تأمين احتفالات مسيحيي سوريا بعيد الفصح رسالة مزدوجة للداخل والخارج

ترميم العلاقة المتصدعة مع الأقليات يتعدى البعد الأمني إلى المشاركة السياسية.
الاثنين 2025/04/21
فصح أمن.. خطوة ضمن خطوات أخرى ينتظرها المسيحيون

تأمين احتفالات عيد الفصح في سوريا ليس مجرد إجراء أمني، بل هو بداية لتحديات كبيرة في إطار مسار سوريا الجديد، وهو لحظة مفصلية تختبر قدرة السلطات على إقناع الداخل والخارج بأنها جادة في المضي نحو سوريا تعددية، وأن الأقليات الدينية ستظل جزءا أساسيا من نسيجها الاجتماعي والسياسي.

اللاذقية (سوريا) - يحمل تأمين احتفالات المسيحيين بعيد الفصح في محافظة اللاذقية السورية، إلى جانب بعدها الرمزي، رسائل سياسية للداخل والخارج. لكن النجاح الحقيقي لهذه الرسائل يتوقف على ما ستقدمه السلطة الجديدة في سوريا من ضمانات حقيقية للمسيحيين، تترجم إلى سياسات عملية تعزز من مشاركتهم في بناء سوريا المستقبل.

وتظهر التحركات الأمنية في اللاذقية، التي كانت تعد أحد أبرز معاقل النظام السابق، تحولا في سياسات الدولة تجاه الأقليات، بما في ذلك الطائفة المسيحية.

وبعد عقود من الاستخدام السياسي لهذه الطائفة لأغراض النظام السابق، يسعى النظام الجديد إلى إعادة صياغة العلاقة مع مكونات المجتمع السوري بطريقة تعكس تطلعاته إلى بناء دولة قائمة على التعددية وحماية حقوق الأقليات.

ويبعث تأمين هذه الاحتفالات برسالة مزدوجة، واحدة للسوريين وواحدة للعالم الخارجي. وبالنسبة للداخل، تعكس هذه الخطوة التزام السلطة الجديدة بضمان الحريات الدينية وحماية التعددية، التي لطالما كانت مهددة في ظل النظام السابق.

الخطوة تسهم في تعزيز الثقة بسوريا الجديدة، خصوصا لدى الدول الأوروبية التي تضع حماية الأقليات ضمن أولوياتها

وتشكل هذه الرسالة محاولة جادة من قبل القيادة الانتقالية لتأكيد أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة بناء الدولة على أسس وطنية لا تقصي أحدا، وأن جميع الطوائف والمكونات ستتمتع بحقوقها وحرياتها بشكل متساو.

ويظهر هذا أيضا رغبة السلطة الجديدة في تعزيز ثقة المواطنين فيها، وخاصة الطائفة المسيحية التي عانت خلال فترة حكم الرئيس السابق بشار الأسد من قمع سياسي وتهميش اجتماعي.

ويؤكد مراقبون أن تأمين الاحتفالات يمكن اعتباره بمثابة رسالة تطمين لهذه الفئة التي كانت، ولا تزال، تشعر بالقلق حيال مصيرها في ظل التغيرات السياسية الحاصلة في البلاد.

وأشار نبيل فاحل، الذي شارك في قداس كنيسة الزيتون، إحدى أقدم الكنائس في دمشق، إلى أن القداديس بدأت في الكنيسة منذ ساعات الصباح (الأحد)، حيث أُقيمت الصلوات ورفعت الأدعية.

وأضاف فاحل “الأجواء كانت رائعة. الوضع الأمني كان ممتازا، وشعرنا بطمأنينة كبيرة. إن شاء الله، سنبني سوريا الجديدة جميعا معا، بجميع الطوائف الدينية.”

ويقول المحلل السياسي السوري سامي نعوم إن ما جرى في اللاذقية خلال عيد الفصح “يتجاوز حدود المناسبة الدينية، ويعبّر عن محاولة من الدولة الوليدة لترميم العلاقة المتصدعة بين السلطة والمواطن، وخاصة من ينتمي إلى أقليات شعرت لعقود بأنها مستغلة سياسيا وتركت لاحقا فريسة للخوف أو التهميش.”

ويرى نعوم أن ما حدث هو “استثمار في الذاكرة الجماعية لسوريا الجديدة، التي تسعى إلى تكريس فكرة أن الحماية لا تعني السيطرة، وأن الأمن لا يعطى مقابل الولاء، بل هو حق للجميع دون تمييز.”

وأما بالنسبة للعالم الخارجي، فإن هذه الرسالة تحمل أهمية كبيرة. فالغرب، خاصة الدول التي كانت لديها تحفظات بشأن النظام السابق بسبب سياسته تجاه الأقليات، يراقب عن كثب التطورات في سوريا.

ويمكن أن يفهم تأمين الاحتفالات على أنه خطوة نحو الاعتراف بالحقوق الدينية للأقليات وحماية التعددية.

وقد تسهم هذه الخطوة في تعزيز الثقة في سوريا الجديدة، خصوصا في أوساط الدول الأوروبية والكنائس العالمية التي كانت تضع في أولوياتها حماية الأقليات في المنطقة.

ومع ذلك، تظل هذه التحركات الأمنية موضع تساؤل، فالمراقبون يرون أن النجاح الحقيقي لهذه الرسائل مرهون بكيفية تحويل هذه الرسائل الرمزية إلى سياسات عملية يمكن أن تعزز من مشاركة المسيحيين في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد.

ولم يعد التأمين وحده كافيا في المرحلة الانتقالية، بل ينبغي أن تتبعه خطوات ملموسة تعكس انفتاحا حقيقيا تجاه كافة فئات المجتمع.

احتفال استثنائي يرسل رسائل سياسية للداخل والخارج
احتفال استثنائي يرسل رسائل سياسية للداخل والخارج

ويقول محللون إن هذه الخطوة الأمنية قد تكون بداية جيدة، لكنها تحتاج إلى أن تترجم إلى إجراءات سياسية تعزز من مشاركة الأقليات في كافة المجالات، بدءا من المشاركة السياسية وصولا إلى إرساء القوانين التي تضمن لها الحماية والتوازن في السلطة.

وسيتوقف نجاح القيادة الجديدة في سوريا في تحقيق هذا التحول على مدى قدرتها على إرساء أسس متينة لبناء دولة تتسم بالشفافية والمساواة. فالاحتفالات بأعياد الأقليات، بما فيها عيد الفصح، ليست مجرد طقوس دينية، بل يجب أن تصبح مؤشرات عملية على التزام الدولة بضمان حقوق كافة مكونات المجتمع.

وإضافة إلى ذلك، فإن هذه التحركات الأمنية تثير تساؤلات حول مدى استدامتها وطبيعة العلاقة بين السلطة الجديدة والمكونات الاجتماعية المختلفة في المستقبل.

ويكمن التحدي الحقيقي الذي يواجه الحكومة الانتقالية في كسب ثقة المواطنين على المدى الطويل، وهو ما يتطلب خطوات ملموسة في مجال الإصلاح السياسي، بما في ذلك ضمان حق المسيحيين في المشاركة الفعالة في جميع مؤسسات الدولة دون تمييز أو تهميش.

وإذا لم تواكب هذه الرسائل الرمزية بقرارات إستراتيجية تعزز التعددية وتحمي الحقوق، فإن تلك التحركات الأمنية قد تصبح مجرد صورة مؤقتة، وتفقد قيمتها مع مرور الوقت.

ويتركز المسيحيون في محافظات حلب والحسكة ودمشق وحمص وطرطوس، وهي مدن تاريخية تضم أعدادا كبيرة من أبناء هذه الطائفة الذين يعانون من آثار الحرب والنزوح.

وتشكل المسيحية في سوريا ثالث أكبر طائفة، إذ كانت تتراوح نسبة المسيحيين فيها بين 8 و10 في المئة من إجمالي عدد السكّان قبل العام 2011، وتشير أغلب الإحصائيات إلى أن حوالي نصفهم من الروم الأرثوذكس، في حين تشكل سائر الطوائف النصف الآخر. لكن أعدادهم تراجعت بشكل كبير لتصبح الآن أقل من مليون نسمة.

ومنذ المجازر التي ارتكبتها قوات الأمن السورية ضد الطائفة العلوية في الساحل السوري يساور القلق أبناء الطائفة المسيحية ويخشون مصيرا مشابها، ما أدى ببعضهم إلى مغادرة سوريا باتجاه لبنان ومنه إلى بلد ثالث.

6