تاريخ اليمن فريسة للنهب والدمار

يثار في الأوساط الثقافية في اليمن جدل كبير حول مشروعية استهداف المواقع التاريخية التي باتت تشكل في الكثير من الأحيان مصدر خطر على حياة المواطنين.. وبينما يقول مثقفون إنّ الدماء أغلى وأكثر أهمية من الآثار، يرى آخرون أنّ وجود مسلحين في بعض تلك المواقع لا يبرّر للأطراف المتنازعة تدميرها.
ومع استمرار الحرب في اليمن تتسع قائمة المواقع التاريخية والأثرية التي تتعرّض للدمار، فقد تعرّض سد مأرب القديم الذي يعود تاريخ بنائه للألفية الأولى قبل الميلاد إلى تدمير جزئي، فيما تمّ محو قلعة القاهرة التاريخية في تعز من الوجود والتي يعود تاريخ بنائها إلى عهد الدولة الرسولية.
كما تعرّض محيط قصر “دار الحجر” الشهير في ضواحي العاصمة صنعاء للعديد من حالات القصف، وهو الأمر الذي يجعله على قائمة المواقع التي قد تتعرض للتدمير.
من جانب آخر، انهارت مبان قديمة عديدة في صنعاء القديمة، علما أنّ كثيرا منها يعدّ من روائع العمارة اليمنية القديمة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
الآثار والمخطوطات اليمنية دفعت أيضا ضريبة باهظة للحرب الدائرة في اليمن، حيث تم نهب الكثير من المخطوطات في المناطق التي تشهد صراعا.
وحسب أمين عام “مؤسسة السعيد الثقافية” في محافظة تعز فقد تم نهب مئات المخطوطات النادرة من مكتبة المؤسسة من قبل مسلحين مجهولين.
|
ويؤكد الباحث اليمني، بشير زندال، أن التدمير الذي آتى على مستودع رسمي للآثار في محافظة ذمار تسبب في إتلاف كامل لعدد من القطع الأثرية النادرة التي كان يحتويها المستودع والتي من أبرزها ثاني أقدم منبر جامع في التاريخ الإسلامي.
وعلى الرغم من أن الصراع المسلح في اليمن ألحق أضرارا مباشرة بالعديد من المواقع التاريخية، إضافة إلى القطع الأثرية النادرة والمخطوطات القديمة، وخصوصا في المحافظات التي تشهد صراعا مستعرا مثل عدن وتعز ومأرب فإنّ حالة الفوضى السياسية والأمنية التي تشهدها اليمن منذ سنوات كانت السبب في نهب الكثير من القطع الأثرية والمخطوطات ممّا كان محفوظا في المتاحف حتى داخل العاصمة صنعاء.
وكان المتحف الوطني في صنعاء، وهو المتحف المركزي للآثار اليمنية قد تعرض لعملية سرقة قام بها عدد من موظفي المتحف، حيث سرق عدد من أثمن السيوف القديمة والمخطوطات ثمّ بيعت لتجار آثار.
وعلى الرغم من تمكن الأجهزة الأمنية من إعادة عدد من المسروقات فإنّ تلك الحادثة تركت الكثير من المخاوف لدى عدد من المؤسسات المهتمة بالتاريخ والتراث اليمني وشعورا متزايدا بأن الموروث التاريخي اليمني ليس في وضع جيد وأنه ربما يكون ضحية لعلميات نهب منظمة في ظل حالة الصراع العسكري والسياسي الذي تشهده البلاد.
وكانت منظمة اليونسكو قد أصدرت عددا من البيانات بشأن ما تتعرّض له الآثار والمواقع التاريخية في اليمن، معربة عن القلق الذي يساور المنظمة الدولية حول عمليات التدمير والنهب للتراث اليمني العريق من جرّاء الصراع المسلح الدائر في البلاد.
وقالت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في وقت سابق “أنا قلقه للغاية إزاء الأنباء المؤسفة القادمة من اليمن حول مواصلة تدمير والإضرار بتراثها الثقافي الفريد، حيث تضرّر سد مأرب العظيم، أحد أهم المعالم التاريخية اليمنية وكذا في شبه الجزيرة العربية، فهو شاهد على التاريخ والقيم المشتركة للبشرية”.
|
وجددت بوكوفا دعوتها إلى حماية التراث الثقافي الفريد من نوعه في اليمن وتجنب استهداف المواقع الأثرية ومعالم التراث الثقافي. وأشارت إلى ما تمّ تداوله حول الدمار الذي تعرّضت له العديد من الأبنية التاريخية بالمدينة القديمة في صنعاء، فضلا عن مدينة صعدة القديمة، والموقع الأثري لمدينة براقش المحصنة، التي يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام، لحقت بهما أضرار جسيمة.
كما جدّدت دعوتها إلى الامتناع عن القيام بأي عمل عسكري من شأنه استخدام أو استهداف مواقع التراث الثقافي والآثار وذلك احتراما للمعاهدات الدولية، لا سيما اتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح وبروتوكولاها (1954) واتفاقية اليونسكو بشأن التراث العالمي (1972).
يذكر أن مدينة صنعاء القديمة أُدرجت في قائمة التراث العالمي في عام 1986 وأصبحت هذه المدينة، التي تقع في واد جبلي يرتفع إلى 2200 متر، مأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة وتحوّلت المدينة في القرنين السابع والثامن إلى مركز هام لنشر الإسلام فحافظت على تراث ديني وسياسي يتجلّى في 103 مساجد و14 حماما و6 آلاف منزل بنيت جميعها قبل القرن الحادي عشر. أما المساكن البرجية المتعددة الطبقات ومنازل الآجر القديمة فتزيد الموقع جمالا، وتم ترميم مدينة صنعاء القديمة من خلال حملة كبيرة أطلقتها اليونسكو.
ولليمن موقعان آخران للتراث العالمي هما مدينة شبام القديمة وسورها (1982) وحاضرة زبيد التاريخية (1993) وهاتان المدينتان مدرجتان في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر منذ عام 2000.