تأبين: المعارضة السورية إلى كتب التاريخ

معارضة الماضي انتهت لكن معارضة جديدة للشرع سوف تنشأ حتما.
الأربعاء 2025/02/19
حصيلة صفرية

بسقوط بشار الأسد وتولي سلطات انتقالية بقيادة أحمد الشرع السلطة انتهت مهمة المعارضة السورية دون صخب. ودخلت سوريا مرحلة جديدة حيث لم تلق الخطة الانتقالية التي قدمتها المعارضة اهتماما كبيرا ولا دعما دوليا.

دمشق - وصلت المعارضة السياسية الرسمية في سوريا رسميا إلى نهايتها دون ضجة كبيرة، حيث شهدت الساحة السياسية في 12 فبراير حل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومقره إسطنبول، والحكومة السورية المؤقتة ومقرها أعزاز، وهيئة التفاوض السورية ومقرها جنيف، بموجب مرسوم رئاسي.

وجاء في تقرير نشره موقع “سيريا إن ترانزيشن” (سوريا في طور الانتقال) أن أدوار هذه الكيانات وتركيبتها كانت محيرة حتى بالنسبة إلى المراقبين المتمرسين بالحياة السياسية في سوريا وهي تنزلق الآن بهدوء إلى التاريخ بعد اجتماع في مع الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث أكد بيان رئاسي أن وفدا كبيرا من المعارضة السياسية سلّم الملفات الخاصة الموكلة إلى هيئة التفاوض السورية والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والمؤسسات المرتبطة بهما إلى الدولة السورية.

وكان الائتلاف الوطني المذكور بمثابة الهيئة المركزية للمعارضة، وولد ذراع الحكم (الحكومة المؤقتة) وذراع التفاوض (هيئة التفاوض السورية) الذي تعترف به الأمم المتحدة ويضم “كيانات” معارضة مختلفة، بما في ذلك تلك التي فرضتها روسيا والدول العربية. لكن جل السوريين لا يعيرون اهتماما للائتلاف السوري المعارض وما يتبعه منذ سنوات، وقد شوهت سمعة هذه الكيانات خلال العقد الماضي. وكان الائتلاف يُعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، لكن البلاد ستتذكره بإخفاقاته أكثر من إنجازاته.

الزعيم السوري الجديد يرى أن استمرار وجود الائتلاف يشكل تهديدا محتملا بصفته نقطة تجمع للمعارضة

وكانت بعض الانتقادات الموجهة للمعارضة في محلها بسبب ما كانت تعانيه من انقسامات داخلية بين القادة الذين غالبا ما بدوا ضيقي الأفق.

وقد حصل هؤلاء القادة، المتمركزون إلى حد كبير خارج سوريا، على لقب “معارضي الفنادق”.

وشغلت زمرة صغيرة المناصب العليا منذ 2017، وتناوبت وفق ترتيب على غرار بوتين/ميدفيديف، واتُهمت بأنها في جيب المصالح الأجنبية، على الرغم من أن تمويلها كان ضئيلا مقارنة بالإعانات التي يتلقاها الرئيس السوري السابق بشار الأسد من حلفائه.

وفشلت قبل كل شيء في تحقيق هدفها الأساسي المتمثل في الإطاحة ببشار الأسد. وربما كان من غير الواقعي أن تتمكن معارضة دون جيش من الإطاحة بدكتاتور راسخ، لكنها فشلت أيضا في تحقيق انتصارات يمكن أن تبرر ادعاءها بتمثيل الشعب السوري.

ولم يكن قانون قيصر لعام 2019 (أهم إنجاز سياسي للمعارضة) من صنعها، بل نتيجة لجهد جماعات الضغط السورية – الأميركية الثرية.

ونأى المجتمع الدولي بنفسه منذ فترة طويلة عن المعارضة. واعتبرها البعض غير فعالة، بينما رفضها آخرون باعتبارها مجرد وكيل لتركيا. ولكنها خدمت في الدوائر الدبلوماسية غرضا مفيدا بصفتها عنصرا نائبا في المحادثات التي تتوسط فيها الأمم المتحدة، مما ساهم في إبقاء العملية السياسية المحتضرة قائمة.

العلاقات مع المعارضة وفّرت بالنسبة إلى بعض العواصم غطاءً مناسبا لتدخلها العسكري في الصراع

وسمح ذلك بمقاومة تطبيع العلاقات مع الأسد (أي الاعتراف بانتصار روسيا وإيران في سوريا) تحت ستار الالتزام المستمر بـ”الحل السياسي” الذي تتوسط فيه الأمم المتحدة والذي يتطلب طرفين.

ووفّرت العلاقات مع المعارضة بالنسبة إلى بعض العواصم غطاءً مناسبا لتدخلها العسكري في الصراع. لكن التعامل الأجنبي مع المعارضة اقتصر بعد 2017 على الاجتماعات على مستوى المبعوثين، مما سمح للدول بإظهار نفسها منخرطة دبلوماسيا في حين قدمت سمعة المعارضة السيئة ذريعة لغياب أيّ التزام حقيقي.

وانطلق كل شيء بشكل مختلف تماما. وبعد وقت قصير من إنشاء الائتلاف السوري المعارض باعتباره منصة المعارضة الرئيسية في نوفمبر 2012، اعترفت به عشرات الحكومات باعتباره ممثل الشعب السوري الشرعي في مؤتمر أصدقاء سوريا في مدينة مراكش المغربية. لكن هذه البادرة لم تخلّف آثارا قانونية أو عملية محورية رغم أهميتها السياسية.

ودعمت العديد من المجالس المحلية وفصائل الجيش السوري الحر في البداية الائتلاف السوري المعارض داخل البلاد، على أمل أن تنجح حكومته المؤقتة التي تأسست في مارس 2013 بتزويدها بالتمويل والأسلحة. كما توقعوا أن يتمكن الائتلاف من تأمين تدخل عسكري غربي حاسم، على غرار ما حدث في ليبيا بعد الإطاحة بمعمر القذافي. ثم فشلت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في فرض “خطها الأحمر” إثر الهجمات الكيمياوية في أغسطس 2013، فخسرت العديد من الفصائل المسلحة ثقتها بالائتلاف وانضمت إلى الجماعات الإسلامية.

ودفع التدخل العسكري الروسي في 2015 إلى إعادة التقييم، حيث حث المجتمع الدولي المعارضة على التفاوض. ورفض الائتلاف السوري المعارض في البداية الانخراط، مطالبا برحيل الأسد كشرط مسبق. ولكسر الجمود، عملت الضغوط الدولية في ديسمبر 2015 على تشكيل الهيئة العليا للمفاوضات، مع كون الائتلاف السوري المعارض العنصر الرئيسي فيها.

الائتلاف كان يُعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، لكن البلاد ستتذكّره بإخفاقاته أكثر من إنجازاته
الائتلاف كان يُعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، لكن البلاد ستتذكّره بإخفاقاته أكثر من إنجازاته

وتطورت إلى هيئة التفاوض السورية في 2017. ولكن عملية جنيف ذاتها كانت ميتة، حيث أدت الجولات التي لا نهاية لها من المحادثات إلى تشويه سمعة المعارضين الذين ما زالوا يؤمنون بإمكانية التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض مع الأسد.

ومنحت تركيا على الأرض الحكومة المؤقتة سيطرة جزئية على أجزاء من شمال محافظة حلب كانت قد استولت عليها مع الجيش الوطني السوري، وهو الجيش السوري الحر الذي أعيدت تسميته.

وزاد تراجع الدعم العربي والدولي للمعارضة من اعتمادها على تركيا، وهو ما تسبب بدوره في تعقيدات.

واشتعل غضب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عندما دعم الائتلاف السوري المعارض والحكومة السورية المؤقتة علنا عملية نبع السلام التركية في 2019، مما أوقف كل الدعم المباشر. ثم انهارت علاقته مع المملكة العربية السعودية بشكل لا يمكن إصلاحه بسبب تحالفه مع أنقرة بدلا من الرياض.

وسلط الهجوم السريع الذي شنته هيئة تحرير الشام والذي أطاح بالأسد في نهاية المطاف الضوء على حقيقة مريرة، وهو أن الحل العسكري يبقى السبيل الوحيد لحل الصراع.

وكانت سمعة هيئة تحرير الشام وزعيمها أحمد الشرع قبل 27 نوفمبر أسوأ من سمعة المعارضة السورية. وبينما كانت المعارضة تعتبر غير فعالة ولكنها غير ضارة، كان إسلام الشرع وميوله الاستبدادية يعتبران تهديدا حقيقيا للمجتمع السوري والمنطقة. وتغير هذا التصور بين عشية وضحاها عندما تولى الحكم.

تراجع الدعم العربي والدولي للمعارضة زاد من اعتمادها على تركيا، وهو ما تسبب بدوره في تعقيدات

وحققت المعارضة هدفها في أعين مؤيديها الدوليين، ولم تعد هناك حاجة إليها. وقد مُنح رئيس الائتلاف بدر جاموس الفرصة لإلقاء كلمة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 17 ديسمبر، بعد سنوات من الصراع حين اعتبرت هذه الخطابات غير ضرورية.

ومع ذلك، فإن الخطة الانتقالية التي قدمها، في محاولة لربط قرار مجلس الأمن رقم 2254 بالتطورات الأخيرة، لم تلق اهتماما كبيرا.

ويرى الزعيم السوري الجديد أن استمرار وجود الائتلاف يشكل تهديدا محتملا بصفته نقطة تجمع للمعارضة. واستغل الشرع صعوده إلى الرئاسة لحل الهيئات الثورية، كالائتلاف وفروعه. وأعلن في اجتماع خاص مع رئيسي الائتلاف وهيئة التفاوض السورية في 7 يناير أنه لن يكون هناك مكان للمعارضة خلال الفترة الانتقالية.

ولعبت المعارضة السورية لسنوات لعبة الدبلوماسية الدولية المملة والضرورية. وكان إنجازها الرئيسي يتلخص ببساطة في الصمود وحرمان الأسد من أيّ احتكار كامل للشرعية السياسية. فلقد حكمت المعارضة مليونا ونصف مليون شخص في شمال سوريا الذي سيطرت عليه، وإن كان ذلك تحت إشراف تركي كبير. ولم تكن الأكثر كفاءة من بين كل حكومات الحرب الأهلية، أو الأفضل موارد، لكنها كانت الأقل استبدادية وأيديولوجية.

وانتهت معارضة الماضي الآن، لكن معارضة جديدة للشرع سوف تنشأ حتما. وقد ظل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، رغم عيوبه، الوصي الرسمي على فكرة أن الثورة كانت تدافع عن سوريا حرة وديمقراطية وعلمانية على أساس المواطنة المتساوية وسيادة القانون. وسوف تستمر هذه الفكرة.

6