بشرى سارة للعلماء: بريطانيا تعود إلى برنامج البحوث الأكبر في العالم

برنامج هورايزن الأوروبي مفصلي في حركة تطور البحث العلمي والابتكار.
الجمعة 2023/09/08
البرنامج يعزز مكانة بريطانيا عالميا

بعد أكثر من عامين على غياب علمائها عنه بسبب بريكست، ستنضم المملكة المتحدة مجددا إلى برنامج البحث والابتكار التابع للاتحاد الأوروبي "هورايزن يوروب"، في خطوة رحّب بها المجتمع العلمي البريطاني.

لندن - يمثل الإعلان عن عودة بريطانيا إلى برنامج هورايزن الأوروبي للبحوث بشرى سارة للعلماء، إذ إن البرنامج الضخم من حيث التمويل والإشعاع مفصلي في حركة تطور البحث العلمي والابتكار عالميا. وأكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن المملكة المتحدة ستنضم مجددا إلى برنامج الأبحاث العلمية الرائد للاتحاد الأوروبي “هورايزن أوروبا” (أفق أوروبا).

وقال سوناك إنه اعتبارا من الخميس، يمكن للعلماء البريطانيين التقدم مرة أخرى للحصول على منح من البرنامج الذي تبلغ قيمته 85 مليار جنيه إسترليني، وهي خطوة حظيت بترحيب واسع من المجتمع العلمي في المملكة المتحدة الذي كان ذات يوم أحد المستفيدين الرئيسيين من الصندوق.

ورحّب العلماء بالاتفاق قائلين إنه “يوم عظيم للباحثين في المملكة المتحدة وفي كل أنحاء أوروبا” ومصدر ارتياح بعد عامين ونصف عام من “عدم اليقين”، ما رفع الآمال بين الناشطين المناهضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في المزيد من التعاون الوثيق مع الكتلة.

وقالت لندن إنها استُبعدت من البرنامج الذي يموّل مشاريع بحثية بسبب خلافها مع بروكسل بشأن الترتيبات التجارية في مرحلة ما بعد بريكست في إيرلندا الشمالية. لكن بعد مكالمة هاتفية الأربعاء بين رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أعلن الطرفان أن بريطانيا ستنضم مجددا إلى البرنامج بموجب ما وُصف بأنه “اتفاق خاص”.

وقال بول نورس، الحائز على جائزة نوبل ومدير مركز بحوث الطب الحيوي في معهد فرانسيس كريك، إنه “مسرور جدا لرؤية أن الشراكات مع علماء الاتحاد الأوروبي ستستمر”.

وجاء في بيان مشترك صادر عن أكاديمية العلوم الطبية والأكاديمية البريطانية والأكاديمية الملكية للهندسة والجمعية الملكية “هذا يوم عظيم للباحثين في المملكة المتحدة وفي كل أنحاء أوروبا”. وأضاف أن “برنامج ‘هورايزن’ هو منارة للتعاون الدولي، والآن سيعود الباحثون الأكاديميون والصناعيون في المملكة المتحدة إلى قلب ذلك”.

ماذا يعني الاتفاق

 الحكومة البريطانية أن العودة إلى “هورايزن يوروب” ستمنح علماء البلاد “فرصا لا تضاهى” مقابل كلفة منخفضة بالنسبة إلى دافعي الضرائب البريطانيين
◙ الحكومة البريطانية ترى أن العودة إلى "هورايزن يوروب" ستمنح علماء البلاد "فرصا لا تضاهى" مقابل كلفة منخفضة بالنسبة إلى دافعي الضرائب البريطانيين

وأوضحت الحكومة البريطانية أن العودة إلى “هورايزن يوروب” ستمنح علماء البلاد “فرصا لا تضاهى” مقابل كلفة منخفضة بالنسبة إلى دافعي الضرائب البريطانيين. ويقدر الاتحاد الأوروبي أن المملكة المتحدة ستساهم بـ2.2 مليار جنيه إسترليني (حوالي 2.6 مليار يورو) سنويا في المتوسط لبرنامج “هورايزن يوروب” ومرصد كوبرنيكوس الأوروبي اعتبارا من الأول من يناير من العام المقبل. لكنها لن تضطر إلى الدفع مقابل الوقت الذي كانت مستبعدة فيه من البرنامج.

وجاء في البيان “كجزء من الاتفاق الجديد الذي تم التفاوض عليه خلال الأشهر الستة الماضية، حصل رئيس الوزراء على شروط مالية محسّنة للانضمام إلى ‘هورايزن يوروب’ مناسبة للمملكة المتحدة”.

وقالت فون دير لاين إن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة “شريكان وحليفان إستراتيجيان رئيسيان، والاتفاق يثبت ذلك”. وأضافت “سنستمر في أن نكون في طليعة العلوم والبحوث العالمية”. ويعني الاتفاق أنه يمكن للباحثين في المملكة المتحدة التقدم للمشاركة في مشاريع بحثية في إطار برنامج “هورايزن يوروب” وهو الأكبر من نوعه في العالم.

بول نورس: مسرور لرؤية أن الشراكات مع علماء الاتحاد الأوروبي ستستمر
بول نورس: مسرور لرؤية أن الشراكات مع علماء الاتحاد الأوروبي ستستمر

وتبلغ ميزانيته 95.5 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 بلدا، بالإضافة إلى مساهمات من الدول الشريكة لتمويل البحوث المرتبطة بمجالات مختلفة مثل الأزمات الصحية وتغير المناخ. لكن الاتفاق الجديد لا يخوّل للمملكة المتحدة المشاركة في برنامج “يوراتوم” للتكنولوجيا النووية للاتحاد الأوروبي.

وقال داونينغ ستريت إن بدلا من ذلك “ستمضي (لندن) قدما في إستراتيجيتها الخاصة بطاقة الاندماج”. واستفادت بريطانيا أكثر من أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي من المنح المقدمة في إطار برنامج “هورايزن” الذي قدم التمويل وقيادة مجموعات البحث لعموم أوروبا والوصول إلى المعدات والمرافق.

وفي العامين الماضيين منذ طرد المملكة المتحدة من “هورايزن”، تدخلت حكومة المملكة المتحدة لمضاهاة أموال منح الاتحاد الأوروبي المفقودة. ولقد أثار خروج المملكة المتحدة من “هورايزن” استياء العلماء، الذين شعروا أن فقدان العلاقات العلمية مع أوروبا يقوض هدف الحكومة المعلن في أن تصبح “قوة علمية عظمى” باعتبارها جوهر الانتعاش الاقتصادي.

وقد وصف البنك المركزي البريطاني سابقا الارتباط مع برنامج أفق الاتحاد الأوروبي بأنه “مربح للجانبين”. ويخشى علماء بريطانيون من تأثير نقص التمويل في إطار برنامج “هورايزن يوروب”، المصمم للمساعدة في تمويل الإنجازات العلمية.

وكانت المملكة المتحدة قد تلقت خلال فترة الأعوام الستة الأخيرة من برنامج “هورايزن”، التي انتهت في عام 2020، مليارا و500 مليون جنيه إسترليني، أي أكثر من أي دولة أخرى في المنظومة، وخمس إجمالي المبلغ الذي قدمته عاصمة الاتحاد الأوروبي. وكانت بريطانيا تتفاوض مع الاتحاد الأوروبي بخصوص العودة إلى البرنامج بعد أن سوت لندن وبروكسل في فبراير نزاعهما حول قواعد التجارة التي تحكم أيرلندا الشمالية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتحسنت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة منذ التوقيع في مطلع مارس على “إطار وندسور” الذي يسمح بحريّة مرور البضائع الآتية من باقي أنحاء المملكة المتّحدة إلى إيرلندا الشمالية وغير المتجهة إلى إيرلندا وبالتالي إلى السوق الأوروبية الموحدة.

ما أهمية هورايزن

برنامج “هورايزن يوروب” هو البرنامج الإطاري التاسع للاتحاد الأوروبي للبحوث والابتكار الذي يغطي الأعوام 2021-2027
◙ برنامج “هورايزن يوروب” هو البرنامج الإطاري التاسع للاتحاد الأوروبي للبحوث والابتكار الذي يغطي الأعوام 2021-2027

برنامج “هورايزن يوروب” هو البرنامج الإطاري التاسع للاتحاد الأوروبي للبحوث والابتكار الذي يغطي الأعوام 2021-2027. وهو يَخلف برنامج “هورايزن 2020”. وبميزانية سنوية قدرها 95.5 مليار يورو يعدّ أكبر برنامج لتمويل الأبحاث والابتكار في العالم.

إن عدم ارتباط بريطانيا بشكل كامل ببرنامج “هورايزن يوروب” يعني أن الشركات والباحثين البريطانيين لن يكونوا قادرين على تنسيق المشاريع الأوروبية والإشراف على تنفيذها. ويعني تنسيق أحد المشاريع، المساعدة على تحديد أولويات البحوث الأوروبية في المستقبل، وبالتالي تشكيل تطوير مجال البحث والابتكار على نطاق قاري.

وبالإضافة إلى ذلك، يتم حرمان الباحثين البريطانيين من المشاركة في منح ماري سكوودوفسكا كوري، ومجلس الابتكار الأوروبي، كما لن يعود بإمكانهم الحصول على منح من مجلس البحوث الأوروبي. كما أن الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم معرّضة للخطر بدورها. وهذه الشركات هي في صميم الركيزة الثالثة لبرنامج الاتحاد الأوروبي، المُكَرَّسة لتطوير نتائج البحوث وتسويقها.

وعلاوة على ما سبق، يتيح الوصول إلى البرامج الأوروبية لبريطانيا اجتذاب أفضل المواهب. وبدون وجود هذا الارتباط، سوف يغادر هؤلاء الباحثون بريطانيا ليستقروا في دول أوروبية أخرى، أو أنهم لن يأتوا إلى لندن أصلا في حال حصولهم على منحة من مجلس البحوث الأوروبي. وإذا فُقد هذا الاتصال، فإن الشباب الذين يرغبون بمتابعة دراساتهم سيتجنبون بريطانيا أيضا لأنها تحد من فرصهم في الانضمام إلى شبكة الأبحاث الأوروبية.

لندن تلقت خلال الأعوام الستة الأخيرة مليارا و500 مليون جنيه إسترليني، أي خمس إجمالي المبلغ الذي قدمه البرنامج
◙ لندن تلقت خلال الأعوام الستة الأخيرة مليارا و500 مليون جنيه إسترليني، أي خمس إجمالي المبلغ الذي قدمه البرنامج

ويهدف برنامج “هورايزن يوروب” إلى تعزيز التحول الأخضر والرقمي في جميع أنحاء أوروبا. ولا يتعلق “هورايزن يوروب” بالمجال البحثي فقط بالضرورة، فالبحوث في نهاية المطاف هي وسيلة لتحقيق هدف تحسين الحياة للجميع. وبفضل البحوث، يمكن إيجاد حلول لمشاكل العالم الملحة في مجالات متعددة مثل الصحة والبيئة.

بالإضافة إلى ذلك، تساعد الأبحاث على تعزيز الابتكار في مجال الاقتصاد، وبالتالي خلق فرص العمل. وفي يومنا هذا، تجرى غالبية الأبحاث، سواء تلك المتعلقة بتغير المناخ أو أمراض السرطان، أو الطاقة، أو جائحة كورونا المستمرة حاليا، من خلال تعاون دولي. وتوفر برامج البحث في الاتحاد الأوروبي فرصة فريدة للتعاون الدولي بين الجامعات وقطاع الصناعة والشركات صغيرة ومتوسطة الحجم.

قالت رئيسة بحوث السرطان في المملكة المتحدة ميشيل ميتشل إن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ينبغي لهما الآن "العمل بشكل عاجل لإعادة بناء الموقع القوي الذي كانت تحتله المملكة المتحدة في برنامج هورايزن". وأضافت "سيكون هناك ارتياح في المجتمع البحثي برمته بعد وصول حالة عدم اليقين التي سادت خلال العامين ونصف العام الماضيين إلى نهايتها".

وأطلقت الحكومة البريطانية إجراءات قانونية ضد استبعادها من برامج البحث العلمي الأوروبية، عبر آلية نص عليها اتفاق ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأوضحت وقتها أن هذا الإجراء اتخذ بسبب "التأخيرات المستمرة" في وصولها إلى برامج العلوم في الاتحاد الأوروبي.

وأشارت إلى أنها تفاوضت عام 2020 بشأن الوصول إلى "هورايزن يوروب"، لكن الكتلة "ما زالت ترفض استكمال" إدراجها في البرامج الأكاديمية. إلا أن الاتحاد الأوروبي قال إنه ليس ملزما بإشراك بريطانيا في هذه البرامج، ورفض السماح بإعادة عضويتها حتى تفي لندن بالتزاماتها بموجب الاتفاق بالكامل. وأوضحت الكتلة أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بشأن التجارة في إيرلندا الشمالية "سمح باستئناف محادثات الشراكة. لذلك حان الوقت للمضي قدما في الخطوات النهائية للشراكة مع المملكة المتحدة".

7