تاغية قرية في المغرب تسلّقت شهرتها قمم العالم

في قلب جبال الأطلس الكبير، تبرز قرية تاغية كوجهة فريدة لمحترفي وهواة تسلق الجبال من مختلف أنحاء العالم، فبجمالها الطبيعي ومساراتها الصخرية الوعرة، تحولت هذه القرية المعزولة إلى رمز عالمي للمغامرة والتحدي.
الرباط - من سنة إلى أخرى، يزداد صيت قرية تاغية، التي وإن كانت غير معروفة كثيرًا لدى المواطن العادي، فإنها تحضر بقوة في ذاكرة متسلقي الجبال العالميين. وقد فرضت هذه القرية الصغيرة، التي تعني بالأمازيغية “الممر الضيق” وتقع على سفوح الجبال المطلة على إقليم أزيلال، نفسها منذ نحو عقدين كوجهة مميزة لعشاق رياضة التسلق، من محترفين ذوي شهرة عالمية وهواة مغامرة.
وتبعد تاغية حوالي 7 كيلومترات عن مركز جماعة زاوية أحنصال، وتوفر جدرانًا طبيعية وصخورًا شاهقة تستقطب المتسلقين من مختلف أنحاء العالم، الذين يتوافدون بأعداد متزايدة لترويض تضاريسها الفريدة. وتُعرف تاغية أيضًا باسم “سيرك تاغية” بفضل شكلها الطبيعي الشبيه بالسيرك، الذي تشكّله صخور الحجر الجيري البرتقالية، ما أضفى على المكان سحرًا بصريًا جعل منه موقعًا مميزًا على خارطة التسلق العالمية.
وبرز اسم تاغية بشكل كبير بعد سنة 2000، حين بدأ أمهر المتسلقين المحترفين في زيارتها، مانحين هذا الفضاء الطبيعي إشعاعًا دوليًا. ولكل صخرة في تاغية اسم خاص بها، إذ تحتضن القرية ما يقارب الـ20 منحدرًا صخريًا مثيرًا، تقطعها المئات من المسارات التي نحتها المتسلقون منذ سبعينات القرن الماضي.
تحتضن المنطقة عدة قمم جبلية، من أبرزها جبل تيمغازين (3171 م)، وتاجوداد (2600 م)، وأوجداد (2695 م)، وهو أول جبل يُشاهد عند الوصول إلى تاغية، إلى جانب جدار تيلمسين الشهير، الذي أصبح مزارًا سياحيًا. وزادت شهرة هذا الموقع أيضًا بعد زيارة المتسلق العالمي أليكس هونولد، الذي تسلق أحد أصعب المسارات دون استخدام الحبال أو معدات الحماية.
◙ "سيرك تاغية" يجمع بين المقومات الرياضية والجمالية بفضل صخوره اللافتة وينابيعه المتدفقة مما يضفي على القرية طابعا سياحيا فريدا
وفي هذا السياق، قال محمد عامل، متسلق محترف وصاحب مأوى بتاغية، لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن القرية تتمتع بمواصفات عالمية تجعل منها وجهة مثالية لرياضة التسلق، بفضل منحدراتها وتضاريسها الفريدة. وأضاف أن هذه المسارات تُعد من الأفضل عالميًا، ويعرفها المتسلقون عن ظهر قلب. واعتبر عامل أن “سيرك تاغية” يجمع بين المقومات الرياضية والجمالية، بفضل صخوره اللافتة، وممراته الطبيعية، وينابيعه المتدفقة على وادي أحنصال، ما يضفي عليها طابعًا سياحيًا فريدًا.
كما أشاد بالجهود التي تبذلها السلطات المحلية في إقليم أزيلال، خاصة في ما يتعلق بفتح المسارات وربط المنطقة بالكهرباء، مؤكدًا أهمية تعزيز شبكة الاتصالات والإنترنت، نظرًا إلى تزايد عدد الزوار والسياح. وفي تصريحات متزامنة، أكد عدد من متسلقي الجبال الإسبان، خلال زيارتهم الحالية لتاغية، أن المنطقة في طريقها إلى أن تصبح وجهة لا محيد عنها لهواة التسلق، معبرين عن إعجابهم بجمال الطبيعة وكرم الضيافة.
ورغم شهرة تاغية في أوساط عشاق التسلق، فإن الكثيرين، داخل المغرب وخارجه، لا يعلمون أنها تحتوي على ممر يُعد، وفق روايات السكان المحليين، ثالث أخطر ممر جبلي في العالم، ويُعرف باسم “الممر الأمازيغي” أو “ممر تاغية”. وبحسب محمد المسعودي، شاب عشريني من هواة تسلق جبال تاغية، فإن هذا الممر يأتي بعد ممر جبل هواشان في الصين، وممر “كامينو ديل راي” في إسبانيا، من حيث الخطورة. ويقع على ارتفاع 300 متر، بعرض متر واحد وطول يقارب 80 مترًا، وقد أنجز باستخدام الحجر والخشب عام 2006 بمبادرة من شباب القرية لتسهيل عبور رعاة الماشية نحو مصادر المياه الجبلية.
وتم تزويد الممر بعلامات تشبه إشارات التشوير الطرقي، حتى لا يضل الزوار طريقهم. ويكمن خطره في الطريق المؤدية إليه، إذ تتكوّن غالبًا من منحدرات حادة، غير أن المناظر الطبيعية الخلابة التي تصادف الزائر تخفف من رهبة الطريق. وأشار المسعودي إلى أنه، رغم خطورة الممر، لم تسجل فيه أيّ حوادث، ما جعله مقصدًا لمحبي الطبيعة والهدوء في عطل نهاية الأسبوع، خصوصًا في فصلي الربيع والصيف. كما أدرجته وكالات السفر ضمن برامجها السياحية لاكتشاف المنطقة.
وأضاف أن الطريق القديمة التي كانت تُستخدم قبل بناء الممر كانت تمر من سفح الجبل، لكنها كانت أكثر وعورة، ما دفع جمعية محلية إلى إنشاء هذا الممر بمساعدة شباب تاغية، ليتحوّل لاحقًا إلى محطة جذب للزوار الباحثين عن الاستجمام. تاغية، اليوم، ليست مجرد قرية معزولة في قلب الأطلس الكبير على ارتفاع 1700 متر، بل تحولت إلى إحدى أجمل مواقع التسلق في العالم. في هذا المكان، تسود الحياة الأصيلة: الطبيعة البكر، حقول القمح الصغيرة، المنازل الطينية، وأهالي أمازيغ يفيضون دفئًا وكرمًا، يحتفون بالضيوف، ويشاركونهم فرحة الجبل وتسلقه.