بطالة الخريجيين التونسيين نتاج انعدام الشراكة بين التعليم والتشغيل

تونس - يعتبر التعليم الحل الأمثل لتطوير الذات واكتساب مؤهلات علمية للحصول على عمل يؤمن العيش الكريم، غير أن الواقع في تونس يكشف العكس، حيث أصبح النجاح في المسيرة التعليمية والحصول على شهادة تخرج من مؤسسات التعليم العالي بمثابة العائق أمام الحصول على عمل في المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وهو ما أفقد الشباب التونسي الأمل في قدرة التعليم على ضمان حظوظ أوفر للحصول على عمل.
تتراكم سنويا أعداد الخريجين من مختلف الاختصاصات التي تتيحها مؤسسات التعليم العالي التونسية، جامعات ومعاهد، ليلتحقوا بقائمات العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا الذين باتوا عبئا على الدولة في ظل عجزها عن توفير حلول كفيلة بحل مشاكل تشغيلهم، وتطلعنا آخر أرقام المعهد الوطني للإحصاء التي تخص الثلاثي الثالث لعام 2015، على أنه يوجد في تونس 612 ألف عاطل عن العمل من بينهم 242 ألفا من أصحاب الشهادات العليا. كما تؤكد تحاليل الإحصائيات الأخيرة أن نسبة البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي تبلغ 32 بالمئة وأن نسب البطالة بالنسبة إلى الشباب الذين لم يحصلوا على شهادات تعليم عال دون المعدل الوطني للبطالة، الأمر الذي يضعنا أمام مفارقة مفادها أنه كلما ارتفع المستوى التعليمي كلما ازدادت صعوبة الحصول على عمل، وهذا على ما يبدو ميزة في البطالة التونسية.
من جهة أخرى تفيد الإحصائيات الأخيرة عكس الاعتقاد السائد في تونس بأن طبيعة الاختصاص هي من تقف وراء البطالة التي تهدد اختصاصات جامعية أكثر من غيرها، حيث يعتقد التونسيون أن اختصاص العلوم الإنسانية مثل الآداب وعلم الاجتماع والفلسفة هي التي تتوفر على مشاكل أكثر في التشغيل، إلا أن المعهد الوطني للإحصاء كشف أنه في الثلاثي الأخير من عام 2015 بلغ عدد العاطلين من أصحاب الإجازات في العلوم الصحيحة مثل الفيزياء والرياضيات 73 ألف عاطل وأنهم يحتلون طليعة ترتيب العاطلين عن العمل من الخريجين الجامعيين يليهم حاملو شهادة التقني السامي بعدد 61 ألف عاطل ثم 38 ألف عاطل من دارسي العلوم الإنسانية وتكون اختصاصات الاقتصاد والتصرف في المرتبة قبل الأخيرة بعدد 36 ألف عاطل ونجد في المرتبة الأخيرة أصحاب الاختصاصات الطبية والهندسية ويمثلون أقل من 34 ألف عاطل.
|
اللافت في هذه الأرقام أن البطالة زحفت إلى اختصاصات طالما اعتبرها الطالب التونسي محصنة منها ويتصور كثيرون أن وجود طبيب أو تقني سام أو مهندس عاطل عن العمل أمر نادر إلا أنه حتى الاختصاصات التي تذيلت قائمة العاطلين عن العمل في صفوف حاملي الشهادات العليا تضم أعدادا هامة تتجاوز 30 ألف عاطل، وهذا ما يؤكد وبشكل واضح أن أزمة البطالة تفاقمت في السنوات الأخيرة في تونس لتكشف أن خطط التعليم في تونس لا تأخذ بعين الاعتبار حاجيات سوق العمل، أي أنه يتم وضع اختصاصات تعليمية وتحديد نسب القبول لدراستها من الناجحين في امتحانات الثانوية العامة دون احتساب مواقع العمل في المؤسسات العامة والخاصة التي يمكنها استيعابهم.
ويقول الباحث التونسي في الإعلام والاتصال الأستاذ محمد الفهري شلبي “جرت العادة في تونس أن يكون التعليم والتكوين في واد وسوق الشغل في واد آخر. لقد أصبحت المسألة مستعجلة لإيجاد جسور بينهما للتنسيق في التعليم بل التعلّم ومتطلبات مختلف المؤسسات. وليس من الضروري أن يكون ذلك في نطاق خطط التنمية فقط بل هناك سبل أخرى منها الشراكة بين القطاعات المهنيـة ومؤسسات التعليم حسب اختصاصها.
اقترحت قبل عامين في معهد الصحافة وعلوم الأخبار أن يكون هناك يوم مفتوح مثلا كل عشية أربعاء في المعهد بين الطلبة والأساتذة من ناحية ومختلف المؤسسات المعنية بالانتدابات في مجالي الإعلام والاتصال، فهناك مهن جديدة ظهرت بفعل تكنولوجيا الإعلام والاتصال في مختلف المجالات، ليس في الإعلام فقط. ولم يعد هناك مهرب من الشراكة بين التعليم والتشغيل.
على سبيل الذكر يعد اختصاص الهندسة من الاختصاصات التي ارتفعت البطالة في صفوف خريجيها، وقد عقدت عمادة المهندسين، الخميس الماضي 18 فبراير، ندوة صحفية حول ما يهم التكوين الهندسي وسبل الارتقاء به، وطرحت مسألة المدارس الخاصة والشهائد المسندة، غير أن الأهم كان تمسك العمادة بدورها في السهر على النهوض بمهن الهندسة وكيفية التكوين والمساهمة في تقدير حاجيات البلاد من المهندسين في نطاق مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعلام الإدارة بصفة دورية بما يتوفر من المهندسين حسب اختصاصاتهم وملامحهم المهنية كما يحدده النص المحدث للعمادة. وقرر مجلس العمادة في يناير 2016 تحمل مسؤولياته في ضمان جودة التكوين الهندسي”.
وأضاف شلبي أعتقد أنه وجب الآن على الجهتين أن تسعيا في سبيل رفع مستوى التكوين وتقدير حاجيات البلاد من هذا الاختصاص، فالمشكل هو أن الهيئات المهنية مثل عمادة المهندسين ليست موجودة في كل الاختصاصات للمبادرة. لذلك فإنه يتوجب على الجامعات أيضا أن تبذل جهدا للذهاب نحو المهنة. والتفاعل بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل بمؤسساته وهيئاته المهنية هو الحل لضمان تكوين يتلاءم مع التشغيل.
هذا، ويظل الاختلال بين أعداد حاملي الشهادات الجامعية وعروض العمل راجعا إلى غياب الشراكة بين قطاعي التعليم والتشغيل، وهي شراكة لم تتخذها الدولة ركيزة أثناء وضع مخططات التنمية خاصة وأن خريجي الجامعات في تونس يفضلون العمل في المؤسسات الحكومية إلى جانب إصلاح التعليم والتركيز على الجانب التطبيقي لإكساب الخريجين خبرات تمكنهم من الحصول على عمل ضمن مؤسسات تحتاج إلى كفاءتهم.