بطولة لـ"سحل الماعز" في أفغانستان

تعاني الرياضات والفنون في أفغانستان من بطش طالبان، لكن المولعين برياضة البوزكاشي، لعبة القوة والفروسية يصرون على مواصلة هوايتهم التي يعود تاريخها إلى عدة قرون، خاصة بعد أن أصبحت لها بطولة رسمية تشارك فيها فرق من ولايات عديدة.
كابول – رغم المخاوف من وقوع هجمات وانتشار فايروس كورونا المستجد، تنظم أفغانستان أول بطولة للبوزكاشي وهي رياضة قتالية عنيفة تعود إلى أكثر من 800 عام، لها رمزية كبيرة في البلاد.
هي رياضة يُحدث فيها الفرسان المتبارون سحابة من الغبار قبل ركوب خيولهم والانطلاق بسرعة حيث يصطدمون ببعضهم بعضا.
ويأتي المتفرجون إلى كابول بالآلاف لمتابعة هذه المواجهات القاسية مدة أسبوع. وتشارك في البطولة فرق من 14 ولاية من أصل 34 ولاية أفغانية.
يهتف الجمهور بحماسة فيما اللاعبون الذين ارتدوا أزياء بألوان زاهية، يجولون في الميدان الموحل على أحصنتهم، ويحرص كلّ منهم على أن تبقى جيفة الماعز الضخمة التي تزن حوالي 50 كيلوغراما في حوزة فريقه.
وفي بعض الأحيان يتم لعبها بجسم عجل، الذي يتحمل العنف بشكل أفضل من الماعز.
وتوفر هذه المباريات فسحة استرخاء مستحقة في بلد يمر بأزمة سياسية. وقد استمرّت المباريات على الرغم من التهديدات بشنّ هجمات متكرّرة في العاصمة والمخاوف المرتبطة بانتشار فايروس كورونا.
في اللغة الفارسية، تعني كلمة البوزكاشي “سحل الماعز”، وهي تقوم على الإمساك بجيفة الماعز بين الساق والسرج، والمضي حتى نهاية الميدان، من ثمّ الالتفاف حول عمود والعودة إلى دائرة مرسومة على الأرض لوضع جيفة الماعز.
برزت هذه اللعبة في آسيا الوسطى ويعتقد أنها عائدة إلى حقبة جنكيز خان في القرن الثالث عشر، وتعدّ رمزا للثقافة الأفغانية وتتواصل رغم الصراع المستمر منذ عقود عدة.
ويقول بعض الناس إنها تعود إلى الأيام التي اجتاحت فيها جحافل جنكيز خان القرى على ظهور الخيول ويجرون النساء أو الماشية.
وفي الوقت الذي تشبه فيه الرياضة لعبة البولو، وإن تم استخدام جثة بدلا من كرة، إلا أن البوزكاشي أكثر خشونة وأشد خطورة. ويقترب عرض الفرسان في بعض الأحيان من السيرك، فيقوم المتسابقون بانتزاع جثة الحيوان.
يقول شفيق رحمن، وهو موظّف حكومي في ولاية بدخشان (شمال شرق البلاد)، والذي يتواجه فريقه مع فريق ولاية باميان (وسط البلاد) “أنا هنا لدعم فريقي”. ويتابع الشاب الأفغاني (25 عاما) “قال لي والداي بألا أحضر المباريات بسبب المخاطر الأمنية، ولكنني متحمّس لهذه الرياضة”. ويتابع “نحن نعيش لمرّة واحدة فقط وعلينا الاستفادة منها”.
يقول حجي جواد نوري، وهو لاعب ضمن فريق كابول، إنها “رياضة صعبة للغاية”. ويشرح الشاب (28 عاما) الذي تمارس عائلته البوزكاشي منذ أجيال “يجب أن يكون اللاعب سريعا ومرنا، لأن الجيفة ثقيلة للغاية”.
وبالنسبة إلى نوري، تعدّ البطولة التي بدأت الأربعاء خطوة حاسمة في تاريخ هذه الرياضة.
ويقول المنظمون إنهم يريدون جعل هذه البطولة، التي تمتدّ على أسبوع، حدثا سنويا على أن تقام في كلّ مرّة في مدينة مختلفة.
إلى ذلك، يشير غني مدقق، نائب رئيس محطة “آر.تي.إي” العامة، التي حصلت على عقد لمدّة 5 سنوات لنقل مجريات هذه المباريات مباشرة “نريد الترويج للبوزكاشي. إنها رياضتنا الوطنية ونسعى لأن تصبح مشهورة عالميا”.
كالعادة في أفغانستان، يعتمد نجاح البطولة على الوضع الأمني، لاسيّما أن حركة طالبان هاجمت فعاليات رياضية في السابق، ومنعت البوزكاشي خلال السنوات الخمس التي تولّت فيها السلطة بين عامي 1996 و2001.
ومع استعادة هذه الحركة لنفوذها، واستعداد القوات الأجنبية لمغادرة أفغانستان، يشعر الكثير من الأفغان بالقلق حول مستقبل بلادهم.
إلى ذلك، فرّت عائلة جواد تركي من ولاية ننكرهار (شرق البلاد) إلى كابول في العام 2018، بعد وفاة عمّه قتلا على يد مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية الذي كان له وجود منذ سنوات في الولاية. ويقول الشاب (25 عاما) “لقد ارتكبوا الكثير من الفظائع… وتسبّبوا في الكثير من المآسي”.
لكن كلّ هذه الذكريات المؤلمة تتلاشى مع مشاهدة الخيول التي تجري في الميدان، فيما الجبال المغطاة بالثلوج تلوح بعيدا، والموسيقى الأفغانية التقليدية تختلط مع أصوات الجمهور الحماسية.
ويشير الشاب إلى أنها “المرة الأولى التي أشاهد فيها مباراة بوزكاشي مباشرة”. ويتابع “خلال دقائق تمكّنت من نسيان كلّ شيء”.