بيوت ضيافة عتيقة في المغرب تنافس الفنادق الفخمة

لم تعد الفنادق الفخمة بتصميماتها الحديثة تجذب السياح الراغبين في عطلة استثنائية لذلك انتشرت في المغرب "الرياض" وهي بيوت عتيقة بطابع مغربي - أندلسي في المعمار تتميز بالتفرد والحدائق في صحن الدار وتوفر للزوار معايشة أجواء فريدة وهادئة تضيف إلى زيارتهم ذكريات لا تمحى.
الرباط - في ظل التطور المستمر للبنية التحتية السياحية بالمغرب لا تزال البيوت العتيقة أحد أبرز المعالم جذبا لقاصدي المدن المغربية العريقة ليس فقط بغرض الزيارة لكن للإقامة ومعايشة أجواء فريدة تضيف إلى زيارتهم ذكريات لا تمحى.
وبينما توفر الفنادق الحديثة رفاهية مألوفة لدى السائح تتيح دور الضيافة أو ما يطلق عليها محليا "الرياض" تجربة إقامة استثنائية حيث الأثاث والزخرفة والبناء المستمد من التراث المغربي – الأندلسي القديم، مع الكثير من الفخامة مقارنة بالمنازل المغربية العتيقة للعائلات العادية أو المتوسطة، وتتجلى أساسا في الترتيب والديكور بشكل مهني أكثر.
وتمتاز بيوت "الرياض" المنتشرة بشكل أكبر في المدن التاريخية مثل مراكش وفاس ومكناس وورزازات ببابها التقليدي، والفناء الواسع المزين بالنباتات مع حوض مائي صغير، والطابع المعماري الأصيل مما يجعلها الوجهة المفضلة للسائحين الباحثين عن الهدوء والسكينة والتشبع أكثر بروح المكان وجماليته.
وتقول سائحة فرنسية تدعى كارولين فاجرلان (28 عاما)، “هذه ثاني مرة آتي فيها إلى المغرب وأختار الرياض بدلا عن الفندق، فهذا الأخير لا يهمني ولو كان من خمسة نجوم، فما أبحث عنه هو الطابع التقليدي للمغرب والانغماس في تراثه وثقافته، أما ارتياد فندق من خمسة نجوم فلا أجده مثيرا، لأنني يمكن أن أجد نفس الفندق بنفس الأسلوب في المغرب، أو في فرنسا أو البرازيل أو أستراليا.. ما الفرق؟".
وأضافت "سبق ونزلت وزوجي سبستيان في رياض بمدينة مراكش، وهذه المرة في الرباط أيضا اخترت الرياض لأنني أشعر فيه براحة غريبة، كما أن الناس هنا يشعرونك بأنك ضيف عندهم ولست سائحا عكس الفنادق". وتشاركها سائحة ألمانية تدعى مارسيلا ليسنيج (32 عاما) الرأي، فتقول إن هناك “مرونة في أوقات المغادرة والاستقبال كما لو كنت تزور عائلة مقربة منك".
وتضيف “الطعام أيضا يحضر بناء على رغبة الزبائن وليس باللائحة فقط، أي من الممكن أن أطلب من الطباخ الغذاء الذي أنوي تناوله، وهذا ما أفعله في الصباح قبل مغادرة الرياض نحو المدينة". ومع حلول شهر يونيو يتزايد الإقبال على “الرياض” من مختلف الجنسيات بحسب ما يقول وليد الجعواني أحد القائمين على هذا النمط من الإقامة في الرباط. وقال “الأسعار هنا تتراوح بين 95 و105 يورو بينما في أماكن أخرى أغلى أو أقل، حسب نوع الخدمات المقدمة وتجهيزات الرياض".
وأشار إلى أن “أغلب الوافدين من المتقاعدين الذين يبحثون عن الراحة والسكينة، ولاحظت مؤخرا أنه بحكم المساحة الصغيرة للمنزل مقارنة مع الفنادق الكبيرة، فزبائن الرياض يصبحون مثل العائلة الواحدة أحيانا تنشأ بينهم صداقات، خاصة إذا طال المقام".
ومع انتشار الرياض في المدن القديمة، التي توحي في البداية بالطابع الشعبي، ساهم إقبال السائحين في تحسين جودة الحياة بهذه المدن خاصة من ناحية الأمن، حيث تحرص السلطات على استتباب الأمن حفاظا على السياحة، كما ساهم في ارتفاع الإيجارات. وبالنسبة إلى الرياض الذي يشرف عليه الجعواني فإنه يعود في الأصل إلى منزل كان ملكا لعائلة رباطية عريقة، عمره يزيد عن 150 عاما، اشتراه أحد المستثمرين المغاربة وطوره منذ عام 2021.
ويتميز هذا “الرياض” بطابع معماري عريق، إذ يحتوي على زخارف ونقوش من الخشب والجبس مع حديقة صغيرة في فناء المنزل، وديكورات من الصناعة التقليدية المغربية، تضفي عليه لمسة من الفخامة والعراقة، وتذهب بالمكان إلى محاكاة أحد قصور ألف ليلة وليلة. وغير بعيد عن “رياض” الجعواني في أحد أزقة البلدة العتيقة بالرباط، هناك “رياض” آخر يبدو متواضعا من بابه، لكنه يحوي الكثير من الأسرار والجماليات من الداخل حيث يمنح لحظات من السكينة والهدوء ويعود بزائره إلى العصر الأندلسي.
ويقول موظف الاستقبال، الذي فضل تقديم نفسه باسم ياسين فقط، “قبل الاشتغال بهذا الرياض اشتغلت في عدد من الرياضات بمراكش، وأشعر براحة غريبة في الاشتغال بها بدل الفنادق، فلا أشعر بالضغط وغالبا المعاملة بين الزبون والمشرفين فيها نوع من المرونة المتبادلة ربما بحكم أن سعة الرياضات ليست كبيرة كما الفنادق".
ويرى ياسين أن المنازل التي تحولت إلى رياضات “في الغالب تكون عادية، لكن المستثمرين، على رأسهم الأجانب أو بعض المغاربة الشبان الذين بدأوا يتجهون إلى هذا النوع من الاستثمارات يحولونها إلى هذا الشكل البديع". وأضاف "هذا التوجه في الاستثمار يتطلب أموالا طائلة.. يجب أن تكون غنيا لتقوم بترميم رياض وتجهيزه بمقومات تجمع بين التراث والتقليد والفخامة والراحة، حتى تقنع السائح بتغيير رأيه ليختار الرياض عوضا عن الفندق العصري”.
وفي مدينة مراكش، غير بعيد عن ساحة جامع الفنا الشهيرة المدرجة بقائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، يوجد في أحد الأزقة التقليدية الشهيرة، نموذج آخر لرياض كان منزلا لعائلة مراكشية عريقة.
◙ دور الضيافة أو "الرياض" توفر تجربة إقامة استثنائية حيث الأثاث والزخرفة والبناء المستمد من التراث المغربي – الأندلسي القديم
وتقول أسماء صاحبة الرياض "استثمرت في فكرة الرياض لما رأيت عددا من الأجانب يشترون منازل مغربية ويحولونها إلى رياضات، فقلت لمَ لا؟ أنا أولى بتراث بلادي". وأضافت "الرياض مصنف جيدا على أحد المواقع الشهيرة للحجز على الإنترنت، ورغم ذلك أسعى لتطويره خاصة بعد التوقف في فترة كورونا وزلزال الحوز" الذي ضرب المغرب في سبتمبر الماضي.
وتقول السائحة المغربية مريم الزوين "أنا من عشاق مراكش وآتي للاستجمام فيها. في البداية كنت أستبعد فكرة الرياض وكانت السياحة بالنسبة إليّ هي الفندق بخياراته العصرية، لكن بالصدفة كانت جميع الفنادق ممتلئة ذات مرة واتجهت لهذا الرياض فشعرت براحة غريبة وكأنني أزور عائلة لي في مراكش لما يحتويه المكان من حميمية". ويرى الزبير بوحوت المحلل في القطاع السياحي أن “دور الضيافة والرياضات بدأت تشكل مكانية متميزة في نسيج القطاع السياحي".
وقال لرويترز "الرياضات تدخل في إطار المؤسسات السياحية للاستقبال التي تتجاوز 4400 مؤسسة في مختلف المدن المغربية، نصفها دور ضيافة ورياضات، و70 في المئة منها متمركزة في مراكش، إضافة إلى المدن العتيقة الأخرى كفاس والرباط والصويرة والمناطق الصحراوية". وأضاف أن هذا النوع من دور الضيافة في 2022 و2023 "حقق نسبة نمو كبيرة.. هناك إقبال كبير عليه".
واعتبر بوحوت أنه “إذا كان المغرب قد حقق في هذه الفترة زيادة كبيرة في ليالي المبيت، فبالنسبة إلى الرياضات ودور الضيافة وصلت إلى 79 في المئة، رغم فترة كوفيد التي عرفت توقفا لكن الآن هم يسترجعون وأمامهم الكثير ليقدموه". وأضاف أن "الرياضات" تقدم "أسلوب عيش عتيقا للسياح، بما فيه المطبخ المغربي التقليدي الخاص بكل منطقة يتواجد فيها الرياض".
وقال مسؤول في وزارة السياحة فضل عدم نشر اسمه لرويترز إن “الرياض يساهم في تنويع المنتوج السياحي ببلادنا بطابعه الأصيل، ومساهمته في القطاع جد إيجابية، فهناك من السياح من يبحث عن مثل تجربة الرياض التي تكون فيها خاصية فريدة، ففيها تراث وأصالة". وعن سبب اتجاه الأجانب أكثر للاستثمار في المنازل القديمة بالمدن العتيقة وتحويلها إلى رياض قال إن "الأجانب لهم قدرة شرائية أفضل من المغاربة ويبحثون دائما عن الجديد، كما يستهويهم تراثنا أكثر".