بغداد القديمة تزهو بالرسومات والألوان

"أثر الفراشة" فريق من الرسامين يترجمون موهبتهم على الجدران.
السبت 2021/06/26
ألوان تبعث البهجة في النفوس

لم تمنع التحدّيات والظروف التي يمر بها العراق بسبب فايروس كورونا وارتفاع درجات الحرارة الرسام علي خليفة ورفاقه من الانطلاق في مشروعهم الهادف إلى إضفاء لمسات من الجمال على جدران المحلات والمدارس في أزقة بغداد القديمة، بتوظيف موهبتهم في رسم لوحات فنّية تعكس العديد من المواضيع التي تذكر بعمق الحضارة والتراث في العراق.

بغداد – في أزقة ضيّقة وضاربة في القدم يتنقل الرسام علي خليفة مع فريقه التطوعي ليرسم بريشته صورا جميلة للحياة البغدادية وتراثها الأصيل ويعيد الحياة إلى أقدم مناطق بغداد ويكسوها بحلة من الألوان الزاهية والرسوم الجميلة ويضفي عليها شيئا من البهجة والسرور وأمل بمستقبل أفضل.

ويقود خليفة، الذي يعمل في مجال صبغ وترميم المنازل، فريقا تطوّعيا أطلق عليه اسم “أثر الفراشة” مؤلفا من خمسة أشخاص من بينهم ابنته ذات التسعة أعوام وهي موهوبة في مجال الرسم أيضا وتصرّ على مرافقة والدها خلال أعماله التطوعية.

ويركز  خليفة على الرسم وبالذات على الجداريات، إذ صار مفضلا لديه، لأنه يرى فيه جمالا وتفاعلا أوسع من اللوحة الصغيرة.

وانطلقت فكرة تشكيل الفريق قبل أكثر من ثلاث سنوات من خلال رسومات على جدران المدارس ورياض الأطفال والكتل الكونكريتية التي كانت تملأ شوارع بغداد وتقطع أحياءها وتخرّب جماليتها.

وقال خليفة لوكالة أنباء “شينخوا”، “قبل أكثر من ثلاث سنوات خطرت ببالي فكرة أن أرسم بعض اللوحات على أحد جدران المدارس، لأن شكله غير مناسب، وباشرت بالرسم مع أعضاء الفريق، ووجدنا تفاعلا وتشجيعا من قبل الكثير من الناس، ومن هنا انطلقت فكرة تشكيل الفريق”.

وأضاف أن الفريق يعتمد على جهوده الذاتية في توفير الأصباغ وأدوات الرسم وليس لديه أي دعم من أي جهات حكومة أو منظمات المجتمع المدني، باستثناء بعض التبرعات البسيطة التي يقدمها الأهالي من سكان الأحياء التي نعمل فيها وتشمل تقديم بعض الأصباغ وتقديم وجبات الطعام، فضلا عن الدعم المعنوي والتشجيع الذي زاد من حبنا للعمل وكان سببا في نجاح تجربتنا.

وبالانتقال إلى مبادرة تزيين الأزقة القديمة، أوضح خليفة أنه قبل نحو شهر كان يعمل بترميم منزل لعائلة فقيرة في منطقة الأنباريين بمدينة الكاظمية، وعند الانتهاء من العمل أراد أن يقدم لهم شيئا مميّزا ومن دون مقابل مادي، فقام مع فريقه بصبغ الجدار الخارجي للمنزل ورسم بعض اللوحات التراثية عليه ففرحوا بهذا العمل، كما أعجب أصحاب المنازل المجاورة بالفكرة.

وتابع بعد أن شاهدت فرحة الناس واهتمامهم ومتابعتهم للرسم خطوة بخطوة، قررت أن أبدأ مع فريقي بتزيين الجدران المتهالكة في منطقة الأنباريين وإعادة الحياة إليها.

Thumbnail

ومنطقة الأنباريين هي إحدى أقدم مناطق الكاظمية والتي تتميز بأزقتها الضيقة التي لا يتجاوز عرض بعضها مترا واحدا فيما لا تزال الكثير من منازلها تحافظ على طبيعتها التراثية وطريقة بنائها القديمة، حيث يمكنك أن تشاهد السقوف المصنوعة من الخشب والطابوق القديم والطين.

ويؤكد خليفة أن ما يشاهده كل يوم من متابعة الناس لأعماله وتشجيعهم له شكّل دافعا مهمّا له ولأعضاء الفريق للاستمرار في العمل وإنجاز كل ما يستطيعون لدعم سكان المنطقة وأغلبهم من الفقراء ومحدودي الدخل، لافتا إلى أن ما يميز أعمال الفريق هو كثرة الألوان وتعددها وهذا الأمر مهم وله دور في تقبّل الناس للرسومات، كما أنه يضفي مسحة جمالية على أزقة المنطقة.

ولفت إلى أن “الفريق أنجز حتى الآن أكثر من 300 موقع تضمنت مدارس ورياض أطفال وجامعات ودوائر حكومية، أما المنازل في الأزقة، فإن عدد اللوحات تجاوز الألف لوحة، والعمل مستمر على إنجاز لوحات جديدة”، منوّها بأن “هناك توجها لتوسيع العمل ليشمل محافظات أخرى وأيضا التوسع إلى خارج البلاد لنقل ثقافة البلاد”.

وأشار إلى أن معظم اللوحات التي يقومون برسمها هي من تراث بغداد وشخصياتها المشهورة، إضافة إلى مناظر طبيعية ومجسّمات مستوحاة من تاريخ العراق، لافتا إلى أن هذه الأشياء هي التي تجذب الجمهور، لأن الناس ملّت من صور السياسيين وأخبار الحروب وتريد أن ترى أشياء جميلة.

وقال خليفة إن “الفريق لديه خطط مستقبلية من أجل جعل بغداد الأجمل في العالم عبر اللوحات الفنية خاصة التي تحمل الطابع التراثي لاسيما في المناطق القديمة التي تحولت إلى لوحات فنية خاصة برسومات الشناشيل والتراث”، مؤكدا أن “الفريق يسعى لإيصال رسالة للعالم تصور فيه ثقافة العراق وحضارته”.

جدران زاهية
جدران زاهية

واعتبر أمير الجبوري أحد سكان منطقة الأنباريين، أن الرسوم أعادت الحياة للمنطقة، وقال “نشكر الشباب في الفريق التطوعي على هذه الفكرة الجميلة وقد جاؤوا بفكرة فريدة من نوعها، فقد كانت الجدران في المنطقة متهالكة وألوانها باهتة ولا ترمز لأي شيء وأصبحت اليوم ترمز للحياة والأمل بالمستقبل”.

وأضاف أن من الأمور الإيجابية لمبادرة الرسم على الجدران، أنها خلقت جوا تفاعليا في المنطقة وبدأ الناس يأتون من مختلف مناطق بغداد للتجوال في الأزقة القديمة ومشاهدة الرسومات والتقاط الصور.

وتابع الجبوري أن رسم صور شخصية لبعض الشخصيات الشهيرة من الأدباء والكتاب والشعراء وخصوصا أولئك الذين ولدوا في منطقة الأنباريين وعاشوا فيها فترات من حياتهم، قد دفع بعض الشباب للبحث في تاريخ هذه الشخصيات وسيرتهم الشخصية للتعرف عليهم أكثر وكذلك البحث في تاريخ المنطقة الموغل في القدم.

وبدورها قالت أم إحسان (50 عاما) وهي تشير إلى خليفة وفريقه التطوعي أثناء قيامهم برسم لوحة على جدار منزلها “عاشت أيديكم، رائع، أنتم مبدعون، شيء مفرح، نتمنى أن يشمل كل الأحياء والمدن وفّقكم الله”.

ودعا خليفة إلى “أهمية دعم هذا المشروع والباب مفتوح لأي جهة تريد أن تقدم الدعم من أجل تطوير العمل وتوسيع رقعته الجغرافية”.

Thumbnail
Thumbnail
17