بغداد تنتقل إلى الملاحقة الدولية للمتورطين في سرقة القرن

العراق يسعى لاستصدار أوامر قبض من الإنتربول لمسؤولين سابقين مقربين من مصطفى الكاظمي متورطين في ما يعرف بقضية الأمانات الضريبية احدى أكبر قضايا الفساد في العراق.
الأحد 2023/08/06
القاضي حيدر حنون: قضية سرقة الأمانات الضريبية لن تموت

بغداد - تعتزم السلطات العراقية مطالبة الشرطة الدولية (الإنتربول) بإصدار "أوامر قبض دولية" بحق مسؤولين كبار سابقين، من بينهم وزير مالية ورئيس جهاز مخابرات سابقان، في ما يتعلق بقضية سرقة أمانات ضريبية تزيد على 2.5 مليار دولار المعروفة اعلاميا بسرقة القرن وهي واحدة من أكبرى قضايا الفساد التي هزت العراق.

ووفقا لمسؤولين عراقيين، تدور الفضيحة حول عمليات سحب نقدي غير مشروعة من الهيئة العامة للضرائب في البلاد في عامي 2021 و2022 بلغ مجموعها حوالي 2.5 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم حتى في البلد الذي يصنف دائما من بين أكثر الدول فسادا في العالم.

وأعلن رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون اليوم الأحد عن تحرك لتنظيم "إشارات حمراء" من الإنتربول بحق المطلوبين. وقال إن القضاء سيطلب أيضا إصدار إشارات حمراء للسكرتير الخاص ومستشار سياسي لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

ونفى الكاظمي ووزير المالية السابق علي علاوي ضلوعهما في الفساد الذي تردد أنه افتُضح في أواخر العام الماضي بعد تولي حكومة جديدة السلطة برئاسة محمد شياع السوداني المدعو من الإطار التنسيقي الذي يضم القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران.

واستقال علاوي من المنصب في أغسطس/آب 2022 متذرعا بالتدخل السياسي في العمل الحكومي وبالكسب غير المشروع. وقال بعد ذلك إنه اتخذ خطوات لمنع حدوث سرقة في الهيئة العامة للضرائب لكن المسؤولين الآخرين تجاهلوا قراراته.

وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إنه يعطي أولوية لمحاربة الفساد المستشري في البلاد وأدى إلى سرقة مليارات لا حصر لها من ثروة البلاد النفطية على مر السنين.

وأشار حنون إلى أن العراق يسعى إلى تسلم المتورطين في السرقة من عدد من الدول منها الإمارات وتركيا والأردن والسعودية، كما دعا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى "تسليم المتهمين الهاربين".

وقال إن جميع المطلوبين في "سرقة القرن" لا تقل عملية استحواذ الواحد منهم عن 100 مليار دينار (77 مليون دولار)، مضيفا أن "الجريمة كبيرة وعدد المتهمين فيها يزيد عن 48 متهما".

وأصدر القضاء العراقي في مارس/اذار أوامر بالقبض على أربعة مسؤولين سابقين بينهم وزير مال سابق ومقربون من رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي (2020-2022). وتقول بغداد إن هؤلاء موجودون في الخارج.

وتستهدف مذكرات التوقيف هذه مدير مكتب الكاظمي ورئيس جهاز المخابرات السابق رائد جوحي وسكرتيره الخاص أحمد نجاتي ووزير المال السابق علي علاوي ومشرق عباس مستشار الإعلام السابق للكاظمي.

وقال رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون الأحد إنه تمّ تنظيم نشرات حمراء لدى الانتربول بحقّ "مدير مكتب رئيس الوزراء ورئيس جهاز المخابرات في الحكومة السابقة التي كانت برئاسة مصطفى الكاظمي وكذلك السكرتير الخاص لرئيس مجلس الوزراء في الحكومة السابقة وهما يحملان الجنسية الأميركية".

كما تمّ "تنظيم" نشرة حمراء "بحقّ المطلوب وزير المالية في الحكومة السابقة التي كان يرأسها مصطفى الكاظمي وهو يحمل الجنسية البريطانية".

وطالب حنون "الجهات ذات العلاقة في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة بالتعاون في تنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحقهم" وفقا لقانون العقوبات العراقي، مضيفا "نأمل منهم أن يتعاونوا معنا في تسليم المتهمين المذكورين وأن يثبتوا دعمهم لجمهورية العراق".

وأشار كذلك إلى تورط "المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء في الحكومة السابقة"، مضيفا أنه "مقيم حاليا في دولة الإمارات العربية المتحدة ولم يثبت لنا حصوله على جنسية أجنبية لحد الآن".

وأضاف "على الدول التي تطالبنا ليلا ونهارا بأن نقوم بإجراءات مكافحة الفساد أن تنفذ ذلك وتسلمنا المطلوبين الهاربين لديها وأموالنا المسروقة المودعة لديها" وكان يشير تحديدا إلى الولايات المتحدة التي تمارس ضغوطا شديدة على الحكومة العراقية وفرضت في الفترة الأخيرة قيودا على 14 مصرفا عراقيا خاصا بتهمة تهريب الدولار لطهران، في انتهاك للعقوبات الأميركية.

وقال القاضي حنون في مؤتمر صحفي عقده في بغداد، إن "قضية الأمانات الضريبية هي قضية الفساد الأكبر المكتشفة لهذا اليوم ولها خصوصية كونها جريمة فساد امتزجت بالخيانة لأن ما يُستشف من أحداثها أن الهدف منها ليس سرقة المال العام فقط، وإنما كان من أهدافها إضعاف ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها والقائمين عليها".

وتابع "قضية سرقة الأمانات الضريبية لن تموت، ونقول لمرتكبي هذه الجريمة: لا تراهنوا على الزمن فإن مضي الأيام لم ينسينا الجريمة، وستبقى في ذاكرة الشعب اليومية و كذلك فإن بقاءكم خارج القضبان تتمتعون بأموال العراق المسروقة لن يستمر طويلا، وسنسلُك السبل كافة حتى نتمكن من تنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحقكم ونؤمّن مثولكم أمام القضاء العادل، ونسترد منكم الأموال المسروقة".

وأثارت قضية سرقة أموال الأمانات الضريبية التي كُشفت منتصف أكتوبر الماضي وتورط فيها مسؤولون سابقون كبار ورجال أعمال، سخطا شديدا في العراق الغني بالنفط والذي يستشري فيه الفساد.

وتورد وثيقة من الهيئة العامة للضرائب أنه تم دفع 2.5 مليار دولار بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 عن طريق 247 صكا صرفتها خمس شركات. ثم سُحبت الأموال نقدا من حسابات هذه الشركات التي يخضع أصحابها لأوامر توقيف.

وأفرجت السلطات العراقية في فبراير عن أحد رجال الأعمال المتورطين بالقضية والذي أعاد 125 مليون دولار من مليار دولار استولى عليها. وجاء الإفراج بكفالة مقابل إعادة باقي الأموال المسروقة في غضون أسبوعين، لكنه اختفى بعد ذلك.

وغالبا ما تعلن الحكومة العراقية الجديدة تطورات متعلقة بقضية سرقة أموال الضرائب، فيما جعلت من أولوياتها مكافحة الفساد.

وعلى الرغم من أن الفساد متفش في كل مؤسسات الدولة في العراق إلا أن المحاكمات التي تحصل في هذه القضايا قليلة، وإن حصلت فهي تستهدف مسؤولين صغارا.

لكن حنون تعهد الأحد بجلب المطلوبين من المسؤولين الكبار السابقين ومحاكمتهم في التهم المنسوبة إليهم.