بمن يلوذ المرضى في موصل بلا مستشفيات

رغم مرور أربع سنوات على نهاية الحرب في الموصل مازال المرضى العراقيون هناك يعانون من نقص المستشفيات التي تشهد اكتظاظا ونقصا في الخدمات والإطارات، إضافة إلى غلاء الأدوية التي تثقل كاهل هؤلاء الذين لا يملكون مالا للتداوي في العيادات الخاصة.
الموصل (العراق) – تعرّض عامر لحادث دراجة نارية بسيط، لكن العملية الجراحية الأولى التي خضع لها في الموصل فشلت، فاضطر بعدها للخضوع إلى أربع عمليات أخرى في مستشفى تابع لمنظمة غير حكومية، في قصة تعكس إخفاقات القطاع الطبي في المدينة العراقية التي مزقتها الحرب.
ويواجه القطاع الصحي في الموصل بطئا في إعادة الإعمار، في بلد تعاني مؤسساته وبنيته التحتية الصحية من التصدّع منذ عقود. وبعد أربع سنوات من استعادة السيطرة عليها وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، تبقى شوارع المدينة الكبيرة في شمال العراق مليئة بهياكل المباني شبه المدمّرة أو تلك التي قيد الإعمار.
وفيما هناك خمسة مستشفيات حاليا قيد الإنشاء أو الترميم، توجد فقط تسع مؤسسات حكومية صحية عاملة في مدينة يبلغ عدد سكانها 1.5 مليون نسمة.
أربع سنوات على نهاية الحرب في الموصل والقطاع الصحي لا يزال يعاني
ويروي عامر شاكر قصة علاجه قائلا “في المستشفيات الحكومية، علينا أن ندفع كل شيء”. ويضيف “بعد دخولي أحد المستشفيات، رحت أدفع لقاء العلاجات والمخدر والضمامات… كله من جيبنا”.
ويتلقى عامر، وهو عامل مياوم، منذ سبعة أشهر علاجا مجانيا في مستشفى الوحدة الذي افتتحته منظمة “أطباء بلا حدود” غير الحكومية في العام 2018.
وكانت الجراحة الأولى التي خضع لها في المدينة زادت حالته سوءا، بدل أن تعالج الكسور الثلاثة في ساقه، على الرغم من أنّ الأمر كلّفه نحو ثمانية آلاف دولار.
ويقول الشاب البالغ من العمر 21 عاما والذي يتحرّك بمساعدة عكازات “وضع لي الطبيب الأول قطعة من البلاتين، لكن العملية لم تكن ناجحة. حاولت أن أراجع طبيبا آخر، لكنني لم أجد طبيبا جيدا”.
ووضع له أطبّاء من منظمة “أطباء بلا حدود” مثبّتا خارجيا على ساقه اليسرى، وهي أداة توضع خارج الجسم لتثبيت العظام عن طريق أسلاك ومسامير، ويصعب جدا إيجادها في مكان آخر في الموصل، بحسب عامر.
وسيخضع شاكر في الأسابيع المقبلة لجراحة سادسة لقصّ 13 سنتم من عظم الساق.
وعلى طول ممرات مستشفى الوحدة، أقيمت منشآت مسبقة الصنع إلى جانب البناء الخرساني.
ويعجّ المكان بالمرضى: خولة يونس ربة منزل ستينية تعثّرت وكسرت ساقها… محمود المعماري فلاح يعمل حاليا بأجر يومي وسيخضع لجراحته الـ16 أو الـ17، كما يقول، بعد جرح أصيب به في العام 2017 جراء انفجار قنبلة خلال المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقرّ مجيد أحمد معاون مدير دائرة صحة نينوى للشؤون الفنية بالتحديات العديدة التي يواجهها القطاع.
ويقول “أهم التحديات التي نواجهها بعد التحرير هي قلة السعة السريرية وقلة المراكز الصحية بسبب الدمار الذي لحق بما نسبته 70 في المئة من المؤسسات الصحية”.
ويشرح أنه في العام 2014 وقبل دخول التنظيم المتطرف إلى المحافظة، كان “عدد الأسرّة بحدود 3900 سرير، وبعد التحرير أصبحت 600 سرير، وفي الوقت الحاضر أصبحت 2650 سريرا” في نينوى، من ضمنها 1800 في الموصل.
ويلفت أحمد إلى أن “الدمار الذي لحق بدوائر الصحة في محافظة نينوى يحتاج إلى موازنات كبيرة”، مطالبا بـ”موازنة دولية” لا من الحكومة فحسب.
ويقرّ الأخصائي في جراحة العظام والكسور هشام عبدالرحمن بأنه “بعد التحرير، تدمر الوضع الصحي والمستشفيات… وهذا سبب عودة الخدمة الصحية المقدمة للمواطن في الموصل إلى الصفر”، لكنها مع الوقت “بدأت تنهض شيئا فشيئا”، وفق قوله.
ويضيف “نستقبل حاليا في مستشفى الوحدة الأشخاص الذين لا يستطيعون إيجاد العلاج في المستشفى الحكومي”.
ويشير إلى أن الموصل بحاجة إلى “بناء مستشفيات جديدة وتزويد المستشفيات الموجودة بأدوات خاصة، مثل أدوات الكسور الباهظة الثمن، والأدوية حيث يوجد نقص كبير بالأدوية لاسيما أدوية السرطان”.
وتدير منظمة “أطباء بلا حدود” كذلك في الموصل مستشفى نابلس الذي فيه قسم أمومة، وتتم فيه نحو 900 ولادة كمعدل كل شهر تقريبا، 180 عبر جراحة قيصرية.
أما قسم الأطفال فيضمّ أيضا 47 سريرا.
وتقول مديرة الأنشطة الطبية لمركز نابلس الصحي في منظمة “أطباء بلا حدود” كيي بيا سو إن “هذا المستشفى يسدّ فجوة”، مشيرة إلى أن قسمي الأمومة الآخرين الموجودين في مستشفيين عامين، “مكتظان تماما”.
وتضيف “بعد الحرب، ورغم جهود الحكومة لإعادة إعمار قطاع الصحة، لا تزال هناك فجوة”.
وتحاول الموصل استعادة شيء من الحياة الطبيعية… المطاعم والمقاهي تعجّ بالرواد، والشوارع مزدحمة، رغم آثار القصف في واجهات بعض المباني، بينما عملية إعادة الإعمار تتأخر.
وتشير منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى أن أقل من 15 في المئة من سكان الجانب الأيمن من دجلة في المدينة “يملكون الماء الكافي لتلبية احتياجاتهم اليومية”، والنسبة تبلغ 35 في المئة في الجانب الأيسر.
ورغم الترميمات التي تطال بعض المواقع الأثرية في المدينة، إلا أن أجزاء كاملة من الموصل القديمة لا تزال عبارة عن بحر من الأنقاض.
وسط هذه الأنقاض، يتواصل العثور على جثث. فقد انتشل الدفاع المدني قبل أسبوع في المدينة القديمة “ثلاث جثث مجهولة الهوية عبارة عن هياكل عظمية تعود لأيام تحرير الموصل”، فيما عثر مطلع ديسمبر على عشرة هياكل عظمية.