بوادر انفراجة بأزمة المياه في العراق مع تحسن إيرادات نهر الفرات

بغداد – يواجه العراق مصيرا كارثيا بسبب شح المياه، التي تراجعت كمياتها إلى مستوى ينذر باحتمال فقدان مياه الشرب، بسبب التغير المناخي وغياب الحلول الداخلية أو الاتفاقات الخارجية مع دول المنبع تركيا وإيران، حتى بات مهددا بفقدان صفته التي لازمته عبر التاريخ بـ"بلاد الرافدين".
وأعلنت وزارة الموارد المائية العراقية، اليوم الأحد، عن الاتفاق على ثبات الإيرادات المائية العابرة من تركيا بمعدل 500 متر مكعب في الثانية، مؤكدة أن الإيرادات المائية في نهر الفرات شهدت تحسنا ملحوظا، الأمر الذي يبشر بانفراجة قد تعيد الأمل للعراقيين.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية (واع) عن مدير عام الهيئة العامة لمشاريع الري والاستصلاح والمتحدث الرسمي باسم الوزارة خالد شمال قوله إن "العلاقات العراقية السورية في مجال إدارة المياه مستمرة ومنذ سنوات طويلة"، مبينا أن "هناك بروتوكولا موقعا بين البلدين، فيه اقتسام لمياه نهر الفرات بين العراق وسوريا".
وأضاف أن "هناك اتفاقا آخر (عراقي-تركي-سوري) يؤكد على ثبات الإيرادات المائية العابرة للحدود التركية السورية بمعدل 500 متر مكعب بالثانية"، لافتا إلى أنه "كانت هناك بعض الإشكاليات على سد تشرين حيث توجه كادر فني متخصص من سد الطبقة إلى سد تشرين وقام بالإجراءات المناسبة لضمان أمان السد".
وأشار المسؤول العراقي إلى أن "الإيرادات المائية في نهر الفرات شهدت تحسناً كبيراً، حيث تجاوزت 400 متر مكعب في الثانية"، موضحا أن "الوزارة تقوم بتخزين هذه المياه في سد حديثة وعمود النهر لتأمين احتياجات محافظات الفرات الأوسط".
وسد حديثة هو واحد من أكبر السدود في العالم، وقد وفر ثلث حمولة شبكة الكهرباء في العراق في عام 2003. يقع السد في شمال غرب بغداد وتم بناؤه خلال الحرب الباردة لتوفير الطاقة الكهرومائية لوسط العراق، بما في ذلك بغداد.
ولم يفلح العراق منذ منتصف القرن الماضي بوضع حلول نهائية لأزمة متكررة باتت ورقة ضغط بيد دول المنبع تركيا وإيران، لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من خلال التحكم بشكل مطلق بتدفق مياه نهري دجلة والفرات.
ويبدو أن الحكومات العراقية على مدى قرن مضى فشلت في توقيع اتفاق ملزم مع الجارتين يضمن حقوق بلاد ما بين النهرين بشكل دائم.
ولوح العراق، في 24 ديسمبر 2024، بتدويل قضية أزمة المياه مع تركيا عبر المحاكم الدولية.
وما تزال الأمطار في العراق دون المستوى، رغم قرب انتهاء فصل الشتاء الذي من المفترض تساقط أمطار غزيرة فيه، وهو ما يهدد الموسم الزراعي في العراق، في ظل الخزين المائي المنخفض بشكل كبير واستمرار تناقص حصة البلاد المائية العادلة من دول الجوار.
وعادة ما تبدأ الحالة المطرية في العراق، من شهر نوفمبر وتكون خفيفة إلى متوسطة الشدة، وتزداد شدتها في شهر ديسمبر، لكن في الموسم الماضي تأخرت الأمطار الغزيرة إلى شهر فبراير.
ويفقد العراق 100 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية سنوياً نتيجة التصحُّر ويخلُص تقرير، صدر عن وزارة الموارد المائية العراقية، إلى أن موجات الجفاف الشديد المتوقعة حتى سنة 2025 ستؤدي إلى جفاف نهر الفرات بشكل كامل في قطاعه الجنوبي، بينما سيتحوَّل نهر دجلة إلى مجرى مائي بموارد محدودة.
ويثير مرور شتاء جاف على العراق قلق ومخاوف الكثير من المراقبين، ويعد الشتاء الجاف حالة مناخية معروفة ولطالما عانى منها العراق في سنوات سابقة لكنها هذه المرة تأتي وسط ظروف مائية صعبة تهدد الموسم الزراعي.
وكان زعيم تحالف مستقبل العراق باقر جبر الزبيدي، قد حذر في 18 ديسمبر الماضي، من مؤشرات موسم الشتاء الحالي وانعكاساتها على السنوات الخمس القادمة، مبينا أن هذه الأزمة ستفرض على المزارعين في العراق اللجوء إلى الري بالتنقيط وتبطين الأنهر للمحافظة على نسبة المياه المهدورة أثناء السقي أو الري، فيما دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن زيادة الحصص المائية للعراق من قبل دول المنابع والاستعانة بكل الطرق الدبلوماسية وأوراق الضغط الاقتصادية من أجل زيادة حصتنا من المياه.
وكانت عضو لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية ابتسام الهلالي أكدت، في 16 ديسمبر الماضي، أن تركيا لم تلتزم بجميع الاتفاقات وكذلك المعاهدات التي وقعت بشأن إعطاء حصة العراق العادلة من المياه، داعية الحكومة إلى اتخاذ خطوات عاجلة مع الجانب التركي لاستحصال حقوق العراق المائية.
ويبلغ إجمالي معدل الاستهلاك لكافة الاحتياجات في العراق نحو 53 مليار متر مكعب سنويا، بينما تقدر كمية مياه الأنهار في المواسم الجيدة بنحو 77 مليار متر مكعب، وفي مواسم الجفاف نحو 44 مليار متر مكعب، وإن نقص واحد مليار متر مكعب من حصة العراق المائية يعني خروج 260 ألف دونم من الأراضي الزراعية من حيز الإنتاج.
ووفقا لتوقعات "مؤشر الإجهاد المائي" فإن العراق سيكون أرضا بلا أنهار بحلول عام 2040، ولن يصل النهران العظيمان إلى المصب النهائي في الخليج العربي، وتضيف الدراسة أنه في عام 2025 ستكون ملامح الجفاف الشديد واضحة جدا في عموم البلاد مع جفاف شبه كلي لنهر الفرات باتجاه الجنوب، وتحول نهر دجلة إلى مجرى مائي محدود الموارد.
وأدى ارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى انخفاض كبير في هطول الأمطار السنوي، والذي يبلغ حاليا 30 في المئة، ومن المتوقع أن يصل هذا الانخفاض إلى 65 في المئة بحلول عام 2050.
ويرى مختصون أن العراق مقبل على كارثة بيئية إذا استمر الوضع على ما هو عليه الآن، وهذا سيكون بمثابة كارثة إنسانية لبلاد ما بين النهرين، وبالتالي هجرة الريف إلى المدينة في ظل عدم نجاح الحلول الحالية، ويشيرون إلى أنه من الأفضل للسلطات العراقية التوجه إلى إستراتيجية وطنية جديدة، تعمل على ترشيد استخدام المياه، ورسم سياسة ري جديدة للأراضي الزراعية، وتحديد حصص المحافظات، والعمل بجدية على وقف التجاوزات الموجودة في بعضها.
وفي مارس الماضي، قال رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، في تصريحات صحافية إن "سبعة ملايين عراقي تضرروا بسبب التغير المناخي، يرافق ذلك احتكار دول المنبع المياه العذبة، حيث حجبت السدود الكبرى التي أنشأتها الدولتان (تركيا وإيران) نحو 70 بالمئة من حصة العراق المائية"، وبالإضافة لذلك فقد أسفرت هذه الأزمة عن حلول العراق بين أكثر خمس دول تأثرا بتغير المناخ في العالم.
ويشتكي العراق منذ سنوات من السياسات المائية غير العادلة التي تنتهجها تركيا، عبر بناء العديد من السدود على نهر دجلة ما تسبب بتراجع حصصه المائية، وأيضا إيران، من خلال تحريف مسار أكثر من 30 نهرا داخل أراضيها للحيلولة دون وصولها إلى الأراضي العراقية، بالإضافة إلى ذلك، فاقمت مشكلة الجفاف وقلة الأمطار خلال السنوات الأربع الأخيرة من أوضاع البلاد البيئية والزراعية.
وانخفض الحجم الإجمالي للمياه الواردة من دجلة والفرات بشكل ملحوظ من 93.47 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى 49.59 مليار متر مكعب في عام 2020، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى تصرفات دول المنبع.
ومع حلول كل فصل صيف تضرب الأهوار والأراضي الزراعية أزمة مائية تؤدي إلى انحسار مساحات كبيرة في الأهوار وتقليص الخطط الزراعية بسبب شح المياه الواصلة إلى البلاد من دول المنبع، وأحيانا تبلغ الأزمة ذروتها في بعض المحافظات وتؤثر سلبا على تغذية محطات مياه الشرب بالكميات الكافية لانخفاض مناسيب الأنهار المغذية لها وتحولها إلى ضحلة يعصب تنقيتها.