بطء إصلاح المؤسسات المانحة يترك العالم أكثر عرضة للمخاطر

يهيمن الإحباط الممزوج بالقلق على معظم الخبراء والمدافعين عن البيئة بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي الذي تجثم عليه مجموعة واسعة من الأزمات المركبة وعلى رأسها هاجس نقص التمويل، خاصة مع المسار البطيء لإصلاح المؤسسات الدولية المانحة.
مراكش (المغرب) - برزت داخل أوساط الخبراء علامات الإجماع على أن قلة مصادر التمويل وصعوبة الحصول عليها، في ظل التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تشكلان أكبر العراقيل أمام التحول المستدام والتي تجعل الدول أكثر عرضة للأخطار.
وكان إصلاح المؤسسات المالية الدولية لتمكينها من مواجهة التحديات العالمية، ومن بينها التغيير المناخي، بشكل أفضل ضمن الكلمات التي ألقيت هذا الأسبوع في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في مراكش بالمغرب، والتي ستختتم الأحد المقبل.
إلا أن الأوساط الاقتصادية والخبراء يرون أن العملية تتقدم ببطء وهو ما يثير انتقادات في صفوف المدافعين عن البيئة الذين يمارسون ضغوطا هائلة من أجل التحول الأخضر دون أن يتمكنوا من تسجيل نقاط ملموسة على وجه كوكب الأرض.
وتشكل هذه الاجتماعات فرصة لإعادة تأكيد ضرورة إصلاح هاتين المؤسستين اللتين ولدتا بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وشدد الرئيس الجديد للبنك الدولي أجاي بانغا على ضرورة أن تكون مؤسسته أكثر فاعلية وتتمتع بوسائل أوسع لوضع خارطة طريق جديدة أكثر طموحا، مع شعاره الرئيسي “القضاء على الفقر في عالم قابل للعيش”.
ويأمل بانغا في الحصول على “قدرات تمويل إضافية قدرها 150 مليار دولار خلال العقد الراهن”، على أن يتوجه إلى المساهمين في البنك، أي الدول الأعضاء، لتوسيع حجم المؤسسة.
ومن شأن إصلاحات تقنية السماح من الآن بتوفير المزيد من الأموال من خلال استخدام الموارد المتاحة حاليا بطريقة فضلى. أما بقية المسار فتستغرق مزيدا من الوقت.
وأيد وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير “نهجا تدريجيا” مع البدء بتقييم حاجات البنك الدولي “ومن ثم زيادة رأس المال الهجين” الذي يشمل الديون ورأس المال المساهم.
ورأى أن “المرحلة الثالثة التي لن تحصل قبل 2025 على أقل تقدير، ستشمل رفعا شاملا لرأسمال البنك الدولي”.
غير أن هذا الجدول الزمني بطيء نظرا إلى خطورة الأزمة المناخية، خاصة وأن الكثير من الصناعات مثل قطاع النفط والغاز متهمة بتثبيط محاولات التحول الأخضر بشكل سريع.
وأبدى أوسكار سوريا، مدير حملة في منظمة أفاز غير الحكومية ومتواجد في مراكش، امتعاضه من كون الأمور “لا تزال في مرحلة المراقبة”.
وأكدت فريدريكيه رودر من منظمة غلوبال سيتيزن أن “الأمور لا تتقدم بالسرعة الكافية”. وقالت “نسجل تقدما ملموسا وهذا جيد لكن الطموحات يجب أن تكون أكبر من ذلك بكثير”.
في المقابل كان مراقبون يأملون حصول تقدم في مسائل الحوكمة مثل احتمال القبول الرسمي بانضمام مجموعة في20، التي تضم 68 دولة من الأكثر ضعفا حيال التغير المناخي، إلى مؤسسات صندوق النقد الدولي.
وقال وزير المال الغاني كين أوفوري – أتا الذي يرأس مجموعة في20 إن هذا الانضمام “لن يقتصر على الحصول على مقعد حول الطاولة وتوفير صوت للضعفاء”، ذاكرا خبرة المجموعة “في ترابط مسائل المناخ والديْن والتنمية”.
ومن المسائل الحساسة الأخرى تمويل البنك الدولي مشاريع للطاقة الأحفورية يطالب الناشطون البيئيون في مراكش بالتخلي عنها نهائيا ويتظاهرون بانتظام احتجاجا عليها أمام مركز المؤتمرات.
وتبدو ريبيكا تايسن من شبكة كلايمت أكشن نيتوورك أحد أبرز المتذمرين من وجود “تضارب فعلي بين ما يدعي البنك الدولي أنه يقوم به وما يقوم به فعلا على الأرض”.
وبعدما سئل مرات عديدة عن الدعم المتضارب أكد بانغا الذي تولى منصبه في يونيو الماضي أن الاستثمارات المباشرة في هذا المجال اقتصرت العام الماضي على 170 مليون دولار في قطاع الغاز، بينما كانت الالتزامات تقدر بـ120 مليارا.
وأقرت حزمة تمويلات للمؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك والتي توفر قروضا من دون فوائد أو بفوائد منخفضة لأفقر دول العالم قدرها 93 مليار دولار في عام 2021 للسنوات المالية 2022 – 2025.
ودافع بانغا عن دور الغاز “حتى لو كان محدودا” في عملية التحول في مجال الطاقة. فانبعاثات غازات الدفيئة من الغاز الطبيعي أقل من تلك الناجمة عن الفحم أو النفط مع أن المدافعين عن البيئة يعتبرون أن بصمته المناخية الفعلية تثقلها تسربات الميثان.
وانتقدت ريبيكا تايسن مدافعة بانغا عن الغاز موضحة “يجب بطبيعة الحال الاستثمار أولا في الطاقات المتجددة والتفكير أيضا في كيفية ضمان وصول الكهرباء والطاقة إلى السكان”.
لكن يبدو أن الاستثمارات المباشرة تخفي تمويلات أخرى. فرأت منظمة أورغيفالد غير الحكومية الألمانية أن البنك الدولي وفر في الواقع 3.7 مليار دولار لقطاعي النفط والغاز خلال العام الماضي.
وفي العام الماضي حذر خبراء البيئة من أن تراخي حكومات في معالجة معايير تمويل المشاريع الضارة بالمناخ سيزيد من تعقيد أي مسار لتحقيق الحياد الكربوني إن لم يقم المسؤولون سريعا بإصلاح سياسة الدعم المقدمة للاستثمارات.
وقال باحثون من ذا بي تيم وبيزنس فور ناتور في دراسة نشرت خلال فبراير 2022 إن “الإعانات التي تضر بالنظم البيئية والحياة البرية والمناخ تصل إلى ما يقرب من تريليوني دولار سنويا”، لتزيد الضغوط على الدول.
وتعد الدراسة الأولى منذ أكثر من عقد وتضمنت تقدير القيمة الإجمالية للأضرار البيئية والإعانات، وهي مدعومة من تحالف عالمي من الشركات التي تسعى إلى وقف فقدان التنوع البيولوجي وتعزيز الاستدامة.
وخلص الباحثون إلى أن ما لا يقل عن 1.8 تريليون دولار سنويا من الأموال الحكومية والإعفاءات الضريبية وأشكال الدعم الأخرى تذهب إلى الممارسات الضارة.
ويشمل ذلك الزراعة والبناء والغابات والوقود الأحفوري ومصايد الأسماك البحرية والنقل والمياه، وهي القطاعات المسؤولة عن غالبية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.
ويُنظر إلى تحسين حفظ وإدارة المناطق الطبيعية، مثل المتنزهات والمحيطات والغابات، على أنه أمر بالغ الأهمية لحماية النظم البيئية التي يعتمد عليها البشر والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى الأهداف المتفق عليها دوليًا.
لكن لا يزال قطع أشجار الغابات متواصلا، وغالبا ما يحصل ذلك لإنتاج سلع مثل زيت النخيل وفول الصويا، مما يدمر التنوع البيولوجي ويهدد الأهداف المناخية، حيث تمتص الأشجار نحو ثلث انبعاثات الاحتباس الحراري عالميا.