمنا في حق المرأة في التعامل بجسدها وورد ذلك صراحة في بند 79 من المؤتمر العالمي للمرأة الذي انعقد في بكين (بكين + 5).
والإنجاب حق للمرأة أشارت إليه العديد من المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة الإنجابية والمستندة على أساس ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 والمعاهدة الدولية الخاصة بالقضاء على كافة أنواع التمييز ضد المرأة 1979 والمعاهدة الخاصة بحقوق الطفل 1989.
المرأة اكتسبت حقها في حرية التصرف في جسدها بشكل ضمني من خلال إعلانات واتفاقيات دولية
وكون المرأة تلعب دورا فريدا من نوعه في الحياة بتكاثر النوع البشري فإنها تتأثر ايجابيا وسلبيا بالسياسات الحكومية مما جعلها محورا رئيسيا في مؤتمر السكان والتنمية المنعقد في القاهرة عام 1994 والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد في بكين عام 1995 اللذين تعهدت الدول الأعضاء من خلالهما بتبني الحقوق الإنجابية للمرأة وضمان تمتعها بتلك الحقوق.
ويستند حق المرأة في اتخاذ القرارات المتعلقة بصحتها وحياتها الإنجابية إلى حق الإنسان في تقرير مصيره الإنجابي على النحو الذي كفله القانون الدولي لحقوق الإنسان، وجاء هذا الحق بشكل ضمني مشتقا من حق التمتع بالسلامة الجسدية والحرية والخصوصية وتأسيس الحياة الأسرية من خلال وثائق المؤتمرات الدولية المتعددة واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بوصفه الحق في تحديد عدد الأطفال وفترة تباعدهم ووقت إنجابهم، ونصت المادة 16 من الاتفاقية على أنه “على جميع الدول الأطراف إعطاء الحق للمرأة في أن تقرر بحرية وشعور بالمسؤولية عدد أطفالها والفترة في إنجاب طفل وآخر وفي الحصول على المعلومات والتثقيف والوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق.” ومن هذا الباب تعد وسيلة استئجار الأرحام ثورة تكنولوجية علمية طبية هائلة في مجال الإنجاب عالجت مشاكل العقم وما يحول دون تحقيق رغبة المرأة في الإنجاب وفتحت باب الأمل أمام الأزواج غير القادرين صحيا على تحمل أعباء الإنجاب والحمل والولادة مع وجود رغبة في طفل تتزين حياتهم به، والتمتع في هذه الوسيلة حق مكفول قانوناً حيث أكدت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة على حقها في التمتع بمستوى مناسب من الصحة من خلال المادة 11 التي تنص على “الحق في الوقاية الصحية وسلامة ظروف العمل بما في ذلك حماية وظيفة الإنجاب.”
واكتسبت المرأة حقها في حرية التصرف في جسدها بشكل ضمني من خلال إعلانات واتفاقيات دولية وبشكل صريح من خلال التشريعات الوطنية التي أقرت حق استئجار الأرحام سواء بشروط أو دون ذلك كالمشرع الإيراني على خلفية فتوى الإمام الخميني، والمشرع الأوكراني والمشرع البريطاني، وتعود مبررات ذلك الحق إلى خلفيات عدة سواء كانت تشريعيه كامتثال الدول بالصكوك الدولية والعمل على المواءمة التشريعية والاجتماعية أو خلفيات علمية طبية كالتصدي لمرض العقم وأثاره على السكان والمشكلات التي تحول دون الإنجاب، كما نجد أن بعض التشريعات رفضت هذه الوسيلة لخلفيات دينية واجتماعية وقانونية تعبيراً عن رفضها للمقابل المالي الذي يعطى في سبيل إتمام عملية استئجار الأرحام الذي يصبغها بالصبغة التجارية التي تضفي عليها جرم الاتجار بالبشر.