بريكس ليست علاجا لأمراض تركيا السياسية والاقتصادية

إسطنبول - سيسلط الانضمام إلى مجموعة بريكس الضوء على توازن تركيا بين الغرب والجنوب العالمي، لكن نقاط ضعف المنظمة المؤسسية ستحد من قدرتها على دعم النمو الاقتصادي التركي أو تقليل اعتماده على الدولار.
وعبّرت تركيا خلال الأسابيع الأخيرة، مرة أخرى، عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة بريكس متعددة الأطراف الشاملة للاقتصادات الناشئة التي سميت باسم أعضائها الأصليين (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا).
وحضر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان اجتماع وزراء خارجية بريكس في روسيا يومي 10 و11 يونيو الجاري.
وفي اجتماع على هامش لقاء جمع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفيدان في 11 يونيو، قال بوتين “إننا نرحب باهتمام تركيا بعمل مجموعة بريكس… مما لا شك فيه أننا سندعم بشكل كامل هذا الطموح والرغبة في أن نكون إلى جانب دول هذا الاتحاد، لنكون أقرب”.
ويعكس الحوار في روسيا محادثة مماثلة أجراها فيدان مع كبار المسؤولين الصينيين خلال جولته في الصين يومي 3 و5 يونيو. وقد أعرب خلالها أيضا عن طموحات تركيا للانضمام إلى بريكس.
وتأسست مجموعة بريكس في الأصل سنة 2009 وشملت البرازيل وروسيا والهند والصين، وانضمت إليها جنوب أفريقيا في وقت لاحق. ووسعت عضويتها مؤخرا لتشمل إيران ومصر وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، التي انضمت سنة 2024.
تأثير الانضمام إلى المجموعة سيكون محدودا، ولن تحقق العضوية تغييرات جذرية في السياسة الخارجية التركية
وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، منذ2018، عن اهتمامه بانضمام تركيا إلى بريكس أثناء حضوره قمة المجموعة العاشرة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا.
وكان ذلك “أول اتصال رفيع المستوى” لتركيا مع منظمة البريكس. وقال أردوغان حينها “نحن شركاء مع هذه الدول الخمس ضمن مجموعة العشرين الكبار. أتمنى أن تتخذ خطوات لابد منها لقبول عضويتنا كي نحتل مكاننا في بريكس”.
وجاء في تقرير لموقع ستراتفور أن اهتمام تركيا بعضوية بريكس يتزامن مع سعي أنقرة إلى موازنة علاقاتها مع الدول الغربية وغير الغربية. لكن تأثيرها على المجموعة سيكون محدودا، ولن تحقق العضوية تغييرات جذرية في السياسة الخارجية التركية.
وخلقت عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي واتفاقها الجمركي مع الاتحاد الأوروبي علاقات اقتصادية وأمنية قوية مع الغرب. لكن هذه العلاقات تمنح الدول الغربية أيضا بعض النفوذ على الشؤون الخارجية التركية (مثل اشتراط الولايات المتحدة حصول تركيا على طائرات مقاتلة من طراز إف-16 بموافقتها على طلب انضمام السويد إلى الناتو).
وتسعى تركيا لموازنة هذا النفوذ بتعميق علاقاتها مع دول الشرق الأوسط وروسيا والصين. وتعزز هذا الجهد مؤخرا خلال جولات فيدان إلى روسيا والصين واهتمام تركيا بزيادة التجارة الثنائية والاستثمار، وخاصة الصيني، في اقتصادها.
الصادرات التركية إلى روسيا انخفضت بمقدار الثلث في الثلاثي الأول من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من 2023
وتحاول تركيا تأكيد كونها من القوى الوسطى في خضم هذا التوازن. لكن أنقرة كافحت لترسيخ نفوذها الدبلوماسي على الساحة العالمية.
وعلى سبيل المثال، تقرر استبعاد تركيا إلى حد كبير من المفاوضات بين إسرائيل وحماس رغم عروضها المبكرة للتوسط في الصراع المستمر بين الجانبين في غزة.
وكانت صفقة حبوب البحر الأسود التي توسطت فيها تركيا بين روسيا وأوكرانيا قصيرة الأجل.
وترى أنقرة لذلك في الانضمام إلى بريكس فرصة لتأكيد نفسها في منتدى اقتصادي دولي يمثل دول الجنوب العالمي، ووسيلة لتنويع علاقاتها السياسية والدبلوماسية خارج نطاق الغرب. لكن توسع بريكس المستمر سيجعل الإجماع المستقبلي صعبا حيث تصبح الكتلة أقل تجانسا، مما سيحد من قدرة تركيا على التأثير على المؤسسة.
ويشير التزام تركيا بالحفاظ على علاقاتها مع الغرب إلى أنها ستبقى حذرة من دعم أي اقتراحات سياسية من الصين أو روسيا بطريقة قد تؤثر على علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع الغرب، مما يجعلها أكثر اتساقا مع مواقف الهند والبرازيل داخل المجموعة.
وذكر فيدان أن العلاقات التركية الروسية تسير “بشكل جيد حقا” خلال اجتماع 11 يونيو مع بوتين. لكن التجارة الثنائية بين تركيا وروسيا انخفضت بعد الضغوط المالية الأميركية والتهديد بفرض عقوبات ثانوية على البنوك التركية.
إذا نالت تركيا العضوية، فقد تستفيد أنقرة أيضا من مبادرة بريكس لتوسيع التجارة بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على المعاملات المقومة بالدولار
ووفقا لصحيفة فاينانشال تايمز، انخفضت الصادرات التركية إلى روسيا بمقدار الثلث في الثلاثي الأول من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من 2023.
وبالإضافة إلى اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة بريكس، كانت تركيا منذ 2012 تحمل صفة “شريك حوار” في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة حكومية دولية تجمع الدول الأعضاء الآسيوية وتعزز التعاون العسكري والاستخباراتي والمبادرات الاقتصادية الإقليمية.
وأعرب أردوغان في 2022 عن اهتمامه بأن يصبح طرفا كامل العضوية في المنظمة، مما يدل على ميل تركيا إلى تنمية العلاقات الاقتصادية مع الصين.
ووصف فيدان في 4 يونيو، خلال زيارة إلى الصين،مجموعة بريكس بأنها “بديل جيد” للاتحاد الأوروبي الذي توقفت محادثات انضمام تركيا إليه لأكثر من عقد. لكن بريكس، التي تركز في المقام الأول على اقتصادات الدول الأعضاء فيها، تبقى كيانا أضعف بكثير من الاتحاد الأوروبي، الذي يشمل آليات سياسية واقتصادية ودفاعية. كما لم تؤسس مجموعة بريكس بيروقراطية دائمة ولم تحقق إلا القليل من النتائج الملموسة، باستثناء بنك التنمية الجديد وترتيب احتياطي الطوارئ، وهما بديلان للمؤسسات المالية الغربية مثل صندوق النقد الدولي.
وبينما قد يدعم الانضمام إلى بريكس جهود أنقرة المستمرة لتعزيز العلاقات مع الدول الأعضاء وجذب الاستثمار، يبقى من غير المرجح أن ترتفع المعاملات بالعملات المحلية بشكل كبير بسبب التجارة المحدودة داخل البريكس.
ويمكن أن تكمل عضوية بريكس جهود أنقرة الحالية لتعزيز التجارة الثنائية مع الصين والشرق الأوسط وجذب الاستثمارات إلى قطاعاتها المتنامية، وخاصة من المستثمرين الصينيين والإماراتيين.
وإذا نالت تركيا العضوية، فقد تستفيد أنقرة أيضا من مبادرة بريكس لتوسيع التجارة بالعملات المحلية لتقليل الاعتماد على المعاملات المقومة بالدولار.
ويمكن أن يعزل هذا الاعتماد المنخفض إلى حد ما تركيا عن المخاطر الخارجية المرتبطة بالمعاملات المقومة بالدولار ويقلل من تعرضها للتغيّرات في سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. لكن أنقرة ستواجه قيودا، لأن عضوية بريكس لم تحقق الكثير لزيادة التجارة بين الأعضاء بخلاف الصين. ويعني هذا أن التأثير العالمي الناتج عن زيادة المعاملات بعملات أعضاء البريكس المحلية يبقى محدودا. ومن غير المرجح أن تغير عضوية تركيا هذا المسار.
وتقود الصين وروسيا جهودا لتقليل الاعتماد على الدولار (في دول بريكس وعلى نطاق أوسع) بسبب قدرة الولايات المتحدة على تسليح عملتها في التجارة واحتياطيات النقد الأجنبي والعقوبات.
وليست التجارة بالعملات المحلية إلزامية لعضوية بريكس. لكن جل الدول الأعضاء وقعت اتفاقيات ثنائية لزيادة التجارة بغير الدولار.
وبينما اعتمدت روسيا التجارة بالعملات المحلية للتهرب من العقوبات الأميركية والأوروبية، من غير المرجح أن تتبعها البنوك التركية، لميلها إلى تقليص علاقاتها مع روسيا بعد تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية في ديسمبر 2023 ومرة أخرى في يونيو 2024.