بعد تراجع ترامب القاهرة تتمسك بخطتها لإعمار غزة

خفت الجدل العربي حول التعامل مع مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن بعد أن تحول المقترح إلى مجرد توصية أو اجتهاد، لكن لا تزال القاهرة تواصل جهودها من أجل عرض ملامح خطة متكاملة لإعادة إعمار غزة، وتجهيزها لتكون على طاولة القمة العربية الطارئة في الرابع من مارس المقبل.
القاهرة - قال وزير الري المصري هاني سويلم الاثنين إن بلاده لديها القدرة على إعادة إعمار قطاع غزة “بأعلى كفاءة وأسرع وقت،” في إشارة تؤكد أن القاهرة لم تتخل عن خطتها بعد أن تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مقترحه بشأن توطين جزء من سكان غزة في مصر، واعتبره مجرد توصية يمكن الأخذ بها أو لا.
وأكد الوزير المصري في ندوة “إعادة إعمار غزة.. دور الهندسة والمهندسين” التي نظمتها نقابة المهندسين المصرية أنه على يقين من أن ما تمتلكه بلاده من قدرات وكفاءات متميزة سيكون عاملاً حاسما في نجاح خطة إعادة الإعمار، حيث تتميز مصر بـ”وجود عشرات الآلاف من المهندسين الأكفاء، وتمتلك شركات كبرى عاملة في مجال البناء والمقاولات التي تمثل حجر الزاوية في تنفيذ خطة الإعمار بأعلى كفاءة وأسرع وقت.”
ووظف وزير الري الندوة العامة ليرسل من خلالها رسائل سياسية رسمية تفيد بأن مصر تواصل تجهيز خطة عملية للتعامل مع الأوضاع في غزة، بعد أن تصور البعض أن عدم مناقشة الرؤية المصرية في اجتماع القمة الذي عقد في الرياض يوم الجمعة الماضي وضم قادة دول الخليج الست ومصر والأردن، يعني أنها غامضة أو غير مكتملة أو تم التراجع عنها، أو لا يوجد توافق عربي عليها.
وجاء حديث هاني سويلم من داخل مقر نقابة المهندسين بالقاهرة ليعزز الثقة في القدرات المهنية المصرية، والتي بمقدورها إنجاز مهمة الإعمار بكفاءة عالية وأقصر وقت ممكن، ما يعني أن المدد الطويلة (15 عاما) التي تحدث عنها مسؤولون أميركيون غير دقيقة، وقد لا يستغرق الأمر أكثر من خمس سنوات.
من يقبض على ملف إعادة الإعمار يتحكم في مصير غزة، أو على الأقل يلعب دورا مهما في التطورات المقبلة
ويمكن أن يفسر كلام الوزير المصري أيضا على أن القاهرة تريد أن تستحوذ على جزء كبير من كعكة إعادة إعمار غزة، إذا جرى التوافق عليها، فهي تمتلك الكفاءات والمعدات والموقع الجغرافي والحدود المشتركة مع غزة، فضلا عن خبرة الشركات في تشييد البنى التحتية والمباني السكنية، وعندما يتواجد التمويل الكافي والموافقة السياسية وعدم وجود فيتو من الولايات المتحدة وإسرائيل ستشرع مصر في الإعمار.
وتولي مصر عملية إعادة إعمار غزة أهمية حيوية، ولا تريد أن تفتر همة الدول العربية التي تبنت موقفا صارما ضد التوطين، ما يمنح فرصة لترامب ليجدد طرح مقترحه، ومعه مبرر عدم وجود بديل، وستجد إسرائيل في عدم توافر خطة مصرية – عربية فرصة للمزيد من إرهاق الفلسطينيين في غزة، ليتسنى لها تنفيذ مخططها الجديد حول تهيئة الأجواء لخروج سكان القطاع بشكل طوعي، فعندما تنعدم أمام عدد كبير منهم فرص البقاء يصبح خيار الرحيل طوعيا أو قسريا لا فرق.
ويشير تكرار الحديث المصري عن إعمار غزة إلى عدم فتور القاهرة، وأن الملف يحتل أولوية كبيرة لديها، لأن ترك سكان القطاع في العراء ووسط الدمار الهائل ينطوي على مسؤولية إنسانية وأخلاقية، بحكم أن مصر هي الأقرب جغرافيا ووجدانيا، وعليها أن تتحمل مسؤوليتها، ولا تترك هامشا أمام إسرائيل للتحكم في مصير القطاع بعد الحرب ولفترة طويلة، فالشروع في الإعمار قريبا يعزز عدم العودة إلى الحرب، ولذلك تتمسك القاهرة بخطتها ولا تريد التراجع عنها.
ونجحت مصر في إيجاد زخم أوروبي مؤخرا، واستفادت من الدعم السياسي العربي، وتريد من كليهما المساهمة في تمويل عملية إعادة الإعمار، وهو البند المهم جدا، والذي تغيب عنه الكثير من التفاصيل، لأنه بات مشروطا بعوامل عدة، منها تخلي حماس عن إدارتها للقطاع، وفي ظل الازدواجية الطاغية على موقفها في هذه النقطة، حيث تقبل وترفض، يحتاج الأمر إلى المزيد من الوضوح والشفافية.
مصر رأس الحربة أصبحت (بعد تواري الأردن قليلا) في مواجهة عملية التوطين، والتي هدأت قليلا في أجندة ترامب، لكنها تصاعدت في أجندة اليمين المتطرف في إسرائيل
كما أن نزع سلاح المقاومة الفلسطينية في غزة مطلب رئيسي لإسرائيل والولايات المتحدة، وبعض الدول العربية، وقد لا يتوافق ذلك مع المصالح المصرية، لأن خلو القطاع من المقاومة يؤدي إلى سيطرة إسرائيل تماما على مقاليده والتحكم في كل مفاتيحه، وعدم وجود ما يردعها مستقبلا.
وتضع هذه المسألة عبئا إستراتيجيا على مصر، وتفرض عليها ربط تجريد المقاومة من سلاحها وتوفير الأمن لإسرائيل والمنطقة بحل القضية الفلسطينية والعودة إلى التسوية السياسية القائمة على حل الدولتين، وهو ما تعمل تل أبيب على قتله ببطء.
ويقول مراقبون إن من يقبض على ملف إعادة الإعمار يتحكم في مصير غزة، أو على الأقل يلعب دورا مهما في التطورات المقبلة، وهو ما تدركه القاهرة جيدا، مستفيدة من الجغرافيا السياسية التي منحتها مزايا وألقت عليها بأثقال أمنية وعرة، وتسعى للحصول على موافقة عربية على خطتها في القمة الطارئة، ولا تقتصر على إعادة الإعمار، بل تنطوي على إجابات محددة لكل الأسئلة الحرجة.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الخطة المصرية المتكاملة نتاج مشاورات جرت مع دول عربية، وحاولت مراعاة عناصر القلق التي تساور البعض، من الدول التي يمكن أن تمول مشروع الإعمار، ويصل إلى نحو 50 مليار دولار، وضرورة البحث عن حلول لجوانب القلق، وكل ما يمكن أن يفضي إلى منح بنيامين نتنياهو وترامب حججا لتطبيق رؤاهما الإقصائية لسكان غزة، والتمسك بتهجيرهم.
وأصبحت مصر رأس الحربة (بعد تواري الأردن قليلا) في مواجهة عملية التوطين، والتي هدأت قليلا في أجندة ترامب، لكنها تصاعدت في أجندة اليمين المتطرف في إسرائيل، وتحولت إلى هدف محوري يقاس عليه مدى نجاح أو فشل حكومة نتنياهو، ما يشي باستمرار وضعه على الطاولة وربما تحوله إلى منغص في كل اللقاءات بين إسرائيل ومصر، وربما دول عربية أخرى تشارك القاهرة انزعاجها.
وستكون نتائج القمة العربية الطارئة بعد أيام في القاهرة هي البوصلة التي ستحدد التوجهات المصرية حيال غزة، وإعادة الإعمار بشكل خاص، فالتوافق واتساع نطاق الدعم العربي ووجود خطة واضحة ومحددة، يؤكد وجود نوبة استيقاظ في العمل العربي المشترك، والشعور بالمخاطر الإستراتيجية التي يمكن أن تخرج من غزة، بينما الفشل يعيد الكرة إلى ملعب ترامب ليتقاذها كيفما يشاء مع نتنياهو.