بوتين يفوز بمقعد في مجلس إدارة العالم

الخميس 2016/03/17
الرابح الأكبر

موسكو- أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن ما حققه من نجاح عسكري في سوريا كان دافعه لتقليص حجم قواته على الأراضي السورية. لكن الأرجح أن ما دفعه لأخذ هذه الخطوة هو اعتقاده أن التدخل العسكري ضمن له مقعدا على مائدة الكبار في إدارة الشؤون العالمية.

كانت العملية التي بدأت روسيا بتنفيذها في سوريا في 30 سبتمبر من العام الماضي منطقية للكرملين من الناحية العسكرية والدبلوماسية بل وعلى صعيد السياسة الداخلية إذ كان الكرملين يحرص على دعم أقرب حلفائه في منطقة الشرق الأوسط وحماية قاعدته البحرية الوحيدة في البحر المتوسط.

وقد تم تحقيق هذين الهدفين إلى حد بعيد، غير أن تحليلا لتعليقات الرئيس الروسي وغيره من المسؤولين وكذلك محادثات مع شخصيات مطلعة على أسلوبه في التفكير كل ذلك يشير إلى أن هدفه الأساسي كان جعل روسيا طرفا لا يمكن الاستغناء عنه في عملية السلام السورية حتى يمكنها استعادة قدر من المكانة الدولية التي كان الاتحاد السوفييتي يتمتع بها.

وقال الكسندر باونوف، الباحث بمركز كارنيغي موسكو “روسيا عادت إلى مجلس الإدارة العالمي… إلى المائدة التي تقرر عليها القوى العالمية والإقليمية مصير صراعات الآخرين ومن الواضح أن روسيا ليست طرفا محليا بل عالميا“.

وقد اشتهر عن بوتين غموضه واستحالة التنبؤ بتصرفاته ولم يكن قراره خفض الوجود العسكري الروسي في سوريا استثناء من ذلك. وهو لا يضع ثقته سوى في زمرة صغيرة من الشخصيات المقربة منه وقد جاء التحرك الأخير مفاجأة كاملة لكثيرين في الكرملين ووزارة الدفاع. وقال مصدر بصناعة الدفاع لوكالة رويترز مشترطا عدم نشر اسمه بسبب حساسية المسألة “أمضيت اليوم كله في وزارة الدفاع ولم نسمع أي شيء“.

ورددت وسائل الدعاية التابعة للدولة عبارة “إنجاز المهمة” في تقليد متعمد للعبارة التي كتبت على سفينة حربية أمريكية عام 2003 عندما أعلن الرئيس جورج دبليو بوش نهاية العمليات القتالية الرئيسية في العراق. ويقول البعض إن المهمة الحقيقية كانت منح روسيا نفوذا على ساحة الشؤون العالمية.

ففي غضون ستة أشهر تحولت روسيا من دولة منبوذة في الغرب بسبب ضم شبه جزيرة القرم ودعم المتمردين المؤيدين للكرملين في شرق أوكرانيا إلى شريك يتجه إليه الكل في ما يتعلق بسوريا.

وبعد أن كان قادة الغرب يترفعون عن التعامل مع روسيا أصبحت موسكو الآن طرفا معتادا للتحاور عند واشنطن وقادة الاتحاد الأوروبي. وقال نيكولاي بتروف، الخبير السياسي بكلية الاقتصاد العليا في موسكو “بوتين حصل على كل الفوائد السياسية. ومن الأفضل الانسحاب قبل أن تزيد التكاليف وقبل أن يقع أي حادث وقبل أن تصبح المخاطر أكبر من اللازم“. وتقدر رويترز إن العملية التي استمرت خمسة أشهر كلفت الكرملين ما بين 700 مليون و800 مليون دولار. وكان الثمن من العنصر البشري أكبر.

وتمثل إعادة تأكيد صوت روسيا على الساحة العالمية أمرا يحظى بأهمية كبيرة لبوتين الذي شغل على مدار الخمسة عشر عاما الماضية منصبي الرئيس ورئيس الوزراء ومن المعتقد أنه يولي أهمية خاصة لما سيذكره التاريخ عنه وفي الوقت نفسه لا يبدي أي بادرة على الرغبة في الرحيل عن الكرملين.

ويسعى بوتين منذ مدة طويلة إلى تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأطراف تعمل فيه قوى أخرى كثقل مواز للنفوذ الأميركي.

ويعتقد بعض المحللين أن قرار خفض حجم القوات الروسية في سوريا أملاه ضعف وإدراك أن روسيا لا يمكنها إبرام اتفاق مع الغرب بشأن سوريا لرفع العقوبات عليها. ولم يبد بوتين ما يشير إلى أنه يكن إعجابا خاصا بالزعيم السوري لكنه لا يرى فائدة تذكر في إبداله بشخص ربما يتضح في ما بعد أنه أسوأ ولا يؤمن بأن سوريا مستعدة للديمقراطية على النمط الغربي.

وعلى أي حال فقد وقى بوتين نفسه من الخسارة. فبوسعه إذا ما شعر بأن الخطر يحدق بالنفوذ العالمي الذي اكتسبه في الآونة الأخيرة أو بالأسد أن يستخدم القاعدتين العسكريتين اللتين تركهما في سوريا لتوسيع الوجود العسكري الروسي على وجه السرعة. كذلك حمى استراتيجيته في ما يتعلق بالعلاقات العامة.

وقال باونوف من مركز كارنيجي “إذا تحول وقف إطلاق النار إلى سلام طويل الأمد فسيعتبر هو المنتصر تلقائيا. لكن إذا تفجرت الحرب من جديد بوسعه دائما أن يقول؛ ‘أترون. عندما كنا هناك كان الجميع يحاول التوصل إلى السلام لكن بعد رحيلنا تفجرت الحرب'”.

6