بلدة راشيا تقاوم الشتاء في لبنان بصناعة المدافئ

صناعة المدافئ تشكل قرابة 18 في المئة من الناتج المحلي وتستوعب 26 في المئة من اليد العاملة اللبنانية.
الجمعة 2021/12/17
بلدة تدفئ شعبا

راشيا (لبنان) - صناعة المدافئ مهنة متوارثة انطلقت منذ حوالي قرن في العديد من المناطق الجبلية اللبنانية المعروفة بشتائها القاسي، وقد تعاقب عليها الكثير من الحرفيين الذين حافظوا على طابعها القديم بالرغم من دخولها عالم التقنيات والتكنولوجيا المتطورة.

وقال شوقي دلال، رئيس “جمعية محترف الفن التشكيلي للثقافة والفنون” في لبنان، لوكالة أنباء شينخوا إن العمل في هذه الصناعة بدأ يدويا عبر المطرقة والسندان والمقدح ومقص الصفيح والمسمار، وكان إنجازه يتم بالتعاون بين العديد من أفراد العائلات.

وأوضح دلال أن هذه الصناعة حاليا انتشرت في العديد من القرى والمدن الجبلية اللبنانية في حين تربعت بلدة راشيا الوادي بشرق لبنان على عرش تطويرها عبر إقامة عدة مصانع حديثة تجاوز عددها العشرة من أصل 32 مصنعا موزعا على باقي المناطق اللبنانية.

وقال حسين الشامي، صاحب مصنع مدافئ في مدينة النبطية بجنوب لبنان، إن مصنعه ينجز سنويا حوالي 5 آلاف مدفأة تعمل بالديزل والحطب، مشيرا إلى أنه عمل على تطوير إنتاجه عبر إدخال تقنية حديثة من شأنها خفض استهلاك الوقود ورفع قدرة دائرة التدفئة.

وذكر أنه أمضى حوالي 40 عاما في هذه الصناعة التي ورثها عن والده، وأصبح مصنعه يوفر العمل لعشرات الأسر.

من جهته يفخر الشيخ جمال أبوإبراهيم بمصنعه المعروف بـ”مصنع جبل الشيخ” في بلدته راشيا الوادي بشرق لبنان الغربي والمزود بأفضل المعدات والتقنيات الحديثة التي عززت قدرته الإنتاجية لتتجاوز 450 ألف مدفأة في العام.

المدافئ أنواع؛ منها التي تشتغل بالحطب وأخرى بالديزل أو بالغاز أو الكهرباء، وأسعارها تختلف بحسب الحجم والنوعية

وأشار أبوإبراهيم -خلال دراسته تصاميم جديدة لتطوير صناعة المدافئ، ومنها ثلاثية التشغيل التي تعمل بالحطب والديزل والكهرباء- إلى أن بلدة راشيا تتربع على عرش صناعة وتطوير مختلف أنواع المدافئ في لبنان من حيث الإنتاج والسُّمْك والجودة والأسعار.

وأضاف “هذه الميزات التي نحرص عليها فتحت أمام إنتاجنا العديد من الأسواق المختلفة بالمناطق اللبنانية ،إضافة إلى الأسواق الخارجية، حيث نعمل على تصدير قسم من الإنتاج إلى بعض الدول العربية وخاصة الأردن وسوريا”.

وتابع “كنا قد أبرمنا عدة عقود مع الكثير من الجهات الدولية المانحة التي تعنى بمساعدة النازحين السوريين لتزويدها بالمدافئ التي تقدم في مخيمات لبنان”، إضافة إلى تلك القائمة في الأردن وتركيا والتي تستوعب سنويا حوالي 80 ألف مدفأة.

وقال “نعمل على صناعة مدافئ خاصة بحسب أذواق أو طلبات الزبائن الذين يرغبون مثلا في أن تكون على شكل باخرة أو طائرة أو قلعة أثرية”.

وأضاف “تتنوع المدافئ بين العاملة بالحطب وأخرى بالديزل ونوع آخر بالغاز أو الكهرباء وأسعارها تبدأ من 30 إلى 3 آلاف دولار أميركي، وذلك بحسب الحجم ونوعية الصفيح وسُمْكه، كما نعمل على تأمين الصيانة وقطع الغيار لمبيعاتنا أينما وُجدت”.

وأشار إلى أن إنتاج المدافئ في راشيا بلغ قبل الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان نحو 450 ألف مدفأة لكنه انخفض هذا العام بنسبة 65 في المئة.

وأعاد انخفاض الإنتاج “الارتفاع الجنوني” لأسعار المواد الأولية المستوردة وخاصة الصفيح، إضافة إلى تدني القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين تآكلت مداخيلهم في ظل الانهيار النقدي والتدهور المعيشي الحاصل في لبنان.

ويعاني لبنان منذ عام 2019 من أزمات مالية واقتصادية وصحية ومن تدهور معيشي متصاعد وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وتآكل المداخيل والمدخرات، إضافة إلى تفاقم البطالة والفقر وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية بعد ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.

من جهته أكد زاهر منصور، العامل في صناعة المدافئ منذ حوالي 20 عاما، أن هذه الصناعة شهدت خلال ربع القرن الماضي تحولات متعددة حسنت نوعيتها وعززت قدرتها على منافسة المدافئ المستوردة من الخارج لاسيما التركية، وذلك بمواكبة كل ما هو جديد مما توصلت إليه تكنولوجيا التدفئة.

وأشار منصور إلى ازدياد الطلب غير المسبوق هذا العام على مدافئ الحطب بسبب التقنين الحاصل في قطاع الكهرباء وارتفاع فواتير المولدات الخاصة وأسعار مادة الديزل.

وذكر أنه استحدث في مصنعه قسما خاصا بإعادة ترميم وإصلاح المدافئ القديمة بعدما صار الكثير من المواطنين عاجزين عن شراء المدافئ الجديدة بسبب انتشار الفقر في البلاد.

ولفت إلى أن وقود الحطب أقل تكلفة من الديزل بنسبة حوالي 40 في المئة، كما أنه الأفضل من ناحية المحافظة على البيئة.

وأوضح المواطن سلام رافع من بلدة القرعون الجبلية، وهو رب عائلة مؤلفة من سبعة أفراد، أن مدفأة الحطب تبقى الأفضل لمواجهة البرد والصقيع والثلوج.

وأشار إلى أن تكلفة مدفأة الحطب أدنى من تكلفة مدفأة الديزل لكنها تبقى مع ذلك مشكلة لأصحاب الدخل المحدود، حيث تتراوح كلفة تدفئة منزل عائلي واحد بين 600 و1000 دولار أميركي.

وتشكل هذه الصناعة اللبنانية قرابة 18 في المئة من الناتج المحلي كما أنها تستوعب حوالي 240 ألف عامل، أي 26 في المئة من اليد العاملة اللبنانية.

18