بوادر تغيير في إستراتيجية تركيا تجاه الأكراد

إسطنبول - يرى محللون أن الإشارات التي تشير إلى اهتمام أنقرة بالمصالحة المحتملة مع حزب العمال الكردستاني قد تؤدي إلى إنهاء صراع دام عقودًا من الزمان وقد تكون لها آثار متتالية في جميع أنحاء المنطقة، على الرغم من بقاء العديد من العقبات.
وفي الحادي عشر من نوفمبر أيد رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش، من حزب العدالة والتنمية الحاكم، اقتراحًا قدمه في أكتوبر دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، لمعالجة التوترات طويلة الأمد بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة مسلحة يسارية تأسست في ثمانينات القرن العشرين وظهرت ردًا على حظر تركيا للهوية واللغة الكردية.
قبل عدة أسابيع، اقترح بهجلي إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور عبدالله أوجلان من حكمه بالسجن مدى الحياة مقابل الإعلان عن نهاية تمرد المجموعة، ويمكن أيضًا السماح له بالتحدث في البرلمان التركي.
وفي بيانه، أكد كورتولموش أن المكان “الذي يجب أن تجري فيه كل هذه المفاوضات هو الجمعية الوطنية الكبرى التركية، مقر الإرادة الوطنية. وآمل أن ندخل فترة لا يُناقش فيها الإرهاب بعد الآن، حيث تم القضاء على الإرهاب.”
وأبرز بيان كورتولموش أنه قد يكون هناك دعم حكومي أوسع للعملية التي حددها في البداية رئيس حزب الحركة القومية بهجلي.
بهجلي اقترح إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني المحظور عبدالله أوجلان من حكمه بالسجن مدى الحياة مقابل الإعلان عن نهاية تمرد المجموعة
وخلال إعلانه الأولي، صافح بهجلي أيضًا حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد، بينما عارض في الماضي مرارًا وتكرارًا عملية السلام بين حزب العمال الكردستاني والدولة.
وبعد خطاب بهجلي، سُمح لعائلة أوجلان بزيارته لأول مرة منذ مارس 2020، وأشار أوجلان إلى أنه مستعد للعب دور لإيجاد حل. ومع ذلك، بعد فترة وجيزة، تم فرض حظر جديد على زيارة أوجلان لمدة ثلاثة أشهر.
ومع ذلك، فإن اقتراح بهجلي – لاسيما أنه جاء من حزب الحركة القومية، الذي شكل تحالف الشعب مع حزب العدالة والتنمية في عام 2018 وكان لديه في الماضي دائمًا سياسة متشددة تجاه حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك الدعوة إلى إعدام أوجلان في عام 2007 – أدى إلى العديد من المناقشات في تركيا حول إمكانية حدوث عملية سلام جديدة.
وكان أردوغان (وحزب العمال الكردستاني) قد سعى إلى مثل هذه العملية خلال سنواته الأولى في منصبه، لكنها انهارت في عام 2015 وأسفرت عن قتال جديد بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني.
وأشار رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني في أكتوبر 2024 في مؤتمر ميري في أربيل إلى أن هذا من شأنه أن يمثل بداية عملية جديدة، مضيفًا أن تصريحات المسؤولين الحكوميين الأتراك واعدة.
والدوافع وراء المصالحة المحتملة متعددة. أوّلها وضع حد للعنف السياسي المتصاعد الذي ميز الصراع؛ فمنذ 20 يوليو 2015 قُتل 7119 شخصاً في اشتباكات أو هجمات في تركيا وشمال العراق، وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.
ويشمل هذا العدد 639 مدنياً و1491 من أفراد قوات الأمن التركية، و226 فرداً من انتماءات غير معروفة، و4763 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني.
اقتراح بهجلي أدى إلى العديد من المناقشات في تركيا حول إمكانية حدوث عملية سلام جديدة
ومع ذلك، قد يكون الدافع الثاني وراء المصالحة هو الاعتبارات السياسية أيضًا؛ ففي الحادي عشر من نوفمبر، أشار الرئيس أردوغان لأول مرة إلى أنه منفتح على الترشح لولاية أخرى في الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في البلاد في السابع من مايو 2028 “إذا أراد الجمهور ذلك.”
ولأن أردوغان غير مؤهل حاليًا للترشح لولاية أخرى بموجب القانون التركي، فإن ترشيحه في المستقبل يتطلب تعديلًا دستوريًا بأغلبية برلمانية تبلغ ثلاثة أخماس لطرح التعديل للاستفتاء أو أغلبية الثلثين للتصديق المباشر.
ويحتفظ الائتلاف الحالي لحزب العدالة والتنمية بـ321 مقعدًا، وبالتالي فإنه يحتاج إلى 39 صوتًا على الأقل من المعارضة لطرح تعديل دستوري للاستفتاء كما فعلوا في عام 2017 لتعزيز صلاحيات الرئيس.
ويعتقد عدد من المحللين أن بهجلي يحاول كسب الدعم الكردي لمثل هذا التحول الدستوري من خلال اقتراحه.
وقد يكون السبب الثالث هو إزالة نقطة توتر داخلية تخشى أنقرة أن تتفاقم بسبب عدم الاستقرار الإقليمي.
وعلى الرغم من الرسائل التصالحية التي أطلقتها أنقرة، لم تغير الحكومة التركية سياساتها تجاه حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد، الذي يشغل 57 مقعدًا من أصل 600 مقعد في البرلمان التركي.
لا يوجد إجماع حول كيفية الرد على المبادرات الأخيرة؛ فقد رد حزب العمال الكردستاني حتى الآن بشكل سلبي على الاقتراح
ولا يوجد إجماع حول كيفية الرد على المبادرات الأخيرة؛ فقد رد حزب العمال الكردستاني حتى الآن بشكل سلبي على الاقتراح.
ولم يأخذ جميل بايك، أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني، اقتراح بهجلي على محمل الجد حتى الآن، معتبرا أن الدولة التركية تحركها أزمة داخلية بسبب التطورات في الشرق الأوسط وليس اهتماماً جدياً بالمصالحة.
ويرى الباحث فلاديمير فان ويلجينبرج في تقرير نشره منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن إن نجاح عملية السلام التركية – الكردية قد يخفف من حدة التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية وهو ما يمنح واشنطن الفرصة لتعزيز العلاقات مع كل من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية دون رد فعل عنيف.
ونتيجة لذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تركز بشكل أكبر على جهود تحقيق الاستقرار في سوريا، وجهود مكافحة الإرهاب، وإدارة النفوذ الإيراني، مثل مناطق دير الزور.
وخلال عملية السلام السابقة، زار الزعيمان الكرديان السوريان صالح مسلم وإلهام أحمد أنقرة لإجراء مناقشات. كما يمكن أن يوقف التهديدات العسكرية التركية لشمال شرق سوريا، والتي قوضت عمليات قوات سوريا الديمقراطية ضد داعش.
كما يمكن أن يؤدي هذا التطور إلى تحسين العلاقات الاقتصادية والحدودية بين حكومة إقليم كردستان العراق والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يقودها الأكراد، والتي عارضتها تركيا حتى الآن.
كما أن عملية السلام الجديدة قد تعمل على تحسين الوضع الأمني في سنجار، حيث ضربت تركيا الجماعات الإيزيدية المحلية المدعومة من حزب العمال الكردستاني، وتسهل عودة الإيزيديين.
وعلاوة على ذلك، فإن عملية السلام قد تعزز جبهة المعارضة السورية – الكردية – التركية ضد الحكومة السورية في دمشق، والتي لم تكن حتى الآن منفتحة على التنازلات.
وفي الماضي، عارضت تركيا أيّ علاقات بين المعارضة السورية والفصائل المرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية. كما شجع الدعم الأميركي لقوات سوريا الديمقراطية أنقرة على تحسين العلاقات مع دمشق وطهران وموسكو بشأن سوريا، من خلال عملية أستانا ضد الأكراد، والوجود الأميركي، ولكن السلام الداخلي قد يعزز العلاقات الأميركية – التركية.