تاج محل موجود.. تاريخ السلاطين المغول الذين بنوه مفقود

قرر المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب في الهند حذف المقررات الدراسية التي تشير إلى عصر المغول، وهو ما يرجعه مراقبون إلى رغبة السلطة في طمس تاريخ تلك الحقبة، في حين يطالب خبراء بتعديل تلك المقررات بدل حذفها.
نيودلهي - أثار حذف مقررات دراسية تتناول سلطنة مغول الهند من الكتب المدرسية احتجاجات الأكاديميين الهنود، حيث تركت الفترة التي مسّت شبه القارة الهندية بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر إرثا لم يندثر من العلم والفن والثقافة. ويبرز ذلك في عدد من المعالم الأثرية المعترف بها كمواقع للتراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، بما في ذلك قلعة أغرا وفاتح بور سيكري والحصن الأحمر وضريح همايون وقلعة لاهور وحدائق شاليمار وتاج محل.
وقال ممثل اليونسكو في الهند، حزقيال داماني، إن المنظمة تنصح بأن يعكس المنهج اختيارًا واعيًا ومنهجيًا للمعرفة والمهارات والقيم، وأن يكون اختيار المقررات الدراسية من خلال معالجة أسئلة مثل "ماذا ولماذا ومتى وكيف" يتعلم الطلاب؟
وحدد أن المنهج الجيد "يجب أن يمهّد طريق التعليم الشامل والمنصف. ويبقى تطوير المناهج الدراسية المرتبطة بهذه الحقبة وإصلاحها ومراجعتها من قرارات الدول الأعضاء التي يجب أن تكون مطلعة على مناهج اليوم والاحتياجات المستقبلية عند إدخال أي تعديل".
وقالت روتشيكا شارما التي تدرّس التاريخ في جامعة دلهي إن "المشكلة هنا هي أن حكم المغول لا يتماشى مع السياسة الحالية، مما يبرر حذف المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب للمقررات التي تشير إلى تلك الفترة".
◙ الكثير من التراث الهندسي المبني واللغة والفنون والزراعة وأنظمة حيازة الأراضي ترجع إلى سلطنة مغول الهند
وأشارت إلى أن الفترة التاريخية تقدم من الناحية الأكاديمية جزءًا مدروسًا من التاريخ الهندي بفضل الوثائق الغنية التي تسرد كل جوانبها. وترى أن “إزالة فصل كامل عن هذه الفترة المهمة من التاريخ من الكتب المدرسية ستؤثر بالتأكيد على خيارات الطلاب المهنية حيث سيرون عدم توافق بين الإرث المرئي والمناهج الدراسية".
وذكرت الفصل المعنون بـ"الملوك والسجلات، المحاكم المغولية" الذي يصف كيف شجّع المغول المزارعين على زراعة المحاصيل المدرّة للمال مثل القطن المزروع على مساحات شاسعة من الأراضي التي تنتشر وسط الهند وهضبة الدَّكَن.
وشهدت سلطنة المغول تحوّل الهند إلى أكبر مصدر للقطن والمصنوعات القطنية في العالم. ووصلت المنتجات الهندية إلى الأسواق الأوروبية بفضل الشركات الهندية الهولندية والإنجليزية التي سُمح لها بإنشاء مصانع أو محطات تجارة محصنة على طول السواحل الهندية. وقال الفصل المحذوف إن المحاصيل الأخرى المدرة للدخل شملت قصب السكر والبذور الزيتية -مثل الخردل والعدس- التي كانت تزرع إلى جانب المحاصيل الأساسية كالأرز والقمح ونبات الدخن.
وأشار القسم الخاص بـ”الري والتكنولوجيا” إلى أن حكم المغول شهد سرعة توسع الزراعة بمساعدة أنظمة الري الاصطناعي وإدخال محاصيل من العالم الجديد، مثل الطماطم والبطاطس والفلفل الحار. وقالت المؤرخة والمؤلفة سوابنا ليدل إن الكثير من التراث الهندسي المبني واللغة والفنون والزراعة وأنظمة حيازة الأراضي ترجع إلى سلطنة مغول الهند، وتجدر دراسة كيفية تقدم الهند في المجالات العلمية خلال تلك الفترة أيضًا.
وشهدت فترة سلطنة مغول الهند ازدهارا في العلوم، وخاصة علم الفلك والرياضيات والطب والهندسة المعمارية التي امتد تأثيرها بعد انتهاء السلالة في 1857. وشهد عهد جلال الدين أكبر (1556-1605)، على سبيل المثال، إنشاء كليات الطب والمستوصفات، بينما رعى خليفته نورالدين جهانكير دراسة الرياضيات وعلم الفلك.
وأصدرت مجموعة من "المؤرخين القلقين" في 7 أبريل بيانا قالت فيه "نستهجن قرار إزالة المقررات من كتب التاريخ المدرسية ونطالب بالتراجع الفوري. إن القرار مدفوع بحوافز الانقسام ويتعارض مع الروح الدستورية والثقافة المركبة التي تمتاز بها شبه القارة الهندية. ويجب إلغاؤه في أقرب وقت ممكن".
وصادق على البيان المئات من الأكاديميين، وأكّد أن المناهج المدرسية صُمِّمت لتكون شاملة وتوفر إحساسًا بالتنوع التاريخي الثري داخل شبه القارة الهندية والعالم. وحدد أن حذف المقررات الدراسية يخلق مشكلة كبيرة بحرمان المتعلمين من المحتوى الثري والقيم التربوية الضرورية في تجهيزهم لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية.
وصرّح مدير المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب، دينيش كومار سكلاني، بأن إزالة المقررات كانت ضمن "الترشيد الذي يهدف إلى تخفيف العبء عن أطفال المدارس إثر جائحة كورونا". ونفى وجود أي أجندة سياسية وراء هذه الخطوة. ويقول العالم السياسي أجاي ك. ميهرا، الناشط ضمن مؤسسة أوبزرفر المستقلة للأبحاث، "من الأفضل تعديل المقررات الدراسية المتعلقة بالعصر المغولي والإسلامي بدلاً من حذفها تمامًا. ستُمحى فترة مهمة من التاريخ الهندي في العصور الوسطى من عقول أجيال المستقبل".
◙ التغييرات في الكتب المدرسية متعمّدة ومندرجة ضمن أجندة سياسية معلنة لاستعادة مجد السلالات الهندوسية
وأكّد أن التغييرات في الكتب المدرسية متعمّدة ومندرجة ضمن أجندة سياسية معلنة لاستعادة مجد السلالات الهندوسية التي كانت موجودة قبل وصول الإسلام إلى الهند. وقال إن "هذا يبرز في إعادة تسمية الطرق والمدن، مستشهداً بإعادة تسمية مدينة الله أباد في عام 2018 إلى براياغراج لتعكس أهميتها كموقع للحج الهندوسي عند التقاء نهري جمنة والغانج".
وأضاف أن "ما يضيع هنا هو حقيقة أن حكم المغول شهد تقدمًا اقتصاديًا هائلاً استمر ثلاثة قرون بفضل الاتفاق مع الهندوس الراجبوت (الأمراء) الإقطاعيين". وقال "لم يكتف الأمراء بقيادة جيوش المغول، بل وردت أمثلة عن تحالفات زوجية، فقد ولد اثنان من أباطرة المغول المهمين على سبيل المثال، جهانكير وشهاب الدين شاهجهان، من نساء من الراجبوت".
وقال ماخان لال الزميل المتميز في فيفيكاناندا الدولية، وهي مؤسسة فكرية تعتبر قريبة إلى الحكومة، إن “الفترة الممحوة كانت تحتكر مساحة غير متناسبة في كتب التاريخ المدرسية، مما تطلب تصحيحا". وتابع لال، الذي يدرّس التاريخ في جامعة باناراس الهندوسية وعمل مع المجلس الوطني للبحوث التربوية والتدريب، إن "التصحيح الأخير يعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح وكان ينبغي اعتماده في وقت سابق".
ولم يرحّب قادة أحزاب المعارضة كذلك بالتغييرات في الكتب المدرسية. وقال الأمين العام للحزب الشيوعي الهندي سيتارام يشوري إن "التغييرات التي أجريت على الكتب المدرسية تعدّ مؤسفة بسبب تنوع التاريخ الهندي". وتابع "لطالما كانت أراضي الهند نقطة للتقدم الحضاري بفضل التقاء الثقافات فيها".
وغرد بينارآيي فيجايان، وهو وزير الحزب الشيوعي في ولاية كيرالا الجنوبية، قائلا “إنهم يلجأون إلى إعادة كتابة التاريخ وإخفائه بالأكاذيب. لذلك يجب علينا الاحتجاج بشدة على قرار حكومة حزب بهاراتيا جاناتا حذف مقررات دراسية معينة من الكتب المدرسية. لتنتصر الحقيقة".