تبادل للشتائم بين الرئيس الأميركي ووزير خارجيته السابق

ريكس تيلرسون يقول إن ترامب غير منضبط والرئيس الأميركي يرد عليه ويصفه بأنه كسول وغبي.
الأحد 2018/12/09
رئيس غير عادي

واشنطن - لم تشهد الإدارة الأميركية، على مدار تاريخها، تدهورا في التواصل بين رئيس البلاد وأحد وزرائه (السابقين)، مثل ما تشهده منذ الأشهر الأولى لتولي دونالد ترامب الرئاسة، حتى أن الأمر وصل إلى تبادل الشتائم بينه وبين وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون.

ووصف الأخير ترامب بـ”غير المنضبط” فردّ عليه الرئيس بأنه “غبي”، وعبّر في سلسة تغريدات عن غضبه من انتقادات وجهها إليه الرجل الذي كان قد عيّنه من قبل وزيرا للخارجية إدارته.

وعيّن تيلرسون في منصب وزير الخارجية في فبراير 2017، وفي مارس 2018، وفور عودته إلى الولايات المتحدة من رحلة دبلوماسية إلى أفريقيا، أعلن ترامب عن إقالة تيلرسون في تغريدة على تويتر بعد سلسلة خلافات علنية بينهما بشأن السياسات المتعلقة بكوريا الشمالية وروسيا وإيران. وإلى جانب هذه الخلافات، كانت علاقتهما متدهورة بسبب تقارير ذكرت أن تيلرسون وصف ترامب في أحاديث خاصة بأنه “أحمق”.

وما أثار غضب الرئيس الأميركي هو مقابلة أجرتها شبكة “سي.بي.أس” مع وزير الخارجية السابق الذي كان متحفّظا جدا منذ إقالته فجأة في مارس الماضي.

وكسّر تيلرسون صمته حول الأحداث التي أدت إلى إقالته، وقال في المقابلة، التي أجريت على هامش عشاء خيري بمسقط رأسه تكساس يوم 6 ديسمبر 2018، “وجدت صعوبة أنا الآتي من مجموعة إكسون موبيل المنضبطة جدا والصارمة جدا في عملها، في العمل مع رجل غير منضبط ولا يحب القراءة ولا يقرأ التقارير ولا يحب البحث في التفاصيل لكنه يفضل أن يقول هذا ما أفكر فيه”.

تيلرسون سئل عن سبب توتر علاقته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقال إن ذلك ربما يرجع إلى أنه كان يخبره بأن هناك أشياء معينة لا يمكنه فعلها لأنها غير قانونية أو من شأنها انتهاك معاهدات أميركية. ووصفه بأنه غير منضبط ولا يقرأ تقاريره الإعلامية

ووصف تيلرسون الرئيس ترامب بأنه “غير منضبط، لا يحب القراءة، لا يقرأ تقاريره الإعلامية، ولا يحب الدخول في تفاصيل الكثير من القضايا”. وأضاف “كنت اضطر لأن أقول له ‘سيدي الرئيس أتفهم ما تريد أن تفعله، لكن لا يمكنكم فعله بهذه الطريقة، هذا يخالف قانونا وهذا ينتهك معاهدة’. كان هذا يثير استياءه إلى حد كبير”.

وتابع تيلرسون في حديثه مع الصحافي المخضرم بوب شيفر “أعتقد أن جزءا من ذلك يعود في الحقيقة إلى اختلاف أساليبنا بشكل صارخ”.

وأضاف “شعرت بإحباط كبير. أعتقد أنه سئم مني لكوني الرجل الذي يقول له كل يوم لا تستطيع فعل هذا، ودعنا نتكلم حول ما الذي نستطيع فعله”.

وصرح تيلرسون، الذي لم يلتق أبدا بترامب قبل أن يعينه وزيرا للخارجية، بأنه يعتقد أن روسيا حاولت بالفعل التدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016 من “أجل إضعاف الثقة”.

وقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يحسب للأمور بعناية”، ويلعب “لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد”، بما يعني أنه يستخدم إستراتيجيات سياسية متقدمة في التعامل مع القضايا.

خلافات عميقة
خلافات عميقة

وفي إشارة إلى تغريدات ترامب على تويتر، قال تيلرسون “سأكون صادقا معكم.. لقد كان أمرا مربكا بالنسبة لي أن يبدو أن الشعب الأميركي يريد معرفة مقدار ضئيل للغاية عن القضايا بحيث تكفيه 128 حرفا”.

وليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها تيلرسون عن ترامب، حيث سبق أن ندد في أول حديث له بعد أزم استقالته، بما وصفها بأنها “أزمة متنامية في الأخلاق والنزاهة” في الحياة السياسية الأميركية.

وقال تيلرسون، خلال خطاب بحفل تخرج في معهد فرجينيا العسكري في مايو الماضي، “إذا حاول قادتنا إخفاء الحقيقة أو عندما نصبح نحن كأفراد أكثر تقبلا لحقائق بديلة لم تعد تستند إلى الحقائق، فعندئذ سنكون نحن كمواطنين أميركيين في طريقنا للتخلي عن حريتنا“.

ولم يذكر تيلرسون، ترامب بالاسم خلال خطابه أمام طلاب بمعهد العسكري في ليكسنجتون بولاية فرجينيا، وكان متحفظا مقارنة بحديثه الأخير. وقال “إذا لم نواجه نحن كأميركيين أزمة الأخلاق والنزاهة في مجتمعنا وبين قادتنا في القطاعين العام والخاص - وللأسف في بعض الأحيان حتى في القطاع غير الربحي، فإن الديمقراطية الأميركية التي نعرفها تدخل سنوات انحطاطها”.

رد ترامب

ردّ ترامب مغرّدا أن “مايك بومبيو (مدير وكالة الاستخبارات المركزية الذي حل محل تيلرسون) يقوم بعمل رائع وأنا فخور جدا به”. وأضاف أن “سلفه ريكس تيلرسون لم يكن يتمتع بالقدرات العقلية اللازمة. كان غبّيا مثل صخرة وكان يفترض أن أتخلص منه بسرعة أكبر”، مؤكدا أنها “الآن بات اللعب بطريقة مختلفة كليا، وروح معنوية عظيمة في الخارجية وللدولة”.

وتابع ترامب في تغريدة قاسية عن الرئيس السابق لمجلس إدارة مجموعة إكسون موبيل، “كان كسولا جدا، ولا يمتلك الأهلية العقلية المطلوبة” ليكون على رأس الدبلوماسية الأميركية في تناقض كبير مع التغريدة التي كتبها قبل عامين، عندما عيّن تيلرسون وزيرا للخارجية. وقد وصفه حينذاك بأنه “أحد أعظم رؤساء الشركات في العالم”. ويشغل وزير الخارجية في الإدارة الأميركية منصبا أساسيا. فهو مسؤول عن سبعين ألف دبلوماسي وموظف ومتعاقد ويشرف على 250 سفارة وقنصلية في العالم.

وكتب زاد بوشومب في صحيفة “ذو فوكس”، معلقا “بعد مرور ما يقرب العامين على رئاسة دونالد ترامب، ظننت أنني لم أعد أشعر بالصدمة من سلوك زعيم دولة تقود العالم الحر. لكن بعد ظهر يوم الجمعة، أثبت الرئيس أنه لا يزال يستطيع أن يفاجئني حينما كتب سلسلة من الإهانات ضد ريكس تيلرسون، وزير خارجيته السابق، كانت تغريدات فضة وطفولية حتى وفق معايير ترامب”.

وأضاف قائلا إن الرجل الذي كتب هذه الكلمات هو المسؤول عن أقوى بلد في العالم، مع وجود جيش عالمي وترسانة نووية كبيرة بما يكفي لحرق الكوكب؛ مع ذلك يردّ بالشتائم على شخص اختاره في وقت من الأوقات ليكون أكبر دبلوماسي أميركي.

اختلاف أساليب

Thumbnail

عندما كان تيلرسون وزيرا للخارجية، كانت الخلافات بين الرجلين واضحة حول عدد كبير من القضايا، من المناخ إلى إيران، والعلاقة مع روسيا ونقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس، حيث كان تيلرسون يسعى للعب دور “ضابط ميزان” سياسة ترامب التي تصل أحيانا حدّ التهور، وفق البعض.

وكان تيلرسون يمثل صوتا “كلاسيكيا” بالنسبة إلى سياسة ترامب، وبدت توجهاته أقرب لتوجهات سلفه باراك أوباما، أكثر من توجهات ترامب الذي اختاره ليكون على رأس الدبلوماسية الأميركية، وفي مرحلة يتطلع من خلالها على إرساء قواعد نظام عالمي جديد.

ولم يسهّل الرئيس الأميركي يوما مهمة وزير الخارجية. فقد حرمه أولا من الملف الفلسطيني الإسرائيلي الذي يرتدي أهمية رمزية كبيرة وعهد به إلى صهره جاريد كوشنر. وبعد ذلك اتخذ مبادرات عديدة للابتعاد عن التعددية على الساحة الدولية.

وفي نهاية 2017، انتقد الرئيس ترامب علنا وزير الخارجية في خطوة نادرة، لأنه تحدث عن وجود قنوات اتصال تهدف إلى سبر نوايا كوريا الشمالية. وكتب على تويتر “إنه يضيّع وقته في التفاوض”. وأضاف “احتفظ بطاقتك ريكس سنفعل ما يجب علينا فعله”.

وبات الخلاف يرتدي طابعا شخصيا أكبر عندما ذكرت شبكة التلفزيون الأميركية “أن.بي.سي”، أن تيلرسون وصف في نهاية اجتماع في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ترامب بأنه ‘متخلّف عقليا’. لكن، اضطر وزير الخارجية بعد هذه الواقعة إلى التأكيد علنا أنه يدعم الرئيس و’يلتزم العمل من أجل نجاحه”.

وقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي السابق والمفاوض في عدد من الإدارات الديمقراطية والجمهورية، إن السؤال أصبح يتعلق بمعرفة ما إذا كان ريكس تيلرسون الذي أهانه الرئيس على تويتر “سيبدأ برواية كل شيء”، ولتكن هذه بدورها سابقة أخرى حيث يصبح الكشف عن أسرار الدولة جزءا من تصفية حسابات شخصية، لا تحت بند الكشف عن حقائق وفي إطار الإدلاء بشهادة ولكن ربما نتيجة لرفع السرّية عن المعلومات.

7