بعد مرور عامين.. جرح انفجار المرفأ لم يندمل

بيروت – رغم مرور عامين على كارثة انفجار مرفأ بيروت، لا يبدو أن شيئا قد تغير في حال لبنان واللبنانيين، بل زادت الأوضاع سوءا وتسير نحو الأسوأ، اقتصاديا وسياسيا، ولا يزال الدمار والركام يحيطان بميناء العاصمة، عاكسين حجم الضربة التي تعرض لها هذا المرفق العام، الذي طالما كان شريانا حيويا للبلاد على مر التاريخ.
سقط أكثر من 220 ضحية و7 آلاف جريح جراء الانفجار الضخم، الذي وقع في 4 أغسطس 2020، وصُنّف بأنه رابع أقوى انفجار في العالم، وإلى اليوم لم تنته التحقيقات القضائية لمعرفة حقيقة هذا الانفجار وأسبابه.
وطالت أضرار مادية هائلة المرفأ وأجزاء واسعة من بيروت، التي ما زالت تئن تحت وطأة الانفجار، وأزمة اقتصادية حادة تعاني منها البلاد منذ أكثر من عامين ونصف العام.
وبحسب تقديرات رسمية، فإن الانفجار وقع في العنبر رقم 12، الذي كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، كانت مصادرة من إحدى السفن، ومخزنة منذ 2014. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.
انفجار مرفأ بيروت زاد من معاناة البلاد جراء أزمة اقتصادية طاحنة تعاني منها منذ أواخر 2019 حتى اليوم
وبسبب حجم الأضرار التي لحقت بالمرفأ والصعوبات المالية المرافقة، لم يسترجع المرفأ إلى اليوم كامل طاقته في العمل، في ظل الدمار الذي طال الأرصفة والمخازن وصوامع تخزين الحبوب.
ومع أن محطة الحاويات عادت إلى العمل بكامل طاقتها، نظرا إلى أن نقطة الانفجار كانت بعيدة عنها نسبيا، إلا أنه لا يزال هناك 6 رافعات معطلة من أصل 16. أما بالنسبة إلى الأرصفة، توجد 5 أرصفة معطلة من أصل 16، فيما القدرة التخزينية شبه منعدمة بسبب تضرر المخازن والمستودعات.
وحتى اليوم لم تنطلق إعادة الإعمار الفعلية بعد، بانتظار انتهاء التحقيقات القضائية، كما لا تخلو هذه الخطوة من مصاعب مالية واقتصادية تعاني منها البلاد.
وزاد الانفجار من معاناة البلاد جراء أزمة اقتصادية طاحنة تعاني منها منذ أواخر 2019 حتى اليوم، حيث أدت الى انهيار مالي ومعيشي، وشح في الطاقة والأدوية وسلع أساسية أخرى.
وجدّدت منظمات حقوقية وعائلات ضحايا مطالبتها بتحقيق دولي مستقل في الانفجار الذي يعد من بين أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، في الوقت الذي طالب فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ”إحقاق العدل” وتبيان أسباب الانفجار.
ونظم أهالي الضحايا الذين يخوضون رحلة شاقة من أجل تحقيق العدالة، في بلد تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود، الخميس ثلاث مسيرات انطلقت من ثلاثة مواقع ذات رمزية في بيروت ووصلت إلى المرفأ، الذي تلتهم النيران مخزون الحبوب في صوامعه المتصدعة منذ أسابيع.
انطلقت المسيرة الأولى من أمام قصر العدل، بينما انطلقت الثانية من مقرّ فوج الإطفاء، مجسّدة الرحلة الأخيرة لتسعة عناصر من فوج الإطفاء هرعوا إلى المرفأ قبيل وقوع الانفجار. وانطلقت الثالثة من وسط بيروت، قلب التظاهرات الشعبية المناوئة للطبقة السياسية المتهمة بالتقصير والإهمال والفشل في إدارة الأزمات المتلاحقة.
ويأتي إحياء الذكرى، بعد أيام من انهيار جزء من الصوامع الشمالية، عقب حريق نجم وفق مسؤولين وخبراء عن تخمّر مخزون الحبوب جراء الرطوبة وارتفاع الحرارة. ويحذر خبراء من خطر انهيار وشيك لأجزاء إضافية في الساعات المقبلة. وتصف تاتيانا حصروتي التي فقدت والدها الموظف في الإهراءات في الانفجار، توقيت انهيار الصوامع بأنه “رمزي”.
وتقول “تنهار الصوامع علينا لأننا لا نملك أي أدلة حول حقيقة ما جرى، بينما يبذلون قصارى جهدهم لمنع التحقيقات” في إشارة إلى الطبقة السياسية التي تعيق تدخلاتها في عمل المحقق العدلي مسار التحقيق.
وتضيف “لكنني آمل أن يمنح مشهد سقوط الصوامع الناس إرادة القتال من أجل العدالة والنضال معنا لتحقيقها”.
أحدث الانفجار الذي وصلت أصداؤه لحظة وقوعه إلى جزيرة قبرص، دماراً واسع النطاق شبيها بالدمار الذي تسبّبه الحروب والكوارث الطبيعية.
وعمّقت الكارثة من حدّة الانهيار الاقتصادي غير المسبوق المستمر منذ خريف 2019 والذي جعل غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر. وسرّعت من وتيرة الهجرة خصوصاً في صفوف الشباب الباحثين عن بدايات جديدة.
وبعد عامين على الانفجار، لم تستعد بيروت عافيتها مع بنى تحتية متداعية ومرافق عامة عاجزة عن تقديم الخدمات الأساسية. تغرق العاصمة ليلاً في ظلام دامس فيما تثير النيران المندلعة في الإهراءات خشية اللبنانيين، خصوصاً عائلات الضحايا والقاطنين في محيط المرفأ.
وتوضح لارا خاتشيكيان (51 عاماً) وهي تشاهد ألسنة النيران من منزلها المواجه للمرفأ، وسبق للانفجار أن دمره، أنّ المنظر أشبه بـ”كابوس”، مضيفة “أشعر وجيراني بتوتر دائم. ينتابني الخوف طيلة الوقت ولا نتمكن من النوم ليلاً”.
وتتابع “تحتاج إلى قدرة خارقة للعيش عندما يتم تذكيرك في كل لحظة بالانفجار”.
حتى اليوم لم تنطلق إعادة الإعمار الفعلية بعد، بانتظار انتهاء التحقيقات القضائية، كما لا تخلو هذه الخطوة من مصاعب مالية واقتصادية تعاني منها البلاد
وتوقع الخبير الفرنسي إيمانويل دوران، الذي يراقب معدلات سرعة انحناء الصوامع عبر أجهزة استشعار، أن تنهار كتلة من أربع صوامع خلال ساعات بعدما باتت مفصولة عن بقية الأجزاء.
وسبق للحكومة أن أقرت في أبريل هدم الإهراءات خشية على السلامة العامة، لكنها علّقت تطبيق القرار بعد اعتراضات من جهات عدة بينها لجنة أهالي الضحايا التي تطالب بتحويل الإهراءات إلى معلم شاهد على الانفجار وتخشى تخريب موقع الجريمة.
ويؤجج تعليق التحقيق منذ نهاية 2021 غضب الأهالي المنقسمين بدورهم إزاء عمل المحقق العدلي طارق البيطار الذي يواجه دعاوى رفعها تباعاً مُدعى عليهم بينهم نواب حاليون ووزراء سابقون.
ويثير التحقيق انقساماً سياسياً مع اعتراض قوى رئيسية أبرزها حزب الله على عمل البيطار واتهامه بتسييس الملف.
وفي بيان الخميس، ندّد حزب الله بما وصفه بـ”الحملات السياسية” التي تضمنت “اتهامات باطلة”، مطالباً “بتحقيق نزيه… بعيدًا عن الاستثمار السياسي”.
وينتظر البيطار، وفق مصدر قضائي، “البتّ في الدعاوى ضده” ليستأنف في حال ردها تحقيقاته، ويتابع “استجواب المُدعى عليهم” تمهيداً لختم التحقيق.
مع تعثّر التحقيق المحلي، انتقد البطريرك الماروني الكردينال بشارة بطرس الراعي، أكبر رجال الدين المسيحي في لبنان، حكومة البلاد لإخفاقها في محاسبة المسؤولين عن تفجير مرفأ بيروت. وطالب مفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان “البقاء بعيدا عن التجاذبات السياسية والإسراع في إظهار الحقيقة وتطبيق العدالة على من تتأكد إدانته ومسؤوليته عن هذه الجريمة النكراء”.
كما ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس بمرور عامين “من دون عدالة”. ودعا إلى “إجراء تحقيق نزيه وشامل وشفاف” في الانفجار، غداة دعوات عدة محلية وخارجية طالبت بتحقيق دولي.
وأكد الرئيس الفرنسي في مقابلة مع صحيفة “لوريان لوجور” اللبنانية الناطقة بالفرنسية أنّ “العدالة يجب أن تتحقق”. وقال “يشهد لبنان أزمة غير مسبوقة. ويحتاج إلى العدالة كذلك من أجل النهوض”.
ودعا ستة خبراء مستقلين الأمم المتحدة الأربعاء إلى “فتح تحقيق دولي بلا تأخير”، تزامناً مع مطالبة 11 منظمة حقوقية بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية مجلس حقوق الإنسان بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق.
وقالت آية مجذوب من هيومن رايتس ووتش إن تحقيقاً دولياً “قد يكون الأمل الوحيد لملايين اللبنانيين الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب.. للحصول على الأجوبة التي يستحقونها”.