"بيت جميل" يخرّج جيلا جديدا من الحرفيين المصريين

مصر تسعى إلى إحياء الحرف التقليدية والتراثية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
الجمعة 2025/06/20
الحِرف التقليدية على أصولها

يقدم "بيت جميل للفنون التراثية" في القاهرة دورات تعليمية للشباب في الهندسة الإسلامية التقليدية، والرسم، وتجانس الألوان والأرابيسك، وكذلك تقديم التدريب المتخصص في السيراميك والزجاج والجبس، والأعمال المعدنية والأشغال الخشبية.

القاهرة - يسعى “بيت جميل للفنون التراثية” في القاهرة إلى تنشئة جيل جديد من الحرفيين المصريين، من خلال إحياء الحرف التقليدية والتراثية وتعليمها ضمن دورات تدريبية تعتمد منهجية تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

ويقدّم “بيت جميل”، الذي تأسس عام 2009 في منطقة الفسطاط بحي مصر القديمة، برنامجًا للمنح الدراسية يمتد لعامين، يُمكّن المتدربين من اكتساب مهارات عملية في عدد من الحرف التقليدية، من بينها: الأعمال الخشبية، النحاس، السيراميك، والزجاج المعشّق.

وتأتي منحة “بيت جميل” في إطار السعي لتطوير الحرف والحفاظ عليها، من خلال الاحتكاك بتجارب دولية ذات خبرة في التعامل مع التراث الحرفي، والعمل على تجديد الوعي بأصول الفن الإسلامي. ويضم البرنامج عددًا من كبار أساتذة التصميم والفنون التراثية، ويشمل تقديم منح دراسية لتدريب 20 فنانًا وحرفيًا مصريًا في مجالات: الجبس، الخزف، أعمال الخشب بالقشرة، أعمال النحاس وتقنياته المختلفة.

وتقول المتدرّبة ياسمين الجبالي، “بعد تخرّجي من الجامعة، شعرت بأنني لم أتعلم بعد ما أحب، وكان حلمي أن أتعمق في الفن التراثي، لذلك وجدت في بيت جميل المكان الأنسب لاكتشاف هذا الشغف وتعلّمه.”

ويهدف البرنامج إلى تمكين المتدربين من إتقان الحرفة بما يؤهلهم لاحقًا لإطلاق مشاريعهم الخاصة أو العمل في المجال التعليمي لنقل المهارات إلى الأجيال القادمة.

تضيف ياسمين، “تجربتي في بيت جميل ساعدتني على تحديد مساري المهني، وأطمح بعد التخرّج إلى إطلاق مشروع صغير أمارس فيه الحرفة التي أحبها.”

بدورها، التحقت نهى القهوجي، رئيسة قسم النحاس والمعادن في “بيت جميل”، بالبرنامج كطالبة عام 2017، بعد صعوبات واجهتها كامرأة في تعلّم حرفة النحاس داخل ورش العمل التقليدية. وتقول، “النحاس خامة أصيلة لطالما ارتبطت ببيوتنا، وكنت منذ المرحلة الثانوية أسعى لتعلّم هذه الحرفة، لكن معظم الورش كانت ترفض تدريب الفتيات وسط الصنايعية. بحثت طويلًا حتى وجدت في بيت جميل البيئة المناسبة لذلك.”

من جهته، أوضح ممدوح صقر، مدير برنامج “بيت جميل”، أن البرنامج يهدف إلى إعادة الصلة بين الفنان وبين العملية الإبداعية بأكملها، من التصميم إلى التنفيذ، مضيفًا، “بيت جميل هو ثمرة شراكة بين ثلاث جهات: مؤسسة الأمير تشارلز – مدرسة الفنون التقليدية في إنجلترا، ومؤسسة مجتمع جميل، ووزارة الثقافة المصرية ممثلةً في صندوق التنمية الثقافية.”

وأشار إلى أن البرنامج يغطي مجموعة واسعة من الحرف، تشمل الجبس، الزجاج المعشّق، الخشب، المعادن، والخزف، قائلاً: “نطمح إلى استعادة صورة الفنان الذي لا يكتفي بالرسم أو التصميم، بل يُتقن تنفيذ عمله بنفسه.”

وأكد صقر أن الدراسة في البرنامج مجانية بالكامل، مضيفًا، “هذه ميزة لا تتوافر في برامج أخرى، إذ يوفر البرنامج جميع الخامات اللازمة للدارسين لتنفيذ مشاريعهم وأعمالهم خلال الدراسة، وكذلك مشروعات التخرّج التي تُعرض سنويًا في معرض عام. كما ينظّم البرنامج زيارات ميدانية لبعض البيوت التراثية للتعرف على طرازها المعماري، إضافة إلى تحمّل أجور المدرسين.”

أما عن آلية اختيار الطلاب، فيوضح هيثم هداية، مدير مركز الفسطاط للخزف الذي يستضيف الدارسين، أن هناك امتحانًا تحريريًا ومقابلة شخصية تُجرى لتقييم المهارات الفنية للمتقدّمين والاطلاع على نماذج من أعمالهم السابقة.

ويضيف هداية، “هدفنا تخريج مصممين منفّذين للفنون، عبر دراسة مهارات متعددة مثل الرسم المنظوري، والرسم الحر، والدراسات اللونية، إلى جانب التدريب العملي على الجبس، الزجاج المعشّق، الخزف، الخشب بالقشرة، وأعمال المعادن وتقنياتها المختلفة، بما في ذلك تفريغ النحاس.”

وتملك مي القراقاصي تجربة مختلفة مع “بيت جميل”، إذ كانت تعمل بمركز الفسطاط للخزف، وحين لمست جدّية التجربة قررت الالتحاق بالدراسة. وبعد التخرّج، انضمّت إلى فريق التدريس في البرنامج. وتقول: “درست في كلية الفنون التطبيقية، وكنت أجيد الرسم، لكن ما تعلّمته في بيت جميل ساعدني على التفكير التحليلي، وأصبح لدي وعي بصياغة العمل الفني ومنطقه.”

وقد تخرّج في “بيت جميل” منذ انطلاقه أكثر من 200 طالب وطالبة، ويُنظَّم في نهاية كل عام معرض سنوي لعرض أعمال المتدرّبين وبيعها، دعمًا لمسيرتهم المهنية وتعزيزًا للبعد الإنتاجي والتجاري للحرف التقليدية.

تجدر الإشارة إلى أن مؤسسة “مجتمع جميل”، التي أسّستها عائلة جميل السعودية عام 2003، تسعى إلى دعم المجتمعات حول العالم من خلال مبادرات متعددة في مجالات الثقافة، التعليم، والتنمية المستدامة.

18