بشار الأسد المحايد يلعب أوراقه بهدوء بينما غزة تحترق

النظام السوري يوظف حرب غزة لتخفيف العقوبات ونيل المساعدة الاقتصادية.
الأربعاء 2024/01/31
مكافأة على الحياد

دمشق - حوّل الرئيس السوري بشار الأسد الكارثة في غزة لصالحه، مثلما فعل إثر الزلزال الذي دمر شمال غرب سوريا في 2023 وتحرك مرة أخرى بلعب ورقة الحيادية. وشهدت سوريا زلزالين خلال 2023، كان الأول في السادس من فبراير، وشكّل كارثة طبيعية زادت من بؤس شعب دمرته الحرب بالفعل بينما كان مغيثا لنظام الأسد.

ومنحت “دبلوماسية الأزمة” الدول العربية فرصة التقدم في تطبيعها مع دمشق وللمانحين الدوليين لإعادة تأكيد تحيزهم المختار لصالح العمل مع الحكومة الرسمية، بغض النظر عن سوء إدارتها المتعمّد وسجلها الوحشي، لكن الطبيعة كانت بريئة من الزلزال الثاني، وهو هجوم حماس على إسرائيل والهجوم الإسرائيلي اللاحق على غزة.

وهزت هذه الحرب منطقة اعتبرها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قبل أسبوع من الصراع “أكثر هدوءا اليوم مما كانت عليه منذ عقدين". ويقول مالك العبدة، محلل شؤون الشرق الأوسط، في تقرير نشره موقع عرب دايجست، إن نظام الأسد يعمل هنا أيضا على الاستفادة من حياده غير المعلن في حرب غزة لتخفيف العقوبات عن نفسه ونيل المساعدة الاقتصادية.

◙ الحياد السلبي والتزام الصمت يشكلان محاولة حكومية لتقديم دمشق نفسها طرفا مفيدا في أوقات الأزمات
◙ الحياد السلبي والتزام الصمت يشكلان محاولة حكومية لتقديم دمشق نفسها طرفا مفيدا في أوقات الأزمات

وتبدو خطة "المكافأة على الحياد" فعالة، وهي تقلق الدبلوماسيين في أوروبا والمنطقة لأنها تثير أسئلة صعبة حول كيفية موازنة الغرب بين التزامه بحل سياسي شامل لسوريا وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يتطلب مواصلة الضغط على الرئيس السوري، والرغبة في منع انهيار الدولة في مناطق النظام.

وحافظ نظام الأسد منذ هجوم السابع من أكتوبر على موقف “الحياد السلبي”. وحظرت دمشق على الرغم من عدائها الصريح لإسرائيل الاحتجاجات المؤيدة لغزة، وقصرت أعمال التضامن عبر الحدود على عدد قليل من قذائف الهاون والصواريخ غير المؤثرة. ولم يرد النظام على المئات من الغارات الجوية الإسرائيلية على الجماعات التابعة لإيران وبنيتها التحتية الموجودة داخل حدوده، بينما واصل قصفه لإدلب.

والتزمت السلطات الصمت حتى عندما اغتالت إسرائيل ضباطا رفيعي المستوى في الحرس الثوري الإيراني في دمشق. ولم يكن هذا مجرد رد فعل سلبي على تهديدات إسرائيل بالبقاء خارج الصراع، بل شكّل محاولة حكومية لتقديم دمشق نفسها طرفا مفيدا في أوقات الأزمات.

وتلعب أنظمة إقليمية أخرى لعبة مماثلة، حيث إن دول الخليج التي كانت على طريق التطبيع مع إسرائيل، والتي أبقت نفسها على مسافة صحية من أي خطوة يمكن تفسيرها على أنها تصعيد، تلقت مكافآت بالفعل. ويذكر مثال إسقاط ألمانيا حق النقض على مبيعات طائرات “يوروفايتر تايفون” الحربية إلى المملكة العربية السعودية وتكثيف المشاركة الدبلوماسية الألمانية والفرنسية مع الرياض بشأن تدابير خفض التصعيد الإقليمية.

ويبدو أولئك الذين كانوا يضغطون من داخل مؤسسة السياسة الخارجية الأوروبية لزيادة التواصل مع دمشق مغتنمين لهذه الفرصة لمكافأة سوريا على حيادها. ويرى العبدة أن هذا ما يحتاجه الأسد بشدة، بعد أن بلغ يأسه مرحلة الإعلان عن تغييرات تجميلية في نظامه يمكن أن يستغلها دعاة المشاركة لتبرير التنازلات لصالحه.

◙ خطة "المكافأة على الحياد" فعالة، لكنها تثير أسئلة حول الموازنة بين الالتزام بحل سياسي ومنع انهيار مناطق النظام

ويشمل هذا هدفا طموحا يكمن في وجود جيش من المتطوعين بالكامل، واندماج محتمل لبعض الفروع الأمنية وإغلاق فروع أخرى مثل فرع فلسطين سيء السمعة، وإنشاء “أمانة عامة للرئاسة” تعوّض وزارة شؤون رئاسة الجمهورية. ويحصد الأسد بهذا نتائج منطق التنازلات المتبادلة بين دمشق والغرب، الذي دعت إليه بعض مراكز الأبحاث والمبعوث الخاص للأمم المتحدة منذ 2019.

وقد تأتي إعلانات النظام ذات التوجه الإصلاحي، المتزامنة مع بقاء سوريا خارج المعركة في غزة، بمكافأة تشمل تخفيف العقوبات، والمزيد من رحلات الدبلوماسيين الأوروبيين إلى دمشق، والمزيد من المساعدات الإنمائية لإعادة الإعمار إلى مستوى كان يعتبر خطا أحمر للاتحاد الأوروبي حتى وقت قريب. وقد يضاعف الأوروبيون من خطابهم حول المساءلة وقرار مجلس الأمن رقم 2254 لاسترضاء المنتقدين. وأعربت مصادر دبلوماسية أوروبية بالفعل عن قلقها من أن مؤتمر المانحين في بروكسل هذا العام قد يكون مسرحا لمثل هذه المواقف العلنية التي تخفي بشكل أفضل التورط مع الأسد.

وستكون مكافأة الأسد بهذه الطريقة انتصارا للأوروبيين الذين يعتبرونه الفاعل الأفضل القادر على الحفاظ على الدولة السورية وإدارة ملف اللاجئين. ويرى البعض أن ترك الأسد على رأس السلطة يُبقي حصنا ضد التصعيد الإيراني المنبثق من الأراضي السورية، على الرغم من انتشار عشرات الآلاف من رجال الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني هناك بالفعل.

ويتماشى سيناريو مكافآت الحياد مع سلسلة من التطورات الأخرى التي تشمل تعيين موظفين يميلون إلى النظام في العديد من وزارات التنمية الأوروبية، واقتراح منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إنشاء صندوق جديد للأمم المتحدة للمساعدة في الإنعاش المبكر بدا مصمما للنظام ودول مجلس التعاون الخليجي، والزيارات المتكررة التي أداها رئيس إدارة المخابرات العامة في سوريا حسام لوقا إلى الرياض، والتوغلات المسلحة الأخيرة في الأردن التي نظمها ماهر الأسد الذي يقال إنه غير سعيد لأن المناقشات بين دمشق والرياض شملت مصير الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش السوري التي يقودها.

ويعتمد ما إذا ستحقق “مكافآت الحياد” ومداها على تأكيد القوى المخضرمة والأكثر مبدئية في مؤسسة السياسة الخارجية الأوروبية. ويتوقف الأمر كذلك على ما إذا قد تنشأ أفكار أكثر مصداقية لمعالجة المعضلة الأوروبية المتمثلة في كيفية مساعدة المدنيين المحتاجين دون دعم النظام الذي يشكل السبب الجذري لمعاناتهم.

ويشمل النقاش اليوم مساعدات الإنعاش المبكر الحيوية بين الغرب ودمشق، لكنها تحتاج إلى نهج “كل سوريا” الذي يعتبر أن جميع المناطق تستحق المساعدة الإنسانية المتساوية ويفرض المشاركة مع السلطات لتنفيذها بفعالية، حيث لا تعتبر أي من سلطات الأمر الواقع أقل شرعية من نظام الأسد. وقد يساهم دعم بعضها في تقوية أيدي أوروبا بدلا من إضعافها. واستفاد النظام السوري من حرب غزة داخليا، إذ صرفت الأنظار عن الاحتجاجات التي يواجهها النظام.

ويقول الإعلامي السوري عبدالرحمن ربوع إن نظام بشار الأسد استفاد إلى حد كبير من الأحداث في غزة، وبات كل شيء معطلا ومتوقفا في سوريا فيما الجميع يتابع مأساة غزة، ما عدا قوات النظام التي تقصف إدلب وحلب ودير الزور. وأضاف ربوع أنه في نفس الوقت ثمة انشغال عربي عن سوريا بالتركيز على موضوع فلسطين، وبالفعل توقف كل ما يتعلق باللجنة الوزارية العربية واجتماعات النظام والمعارضة في العاصمة العمانية مسقط، بينما الشيء الوحيد الذي استمر وربما ازدهر هو تصنيع وتصدير المخدرات إلى الدول العربية ونمو إيراداتها في هذه الفترة.

6