بوتخيل.. حارس المياه في أقدم واحات المغرب

الفلاحون في واحة فجيج يحافظون على نمط الري التقليدي مما مكنهم من ضمان استمرار تدفق المياه من العيون المنتشرة.
السبت 2022/09/10
مزارعون متشبثون بأرضهم

فجيج (المغرب)- مع شروق شمس كل يوم يكون عبدالكريم بوتخيل قد فرغ من استعداداته لبدء الإشراف على عملية توزيع المياه في واحة فجيج جنوب شرق المغرب.

وبوتخيل واحد من فلاحين يجمعون بين العمل في حقول النخيل والإشراف على عملية تصريف وتقسيم المياه، ويُعرف هذا المزاوج بين العملين بـ”أصرايفي” في اللغة الأمازيغية المحلية.

ومنذ عقود لا يجد بوتخيل راحته سوى في التنقل بين موقع “إقوداس” وهو مكان التوزيع الرئيسي للمياه في الواحة، وقنوات جر المياه وصهاريج تجميعها والإشراف على سير عملية التوزيع بدقة متناهية.

ويحافظ المزارعون في أقدم واحات المغرب على التقنيات اليدوية الموروثة من الأجداد في الري وتلقيح الزهور وجني الفواكه، متسلقين جذوع النخل برشاقة لا يختل معها توازنهم.

◙ ري الواحة يعتمد بالأساس على مياه باطنية متدفقة من عيون تتغذى من فرشتين مائيتين هما شوت تيكري وتاملالت

ويعرب عبدالمجيد بودي الذي يتجول وسط بساتين خضراء عن فخره بزراعة هذه الأرض “المتوارثة أبا عن جد”، في شاهد على الأمجاد الغابرة لمنطقة شكّلت سابقاً محوراً رئيسياً للقوافل التجارية.

ويعيش هذا المزارع البالغ 62 عاما على بيع التمور التي ينتجها في حقلين وسط “قصر” زنادة، وهي التسمية التي تطلق على الأحياء السكنية المسيجة بأسوار عالية في الواحات المغربية، الواقعة في الغالب على السفوح الشرقية لجبال الأطلس عند تخوم الصحراء الكبرى.

ويقول بودي “ثقافتنا جد مرتبطة بالزراعة، الحياة في الواحة نمط عيش قائم بذاته”. ويتولى هذا المزارع أيضا مهام “الزرايفي”، وهي وظيفة حيوية في حياة الواحة تقوم على توزيع حصص الماء المخصص لسقي الحقول من خلال شبكة ريّ معدة بعناية موروثة عن الأجداد.

وحافظ سكان فجيج لمئات السنين على نمط الري التقليدي، مما مكنهم من ضمان استمرار تدفق المياه من العيون المنتشرة، رغم كل التحديات ولاسيما تغير دورة المناخ.

وبالنسبة إلى بوتخيل فإن الإشراف على توزيع المياه عملية دقيقة جدا تتوخى تحقيق أمرين، الأول ضمان العدالة بين الفلاحين، والثاني الحفاظ على الموارد المائية التي أدرك إنسان هذه البيئة منذ الوهلة الأولى أنها أغلى ما يملك.

وقبل الانشغال صباحا في عملية توزيع المياه يكون بتوخيل ليلا قد أنجز عملا مهما، وهو متابعة تدفق المياه عبر قنوات تمتد لعشرات الأميال إلى الصهريج الذي يشترك الفلاحون في الاستفادة من خدماته.

◙ فلاحون يجمعون بين العمل في حقول النخيل والإشراف على عملية تصريف وتقسيم المياه

ولا يحتّم الوضع على بوتخيل التواجد بشكل دائم أمام الصهريج لضمان السير العادي للتوزيع، فعمله الثاني كفلاح لا يسمح له بذلك أصلا.

وقال الرجل لمراسل الأناضول، إنه سواء كان موجودا أم لا، فإن الفلاح الذي يحين دوره لري نخيله يفتح القنوات في اتجاه حقله.

وأوضح أن لكل فلاح حصة حسب ما يملك من حقوق استغلال ويعبر عن هذه الحقوق بوحدة قياس فريدة تسمى “الخروبة” التي توازي حوالي 11 دقيقة من المياه المتدفقة من الصهريج.

وقبل أن يفسح الفلاح المجال للمياه كي تتدفق نحو حقله، عليه أن يقيس كمية المياه في الصهريج، ووحدة القياس هذه المرة عصا من جريد النخل يغرسها في مياه الصهريج حتى تبلغ قعره.

ويضع الفلاح علامة في المكان الذي بلغه سطح المياه على العصا، وبعدها يُفسح المجال لتدفق المياه في احترام تام لحصته.

ويشكو الفلاحون في واحات جنوب شرق المغرب من الجفاف وشح المياه، ولهذا يحرص الفلاحون في واحة فجيج على ضمان استمرار تدفق المياه.

فهذا الحرص يتجلى في أن أصحاب الحصص الصغيرة من فئة ربع خروبة أو نصفها، يختارون جمع حصصهم لتبلغ مقدار خروبة أو أكثر، لري حقولهم معا حتى لا تضيع حصتهم الضئيلة بين ثنايا القنوات.

وأكد بوتخيل أن ضمان توفر المياه والحفاظ عليها مهمة صارمة يحكمها العُرف المحلي، فالفلاح صادق وحريص على الاستفادة بحصته فقط و”أصرايفي” نبيه يقوم بمهامه كما ينبغي.

◙ المزارعون في الواحة يحافظون على التقنيات اليدوية الموروثة من الأجداد في الري و تلقيح الزهور وجني التمور

و”أصرايفي” هو عمود نظام الري في الواحه، لذا يخصه الفلاحون بأجرة من أغلى ما يملكون، وهو نصيب من المياه له أن يبيعه إلى أصحاب حصص صغيرة أو يضيفه إلى حصته ليزيد من ريّ محاصيله.

والوعي بالتحديات التي يطرحها تغير المناخ، دفع بوتخيل وزملاءه من المشرفين على توزيع المياه إلى العمل وفق شعار “لا إسراف في الماء حتى في زمن الوفرة”.

ويعتمد ري الواحة بالأساس على مياه باطنية متدفقة من عيون تتغذى من فرشتين مائيتين هما شوت تيكري وتاملالت، وتبلغ مساحة كل منهما نحو 1200 كيلومتر مربع، حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط (حكومية).

وبالرغم من توافر هذا المخزون المائي، إلا أن طريقة الري بالحصص فعالة وتضمن استمرار هذه الموارد المائية للأجيال القادمة.

وتوارث الفلاحون في واحة فجيج نظام الري التقليدي هذا أبا عن جد، مما ضمن استقرارهم واستمرارهم في الزراعة. لكنهم قلقون بسبب ظهور مساحات زراعية، خاصة في الأطراف الغربية للواحة، حيث أدى الضخ من الفرشة المائية الثانية إلى موجة من الملوحة.

18