بيع البويضات آخر الحلول لمن ضاقت بهن سبل الحياة

مواقع التواصل سوق عرض وطلب للبويضات مع مواصفات المتبرعة.
الأحد 2024/02/04
بحث عن حل

بعد أن كان الحديث عن تجميد البويضات يجري همسا على خجل بين النساء، بات بيع البويضات حلا وحيدا للكثير من النساء في سوريا اللواتي تقطعت بهن السبل بسبب سوء الأوضاع رغم التحريم أو تقييد العملية دينيا.

دمشق - دفعت الأزمة الاقتصادية الخانقة الكثير من الشبان والفتيات في سوريا إلى التفكير بحلول غير معهودة لتأمين احتياجاتهم وصلت إلى بيع أغراض المنزل أو بيع الأعضاء أو البويضات التي باتت تجارة رائجة مع تفشي الطرق غير المشروعة للكسب والتي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

ويتلقى الطبيب س.ع العديد من الطلبات من مريضاته لمساعدتهن لإجراء عملية بيع بويضاتهن، وتكرّر الأمر كثيرا مؤخرا، مؤكدا أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في تفشي الظاهرة مع ازدياد الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية سوءا. فبعد أن ضاقت بهن السبُل لتأمين تكاليف أساسية خصوصا في حالة مرض أحد أفراد العائلة، تتضمن مبالغ كبيرة للمشفى وللأدوية وصور الأشعة والعمليات.

استنزاف

مع استمرار تدهور الواقع المعيشي، وجد بعض السوريين أن الحل الوحيد، هو بيع قطعة من أجسادهم

وتقول هدى (اسم مستعار)، تكاليف علاج أبيها باتت مرهقة تستنزفُ العائلة مادياً ومعنوياً وجسدياً، إذ لا يقتصر فقط على مبلغٍ مادي وإنما يمتد ليشمل نفقات تظهر فجأة، الأمر الذي دفعها لبيع عدد من أغراض المنزل، ثم بدأت تفكر ببيع كليتها بعد رؤيتها للعديد من إعلانات التبرع بالكلى.

لكن خوفها من الخطوة، جعلها تتردد وتتمهل ثم بدأت بالتفكير ببيع بويضاتها بعد أن سمعت من إحدى المريضات اللواتي تعرفت عليهن أثناء مرافقة أبيها إلى المستشفى بقيامها بعملية تجميد البويضات -عملية تقوم بها بعض السيدات اللواتي يعانين من ورمٍ عند تلقيهن لجلسات العلاج الكيميائي، لما لتلك الجلسات من أثرٍ سلبي على خصوبة المرأة المصابة ما قد يُفقدها القدرة على الحمل-، ففكرت بإجراء العملية ولكن ليس لتجميد البويضات وإنما لبيعها.

وانتشرت في الآونة الأخيرة إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص يعرضون كلاهم للبيع، كما تنتشر في شوارع العاصمة دمشق ومدن أخرى، منشورات يطلب فيها متبرعون بكلى زمر دم معينة، وأرقاماً للتواصل مع طالب الكلية بشكل علني.

ولا تقتصر تجارة الأعضاء على بيع وشراء الكلى، بل هناك من يبحث عن قرنية عين، أو جزء من الكبد أو الطحال، أو خصية، أو أوردة، حيث يستطيع المتبرع إكمال حياته رغم تبرعه بتلك الأعضاء.

وكان الحديث عن تجميد البويضات بين أوساط النساء يجري همساً ويشوبه الكثير من الخجل على الرغم من النقلة التي حدثت خلال السنوات الماضية خاصة مع تأخر سن الزواج لدى الفتيات بشكل أسهم في ارتفاع أعداد الفتيات اللواتي يقمن بهذه العملية.

بعض الحالات الطبية تتطلب تجميد البويضات كالسرطان الذي يجبر المريضة على تلقي العلاج الكيميائي الذي يؤثر على الخصوبة

ومع استمرار تدهور الواقع المعيشي وغلاء الأسعار وغياب فرص العمل، وجد بعض السوريين أن الحل الوحيد لتأمين مصاريف طارئة، هو بيع قطعة من أجسادهم فهي بالنسبة إليهم خيط الأمل الأخير للهروب من هذا الواقع المرير.

أما بعض الفتيات والنساء فبدأن بالتفكير في بيع البويضات. وإلى جانبها ازدهرت بشكل لافت ومثير للانتباه عملية تجميد البويضات، فالنساء اللاتي يخشين الوصول إلى سن لا يمكن بعدها الإنجاب بسبب توقف عملية الإباضة الطبيعية، بدأن في اللجوء إلى تجميد بويضاتهنّ والهدف هو استخدام تلك البويضات لاحقاً في الإنجاب والتلقيح الاصطناعي حتى لو تأخرن في الزواج لما بعد الأربعين، بعد أن كانت ظاهرة غريبة على المجتمع السوري.

وما زال المجتمع السوري منقسماً بين رافض ومؤيد للفكرة، وكيفية النظر للتشريع الديني في المسألة سواء في السر أم في العلن.

وتقول إحدى الموظفات “لم أبلغ العنوسة بعد، ولكنني مطمئنة ففي أي لحظة يمكنني أن أجمد بويضاتي وحقيقة هذا ما سيحصل، إن لم يكن اليوم فغداً. لست قلقة الآن من تأخري بالزواج، عملي سرقني من الزواج والمجتمع، ولكن الآن سأحذو حذو صديقات لديّ جمدن بويضاتهنّ، هذا حل طبي ممتاز وعظيم، ويتيح لي أن أكون انتقائية في اختيار شريك حياتي، ثم ننجب لاحقاً في أيّ وقت نختاره بحسب ما تسمح به الشروط الطبية بالتأكيد، ولكن المهم أنّ الأمور سليمة”.

وهناك سيدة أخرى تتعالج بالجرعات الكيميائية بسبب إصابتها بالسرطان فقد أقدمت بناء على نصيحة طبية على تجميد بويضاتها قبل أن تبدأ العلاج الكيميائي الذي يؤثر في البويضات والخصوبة، لإعادة زراعتها لاحقا. وتكلف عملية سحب البويضات وتجميدها نحو ألفي دولار.

وتقوم تقنية وهب البويضات على تبرع شابة ببعض بويضاتها إلى امرأة أخرى، ليتم تخصيبها بالحيوانات المنوية لزوجها، والحصول على واحد أو أكثر من الأجنة لزرعها في رحمها.

وفي منشور على فيسبوك يشرح الطبيب نجيب داغر “اختصاصي العقم وأطفال الأنابيب ووهب البويضات في بيروت” أن قرار اللجوء إلى تقنية طفل الأنبوب “باستعمال بويضات من واهبة صغيرة”، صعب جداً لكنه الحل الوحيد عند النساء المتقدمات بالعمر أو عند البنات الصغيرات المصابات بفشل مبكر بالمبيض وارتفاع بهرمون (FSH) وانخفاض بمخزون البويضات أي انخفاض بهرمون (AMH)”.

حل ممتاز

عمليات في العلن
عمليات في العلن

ويمثل انخفاض وظيفة المبيض، مشكلة يمكن أن تحدث في أي عمر، لكنها أكثر شيوعاً لدى من تجاوزن الـ 39 عاماً. وحتى النساء اللواتي توقفت لديهن الدورة الشهرية، يمكنهن الحمل بهذه التقنية لأنه كما ثبت، أن الرحم لا يشيخ مع تقدم العمر بل فقط المبيض، مما يؤدي إلى انخفاض نوعية وكمية البويضات.

وعلى عكس أوروبا التي تحدد حداً أقصى لعمر المتلقية بـ50 سنة، فإنه يمكن إجراء هذه العملية في لبنان طالما أن صحة المرأة جيدة حتى وإن انقطع الطمث لديها.

في المقابل هناك من يعرض بويضات زوجته للبيع جاعلاً منها سلعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فأحدهم من خلال التعليق على منشور على فيسبوك يطلب متبرعة لبويضة وإيجار رحم، مع تحديد الحد الأقصى للعمر بـ35 عاماً.

وفي لبنان يمكن إجراء هذا النوع من العمليات بالعلن منذ عام 2012 وذلك بعد تعديل البند 8 من المادة 30 من قانون الآداب الطبية، ولهذا هو مقصد للسيدات اللواتي لا فرصة لديهن للإنجاب إلا من خلال هذه التقنية، من دول عربية أخرى تمنع قوانينها هذا الأمر.

ويشير الطبيب داغر إلى أن لديه “متبرعات دون قائمة انتظار، ويجب على المرضى من الخارج إرسال صورة للزوجة لمطابقتها مع المتبرعة المناسبة لها التي لديها نفس المواصفات الجسدية ونفس فصيلة الدم”.

ويتابع “لدينا قاعدة بيانات واسعة جداً من المتبرعات الشابات المختارات مسبقاً (18 – 27 عاماً) اللواتي اجتزن فحوصات طبية محددة، منها فحص للأمراض النسائية، واختبارات لفصيلة الدم، والإيدز (HIV)، والتهاب الكبد، والتلاسيميا، بالإضافة إلى التاريخ الطبي لاستبعاد أيّ مشكلة وراثية وجينية (…) وكذلك التقييم النفسي واختبار مستوى الذكاء”.

نظرة الطوائف الدينية في لبنان تختلف بشأن عملية وهب البويضات، إذ تحرّمها دار الإفتاء وتقيّدها المحكمة الجعفرية ولا تمنعها الكنيسة

كما يشدد على أنه “لا يمكنكم رؤية المتبرعات يمكنكم فقط معرفة المواصفات الجسدية لهن أي العرق والعمر والوزن والطول ولون البشرة والعين والشعر ونوعه. ومن الناحية القانونية المرأة التي تنجب الطفل هي الأم”.

وعادة ما يكون سبب تجميد المرأة لبويضاتها حفظ خصوبة المرأة واستمرار قدرتها على إنجاب أطفال أصحاء بالرغم من تقدمها بالعمر إذ أن جودة البويضات تحفظ لمدة طويلة بعد التجميد قد تصل إلى عشرات السنين، وهذه التقنية تسمح للمرأة التي قد تقرر الزواج في وقت متأخر أن تنجب أطفالا أسوياء، هذا بالإضافة إلى أن بعض الحالات الطبية تتطلب تجميد البويضات كالسرطان الذي يجبر المريضة على تلقي العلاج الكيميائي الذي يكون له تأثير ضار على الخصوبة ويدمر البويضات، وأيضا في حال الفشل المبكر للمبيض أي الاقتراب من سن اليأس المبكر وانقطاع الدورة يستدعي تجميد البويضات.

وهي بحسب داغر، عملية غير معقدة وغير مكلفة مادياً ونجاحاتها مضمونة وسريتها عالية إذ أن المتبرعة لا تلتقي بالمتلقية وزوجها حفاظاَ على السرية والخصوصية التامة وهي وسيلة الحمل الوحيدة للنساء المتقدمات في العمر. وتتم بطريقة سهلة بدأً من إجراء بعض التحاليل لدم المتبرعة كتحاليل التهابات الكبد المختلفة، الأمراض المعدية جنسيا، التالاسيميا، الإيدز وفصيلة الدم…وذلك للتأكد من أن الواهبة لا تعاني من الأمراض التقليدية أو الوراثية.

وتشمل تكلفة العملية أدوية تحفيز البويضات التي تُعدّ باهظة الثمن، إذ تبلغ تكلفتها حوالي 1200 دولار، وكذلك فحص دم المتبرعة للتأكد من سلامتها وصلاحيتها للتبرع، وعملية سحب البويضات وتلقيحها بالحيوانات المنوية لزوج المتلقية، وكذلك زرع الأجنة في رحم المتلقية.

وتختلف نظرة الطوائف الدينية في لبنان بشأن عملية وهب البويضات، إذ تحرّمها دار الإفتاء في لبنان باعتبارها “تؤدي إلى خلط الأنساب بين الأم البيولوجية والأم الحاضنة، وفيما يتعلق بتجميد البويضات فإن هناك رأيين أولهما حرمة ذلك من باب الخشية من سوء أمانة حفظها، والثاني جوازها إن كانت الجهة التي تحفظها محل ثقة”.

وتعتبر دار الإفتاء أن عملية وهب وتلقي بويضات مخالفة شرعية تنافي كليات الشريعة الخمس التي أمرت بحفظ الدين والنفس والعقل والأنساب والمال”.

إشكال بين العلماء

حالات طبية
حالات طبية

أما مجمع كفتارو الديني في دمشق فيقول إن الشرع الإسلامي لا يمنع تجميد البويضات على اعتبار أنّها تحفظ في شروط صحية وطبية وعملية دقيقة وباسم صاحبتها، وبالتالي أن يتم تلقيح هذه البويضة عبر الحيوان المنوي للزوج بصورة شرعية قائمة على عقد شرعي واضح يجمع الزوجين ببعضهما.

بدوره يؤكد قاضي محكمة الضاحية الجنوبية الشرعية الجعفرية الشيخ موسى السموري “جواز وهب البويضات كعملية، لكن الإشكال يقع بين العلماء في تحديد نسب الجنين أي فيما إن كانت والدته هي الواهبة للبويضة أو المتلقية لها، لكن حين تسجيله في الدوائر الرسمية ينسب إلى المرأة التي حملت به”.

أما الكنيسة الكاثوليكية فلا تشجع جميع أنواع الإخصاب الاصطناعي، فهي تعتبر أن الأطفال عطية الله، عدا عن الخشية من بعض الممارسات المُصاحبة لمثل هذه العمليات كعمليات الاتجار والمشاكل المستقبلية، ورغم ذلك تعتبر الكنيسة إقدام أبنائها على ذلك حرية شخصية ومن باب الرغبة في تكوين عائلة.

وفي سوريا لا يوجد أيّ قانون يمنع تجميد البويضات، ولا تزال العملية غير مخالفة قانونياً وفي الوقت نفسه غير منظمة بشروط وقوانين لأن وزارة الصحة لم تتدخل في الموضوع بعد، لكنّه منع تأجير الأرحام، ففقهاء الأمة أجمعوا على تحريم استئجار الرحم.

وكان القانون المدني السوري قد نص في المادة 136 على أنه “إذا كان محل الالتزام مخالفاً للنظام العام والآداب العامة كان العقد باطلاً، وبالتالي لا يمكن وصف عملية تأجير الأرحام بالقانونية أو البحث في انطوائها تحت مؤسسة عقد الإيجار المعروفة والشائعة في الفكر القانوني لعدم توافر الأركان المطلوبة لقيام هذا العقد”.

15