بوتين أمام خيارات قليلة وخطيرة في حربه على أوكرانيا

الخلافات الداخلية تزيد الضغوط على الرئيس الروسي في اختياره الخطوة القادمة.
الخميس 2022/09/22
لا أملك خيارات كثيرة

انقلبت مجريات الحرب في أوكرانيا لصالح كييف، وخسرت موسكو أراضي وآلاف المقاتلين، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اضطر إلى الدعوة للتعبئة الجزئية، لاستكمال حرب الاستنزاف التي يخوضها، في حين يؤكد محللون أن خياراته باتت قليلة وخطيرة على روسيا أولا.

نيويورك - يمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأسوأ أسابيعه منذ سنوات عديدة. فقواته المحاربة في أوكرانيا منيت بهزيمة إستراتيجية بعد نجاح الهجوم الأوكراني المضاد في توجيه ضربة قوية لطموحات الكرملين في شرق أوكرانيا.

وفي قمة منظمة شنغهاي للأمن بأوزباكستان تحول اللقاء الذي حضره بوتين بالكثير من الآمال، نظرا لتشابه القادة المشاركين، إلى خيبة أمل كبيرة بعد أن تجاهلته الصين وانتقدته الهند.

وفي الوقت نفسه تجدد الصراع بين دول الجوار الروسي التي تعتبرها موسكو نفسها ضامنا لأمنها واستقرارها، حيث تجدد القتال بين أرمينيا وأذربيجان ووقعت اشتباكات حدودية بين طاجيكستان وقيرغيزستان.

وتقول الكاتبة كلارا فيريرا ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن بوتين يواجه ضغوطا داخلية من مختلف الجهات. ويوم الأحد خرجت المغنية الروسية الشهيرة آلا بوجاتشيفا لتنتقد "الأهداف الوهمية" للحرب في أوكرانيا والتي جعلت روسيا "دولة منبوذة" مما يؤثر بشكل كبير على "حياة مواطنيها".

في الجانب الآخر ينتقد القوميون الروس بشدة القيادة العسكرية التي لا تتسم بالكفاءة مما دفع المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إلى التهديد بتغريم من ينتقد أداء المؤسسة العسكرية الروسية، وقال إن "الخط الفاصل دقيق جدا. وعلى المرء أن يتحلى بالحرص الشديد".

يوفال فيبر: جماهير الوسط التي يعتمد عليها الكرملين هي أخطر ما يهدده

ومع ذلك من الصعب تجنب واقع الحملة العسكرية المفككة في أوكرانيا، مع تصاعد الدعوات للتعبئة الوطنية من أجل علاج هذه المخاوف بشكل جذري.

وفي الأسبوع الماضي قال بوتين إنه "لا مبرر للعجلة" في أوكرانيا، مفترضا قدرة النظام الروسي على الصمود أمام "الحزب الغربي"، ولن يكون هناك تغيير في الخطط الروسية. لكنه قال أيضا إن روسيا “لا تستخدم كامل قوتها في القتال".

والأربعاء أعلن بوتين في خطاب موجه إلى الأمة التعبئة الجزئية للجيش، وذكرت قناة “أر تي” الروسية أن وزارة الدفاع أوصت باستدعاء جنود الاحتياط للخدمة الفعلية، حيث هناك مواجهة ممتدة ضد أوكرانيا. وقال بوتين إن التعبئة الجزئية للجيش في روسيا أمر منطقي وضروري في ظل الظروف الحالية، مضيفا أنه وقّع أمرا ببدء التعبئة.

وسرعان ما انتقدت وزيرة الدفاع الألمانية كريسيتنه لامبرشت بشدة قرار القيادة الروسية الذي يقضي بالتعبئة الجزئية لجنود الاحتياط، معتبرة أن قرار الرئيس الروسي "علامة على الضعف العسكري والسياسي، بالضبط مثل الاستفتاءات الزائفة التي جرى الإعلان عنها في المناطق المحتلة".

ورأت أن بوتين لا يحاول تدمير أوكرانيا فحسب بل إنه يدمر بلاده أيضا، وقالت إنه “يرسل مجددا بشكل وحشي ومنعدم الضمير الآلاف من الشباب إلى موت لا معنى له في حرب وحشية وإجرامية".

وسبق أن حذرت صحيفة التايمز البريطانية من "رد الفعل العنيف للرئيس الروسي"، مشيرة إلى تعرضه "لانتقادات داخلية حتى من المقربين إليه والداعمين لخططه".

ويرى الكثير من الروس أن الأهداف الكبيرة التي حددها بوتين لحملته في أوكرانيا، مشكلة. وهؤلاء يقولون إن بوتين لن يستطيع تحقيق أهدافه بإستراتيجيته الحالية؛ فالتعبئة العامة يمكن أن توفر موارد إضافية وتوسع القوة البشرية، ولكنها في الوقت نفسه تمثل خطرا كبيرا على الرئيس بوتين ونظام حكمه الذي يرفض تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.

 وخرجت الخلافات الروسية - الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا إلى ساحة الجدل العام. وخرج عضو البرلمان السابق بوريس نادشين في برنامج تلفزيوني يقول إنه من المستحيل "هَزْم أوكرانيا بالموارد الحالية وبطريقة الحرب الاستعمارية والاعتماد على الجنود المتعاقدين والمرتزقة ودون تعبئة عامة.. علينا إما التعبئة العامة وشن حرب شاملة أو الانسحاب منها".

الكثير من الروس أن الأهداف الكبيرة التي حددها بوتين لحملته في أوكرانيا، مشكلة. وهؤلاء يقولون إن بوتين لن يستطيع تحقيق أهدافه بإستراتيجيته الحالية
◙ الكثير من الروس أن الأهداف الكبيرة التي حددها بوتين لحملته في أوكرانيا، مشكلة وأنه لن يستطيع تحقيق أهدافه بإستراتيجيته الحالية

وعندما اقترح الدخول في محادثات سلام منعه صراخ المشاركين في البرنامج التلفزيوني. وبعد ذلك بأيام دعا جينادي زيجانوف، رئيس الحزب الشيوعي والمعارض الشرس للكرملين، إلى “التعبئة القصوى" وأصبح أكبر شخصية تدعو إلى توسيع نطاق الحرب.

وقال أمام مجلس النواب في الأسبوع الماضي “الحرب شيء لا تستطيع أن تنهيه حتى لو أردت ذلك.. عليك القتال حتى النهاية". ولكن هذا الخيار لا يستطيع بوتين الإقدام عليه حتى الآن.

وتوضح المحللة كلارا فيريرا ماركيز أن السبب الأول في ذلك هو أن الدعوة إلى التعبئة العامة تعني اعتراف بوتين بالفشل في أوكرانيا، وأن عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا أصبحت حربا شاملة بعد سبعة أشهر من بدايتها.

كلارا ماركيز: بوتين يواجه ضغوطا داخلية وخياراته في الحرب محدودة

أما السبب الثاني فهو أن التعبئة تحتاج إلى تخلي الشعب عن سلبيته التي رسخها لديه الرئيس بوتين طوال سنوات حكمه؛ فالتعبئة تعني تحفيز الشعب على المشاركة في المعركة بعد تشجيعه طوال الفترة الماضية على تجاهل الحرب والتعامل معها باعتبارها عملية محدودة لا تستدعي اهتمامه.

وكان من المفترض أن تعتمد الحرب في أوكرانيا على متطوعين ومتعاقدين بالأجر لخوض هذه الحرب دون الحاجة إلى الدفع بعشرات الآلاف من الجنود الروس إليها، حتى لا يتذكر الرأي العام الحرب السوفييتية الكارثية في أفغانستان قبل أكثر من ثلاثين عاما. فأغلب سكان المدن الرئيسية الروسية يمكنهم دعم الحرب ما دامت لن تفرض عليهم شيئا.

ويقول يوفال فيبر، الأستاذ في كلية بوش للإدارة العامة بواشنطن، "إن هذه الجماهير التي تمثل الوسط هي أخطر ما يهدد الكرملين وليس اليمين القومي. هذه الجماهير هي التي ظل الكرملين يعتمد عليها منذ فترة طويلة، ظلت خلالها بعيدة عن الكثير من قضايا الحكم ومشاكله. لكن الآن عندما تجد نفسها مطالبة بإرسال أبنائها إلى الحرب قد يتغير موقفها من الحرب ومن نظام الحكم ككل".

وهناك مشكلة ثالثة تتعلق بالتعبئة العامة، وهي أنها تحدّ ضخم، وتحتاج إلى عمليات لوجيستية معقدة. فالاقتصاد الروسي لن يستوعب تكلفة فقدان مئات الآلاف من العمال المستدعين إلى الخدمة العسكرية، كما أن معارضة التجنيد الإجباري ستتزايد بعد عودة الجنود من جبهة القتال.

وحتى الآن لا تستطيع روسيا البقاء عالقة في حرب وجود بدأتها بعدد قليل من الرجال، فخسرتهم وخسرت الأسلحة بمعدل مذهل. ويقول المسؤولون الأميركيون "إن خسائر روسيا البشرية في أوكرانيا تصل إلى 80 ألف قتيل ومصاب".

ولكن الخطر الأكبر -وفق كلارا ماركيز- هو أن يضطر بوتين المأزوم إلى تصعيد القتال وتحويل المعركة إلى حرب شاملة، إثر تراجع الخيارات المتاحة أمامه.

7