بوادر الصحوة المضادة تعلن بداية زوال تنظيم داعش الإرهابي

كان جان بول سارتر يقول حول موضوع الانتحار “عندما أقتل نفسا أخرى، فإن روحا واحدة فقط ستصرخ، إلا أنني حين أقتل نفسي، فإن جميع الأرواح سوف تصرخ”. فقد وظف تنظيم داعش موضوع الانتحار لتفجير صدمة داخل الوعي والدين الإسلامي.
هناك تغير في مزاج العالم، وهذا ما يحدث بسبب عامل الوقت كما يقول المثل السوري “راحت السكرة وجاءت الفكرة”، ولا يريد العالم تفسيرا للدين قائما على التكفير والذبح. إن تدريب الأطفال على ذبح الأسرى بالسكين أمر لا يتفق ومزاج الإنسان السوي. نحن في القرن الحادي والعشرين نعيش ما بعد اكتشاف علم النفس وفلسفة المعرفة الحديثة. لا نستطيع تسليم عقولنا للخطب العصماء، باختصار انتهت الصدمة وبدأ ذلك الإحساس العميق بأننا نعيش مرحلة غير صحية وعسرا حضاريا. إن التطرّف في النهاية مجرد مغص في معدة الدين.
لقد انهارت أهم الدول العربية كسوريا والعراق وليبيا، أما مصر فتقول علنا بأنها تريد أن تطعم شعبها بسلام “مش عايزين مشاكل احنه عايزين ناكل” ولم يبق غير دول الخليج خصوصا المملكة العربية السعودية التي أصبح الحمل العربي كله عليها. كيف تحسم السعودية ملف الإرهاب والعلاقة مع إيران بوقت واحد؟
الصدمة انتهت وبدأ الإحساس العميق بأننا نعيش مرحلة غير صحية وعسرا حضاريا في التاريخ الديني العالمي
كثيرون في السعودية يقولون الإرهاب أولا، فهو يضرب في اليمن ومصر وليبيا وتونس وأفريقيا السوداء وأوروبا والخليج، وله مركز جغرافي متمثل بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ماذا يمكن للخليج أن يصنع لإيران سوى السياسة؟ الخطر الذي يهدد الخليجيين حقا هو الإرهاب والتطرف الديني. فدول الخليج وصلت مرحلة امتلاك شركات طيران تنافس الشركات العالمية، وعندها تجارة وسياحة متطورة. شيء طبيعي أن يقلق المواطن الخليجي من الإرهاب وانتشاره.
إن فكرة استثمار الإرهاب لضرب إيران لا تلقى ترحيبا عند الخليجيين، فهي مغامرة قد تؤدي إلى مخاطر كبيرة. ثم إن الإرهاب لا يخفي استهدافه للخليج، أي أنه لا يفكر في إيران بأكثر ممّا يفكر بضرب الخليج. في ظروف كهذه يجب أن نعترف بالواقع وألاّ نساهم في إيهام الناس. عدد كبير من السنة لا يريدون تطرفا دينيا. لا يريدون العيش في دولة تتحدى المنطق والاختلاف والتعايش. صديق فرنسي يقول كيف نتعامل مع أناس لا يتقبلون الآخرين “إنهم يريدون قتلي مثلا، لمجرد كوني رجلا فرنسيا كافرا” هذه مشكلة حقا.
لن يحقق السنة شيئا في العراق لا بإقليم ولا بغير إقليم دون حل المشاكل العالقة في تاريخ العراق القريب والاعتراف بوجود مشكلة. لقد كانت الكويت آخر فتوحاتنا، ذلك “الفتح الكويتي” الذي بسببه بعنا شبابيك بيوتنا لنطعم أولادنا في الحصار، وكانت القادسية آخر انتصاراتنا، ذلك النصر على يد قائد باع شط العرب للشاه عام 1975 ليتمكن من الأكراد وتمرّدهم الداخلي باتفاقية الجزائر، ذات القائد ألغى اتفاقية الجزائر وأعلن الحرب على إيران بعد خمس سنوات حين سقط الشاه وجاء الخميني.
فكرة استثمار الإرهاب لضرب إيران لا تلقى ترحيبا عند الخليجيين، فهي مغامرة قد تؤدي إلى مخاطر كبيرة
إن مشكلتنا داخلية، فالجانب العقلاني العربي صديق للعالم المتحضر والجانب الذي يريد الإرهاب وإعلان الحرب على العالم في السجون أو في حالة تخف ولعبة أقنعة. ما علاقة إيران وإسرائيل وأميركا بمشكلة هي في الأساس عقلية؟ وللأمانة نحن نرى المملكة العربية السعودية تكافح ضد التوسع الإيراني، وتعمل على رحيل الأسد وإيجاد حل عادل للمسألة السورية، إلا أن الإرهاب لا يمكن أن يكون خيارا في أي معادلة. لا مفر من تحرير عقولنا بالتواضع، نحن لسنا أصحاب رسالة، ولا أحد ينتظر منا شيئا. هنا يكمن أول لقاء فكري بين تنظيم داعش والبعث، فكلاهما يؤمن بأنه حامل لرسالة خالدة ينشرها بقوة السلاح والحروب.
هؤلاء السوريون الذين وصلوا مدينة أوتاوا قبل أيام واستقبلتهم الحكومة الكندية بأغنية “طلع البدر علينا” سيتم عرضهم على باحثين اجتماعيين وأطباء نفسيين، ثم يتم زجهم بالمدارس والتعليم قبل سوق العمل. وخلال سنوات ربما تكتشف الزوجات مقدار قمع الرجال لهن، وربما يتم طرد نصف الأزواج من المنزل بسبب سوء المعاملة، ورغم كل شيء لن يجوع ولن يعرى ولن يهان أحد. الأطفال سيكبرون ويتعلمون ويصبحون كائنات عقلانية متفهمة للتنوع البشري، سيفهم السوري الذي نشأ بكندا بأنه ليس صاحب رسالة، بل مجرد إنسان بحاجة إلى مساعدة وإلى تعليم. نحن جميعا بحاجة إلى مساعدة فمشكلتنا بالعقل، هذه المشكلة تتحول إلى بيئة حاضنة للعنف والتطرف والانتحار.