بين غرزة وأخرى.. لوحات مطرزة من الريف المغربي

مشروع فني يسعى للارتقاء بأوضاع نساء الأرياف في المغرب من التهميش والفقر إلى المعارض العالمية عبر التطريز على القماش.
الأحد 2025/06/01
أنامل تنسج حياة جديدة

في قرية جنوب المغرب يتحوّل التطريز إلى مشروع فني واجتماعي يمكّن البعض من النساء في الأرياف من كسر العزلة ورواية قصصهن بالخيط والإبرة في لوحات إبداعية تفتح لهن الفرصة لنقل فنهن من الهامش إلى معارض عالمية.

سيدي الرباط (المغرب) - تشارك نساء ريفيات في جنوب المغرب في إنجاز لوحات تشكيلية من خلال التطريز على القماش، في مشروع فني فريد من نوعه يسعى للارتقاء بأوضاعهن الاقتصادية والاجتماعية، أطلقته الفنانة المغربية الفرنسية مارغو درعي.

ويحتضن بيت متواضع في قرية سيدي الرباط الساحلية على بعد 70 كيلومترا جنوب مدينة أغادير هذه الورشة الفنية التي تنهمك فيها عشر نساء في تحويل أقمشة مثبتة على طاولة تطريز إلى لوحات فنية مستوحاة من صور فوتوغرافية قديمة لعائلة مارغو درعي التي غادرت المغرب في ستينات القرن الماضي.

في نهاية العام 2022 قررت مارغو البالغة 39 عاما العودة إلى مسقط رأس والدها لتحقيق “حلم مشروع فني يكون ذا فائدة،” من خلال استقطاب نساء متواضعات الحال من هذه القرية التي تقيم فيها نحو 400 نسمة، للعمل في إنجاز لوحات مطرزة، على ما توضح لوكالة فرانس برس.

وفي إحدى الغرف تعمل أربع نساء بتأن كبير على وضع اللمسات الأخيرة على لوحة من الحجم الكبير تحاكي صورة من عشرينات القرن الماضي التقطت في مدينة الصويرة السياحية على ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلسي.

من بين هؤلاء، حنان إشبيكلي البالغة 28 عاما التي تؤكد مبتهجة “لقد غيّر هذا المشروع حياتي، رغم أنني لم أستخدم إبرة الطرز من قبل” إذ أنها كانت تدرس مهنة التمريض قبل أن تصادف مارغو درعي. وتتولى الشابة أيضا إدارة المشروع الفنية. وتؤكد درعي أن العاملات في هذا المشروع يتلقين رواتب شهرية “تفوق الحد الأدنى للأجر في المغرب” البالغ حوالي 330 دولارا.

◙ النساء في المغرب يعتبرن أكثر الفئات تأثرا بالفوارق الاجتماعية إذ أن أكثر من ثماني نساء من كل عشر لا يمارسن أيّ نشاط مدر للدخل

وفي المغرب تعتبر النساء أكثر الفئات تأثرا بالفوارق الاجتماعية إذ أن أكثر من ثماني نساء من كل عشر لا يمارسن أيّ نشاط مدر للدخل، خصوصا في الأرياف، بينما 19 في المئة منهن فقط لديهن عمل مستقر، وفق دراسة حديثة نشرتها المندوبية السامية للتخطيط.

في البداية، لم تكن فكرة العمل في مشروع فني بديهية بالنسبة إلى تلكم النساء اللواتي كان “بعضهن يأتين إلى الورشة خفية، لأن الفن هنا يعتبر نوعا من ‘الهراء‘ ولأن السائد أن المرأة يجب أن تظل في البيت، لكننا استطعنا تغيير هذه الأفكار،” على ما تقول المسؤولة عن الورشة خديجة أحويلات البالغة 26 عاما.

وتضيف متحمسة “أنا فخورة جدا بمساهمتي في تغيير هذا الأمر ولو أنها مساهمة بسيطة.” وقد فضلت العودة للاستقرار في قرية سيدي الرباط للعمل في هذا المشروع بعدما تركتها في وقت سابق لمتابعة دراستها الجامعية. بعد بضع سنوات على انطلاق المشروع صار نظام العمل مضبوطا بدقة، ويبدأ بوضع تصميم للوحة من طرف مارغو قبل أن يجتمع الفريق لاختيار الغرز والخيوط والألوان المناسبة لكل جزء من اللوحة.

وقد يحتاج إنجاز اللوحة إلى خمسة أشهر إذا كانت من الحجم الكبير .وعرضت هذه اللوحات المطرزة التي تباع بحوالي خمسة آلاف يورو، في مراكش وباريس وبروكسل فيما يجري حاليا التحضير لمعرضين في الدار البيضاء ودبي.وانضمت عائشة جوط والدة خديجة، وهي أرملة في الخمسين عمرها، إلى الفريق بعدما كانت تعمل في التقاط بلح البحر على شاطئ القرية، وتربية الماشية لإعالة أسرتها.

وتعبر عن سعادتها بالمشاركة في المشروع قائلة “أشعر أنني مرتاحة منذ بدأت العمل هنا، أحب كثيرا طرز لوحات فنية وأيضا نقل معارفي لنساء أخريات.”وقد تعلمت الطرز وهي حرفة تقليدية منتشرة في المغرب، في سن الثانية عشرة. وقد أشرفت على تلقين تقنيات التطريز المختلفة لباقي أفراد الفريق المكون أساسا من نساء عازبات وأرامل.

من بين هؤلاء، تقول حدية نشيط (59 عاما) “لا توجد الكثير من فرص العمل هنا، لذلك لم أتردد عندما أتيحت لي هذه الفرصة.” أما زميلتها فاطمة لشقر (59 عاما) فتقول “لم أتردد بمجرد أن أتيحت لي فرصة تعلم الطرز مجددا بعد توقف لأكثر من 20 عاما،” معتبرة هذه الفرصة بمثابة “نعمة تتيح لي مساعدة عائلتي."

18