بريطانيون يغوصون في الوحل بحثا عن قطع أثرية داخل نهر التايمز

لندن- هواية جديدة وغريبة أخذت في الانتشار بلندن، يسعى الهواة خلالها للعثور على قطعة من آنية خزفية يرجع تاريخها إلى العصر الروماني، أو عملة معدنية سكت منذ عدة قرون، ويمتد نهر التايمز عبر مناطق العاصمة البريطانية، ويمنح مكافأة للباحثين في خبايا الطمي بداخله عن بقايا أثرية، والذين يشقون طريقهم بحرص على ضفافه متطلعين للقيام برحلة تعيدهم إلى الزمن الماضي.
وهذه الهواية التي يطلق عليها مصطلح “مادلاركينج”، (الغوص في الوحل) عبارة عن البحث داخل مياه وطمي النهر عن قطع ذات قيمة، وأصبحت ممارستها تلقى إقبالا متزايدا في بريطانيا.
وهذا المصطلح كان يستخدم أصلا لوصف الأشخاص الذين يفتشون بهذه الطريقة داخل النهر في لندن، خلال الفترة الأخيرة من القرن الثامن عشر وخلال القرن التاسع عشر، وصارت هواية هذه الأيام يمارسها عدد متزايد من الهواة الذين يغربلون الطمي بنهر التايمز بحثا عما يجود به عليهم من الكنوز الأثرية.
وقالت المرشدة السياحية فانيسا بونتون، وهي عضو برابطة صندوق استكشاف التايمز غير الهادفة إلى الربح، “كان نهر التايمز في هذه المنطقة بمثابة مكب ضخم للمخلفات حتى في العصر الروماني، وكانت جميع الأشياء التي لم يعد للناس حاجة إليها تلقى في النهر”.
ويعني فيض المياه بنهر التايمز أن الأشياء التي تخلص منها السكان السابقون بلندن، يتم تقليبها من أسفل إلى أعلى بشكل منتظم، وتندفع إلى السطح ثم تعود مع الموج أو المياه إلى أعماق النهر، وقد يرجع تاريخ هذه الأشياء إلى العصور الوسطى، أو ربما إلى العصر الفيكتوري إلى جانب مخلفات المصانع وقت الثورة الصناعية.
وتعد الأنابيب المصنوعة من الفخار هي الأشياء التي عادة ما يعثر عليها الباحثون الهواة عن القطع المدفونة، ويرجع تاريخها إلى مئات الأعوام، وحينذاك كانت هذه الأنابيب تباع وهي محشوة بالتبغ، ويشتريها المدخنون ثم يلقونها بعد الاستعمال، وكانت تلك الممارسة تشبه قليلا نسخا مبكرة من السجائر المعروفة اليوم.
وكان الباحثون الهواة يكتشفون أحيانا أنبوبة فخارية كاملة، وغالبا ما كانوا يعثرون على القطع المكسورة الكثيرة المدفونة في الطمي البراق، وليست كلها بذات الشكل وفقا لبونتون.
وأضافت “العاملون القدامى بنهر التايمز كانوا يقطعون الأنابيب الفخارية الطويلة حتى يستطيعوا العمل والتدخين بشكل أفضل في نفس الوقت”، متابعة بعد أن لمحت قطعة من الزجاج “سكان لندن في الماضي كانوا يدخنون كثيرا، كما كانوا مغرمين بتناول الشراب، هذه القطعة الزجاجية هي جزء من زجاجة نبيذ خضراء اللون، ويرجع تاريخها إلى قرابة 300 عام أو 350 عاما”.
ويقدم إليها أشخاص آخرون في الجولة الأشياء التي عثروا عليها، واكتشف الكثيرون منهم مجموعات من العظام. وعمليات البحث والاستكشاف في طمي نهر التايمز محكومة بقواعد صارمة، ويمكن للأشخاص أن يأخذوا ما يمكن أن يروه بأعينهم المجردة، والحفر محظور إلا في حالة الحصول على تصريح رسمي من هيئة الميناء. ومع ذلك فإنه إذا ما تم العثور على شيء له قيمة خاصة، فيجب عندئذ إبلاغ متحف لندن.
وتعد بونتون، وهي خبيرة أثرية، من بين أشخاص كثيرين يقدمون جولات للبحث عن الأشياء المخبأة في طمي التايمز، ويمكن أن تكون هذه العملية محاطة بالأقذار حيث يمكن للجراثيم أن تعيش في النهر، ومن هنا فإنه يتم نصح المشاركين بارتداء قفازات تستخدم لمرة واحدة وأحذية قوية تحمي القدمين.
ويمكن العثور على الكثير من الأشياء التاريخية في المناطق المتاخمة للتايمز، حيث أن النهر كان عريضا في الماضي وصارت بعض روافده كامنة تحت الأرض كممرات للمياه الجوفية.
وأحيانا تكشف أعمال التشييد عن أشياء لسكان “لوندينيوم” كما كان الرومان يطلقون على المدينة قديما، وأثناء إنشاء المقر الأوروبي لشركة بلومبرج للبيانات المالية في الحي المالي، كشفت أعمال الحفر عن أكثر من 14 ألف قطعة تتراوح بين أحذية جلدية و400 من الألواح الخشبية المكتوب عليها بخط اليد، من بينها كمبيالة يرجع تاريخها إلى حوالي ألفي عام، ويمكن الآن مشاهدة نحو 600 قطعة فنية تم العثور عليها معروضة داخل المبنى ومحفوظة جيدا.
ويحلم معظم الباحثين بالعثور على مثل هذه القطع المكتشفة، ومع ذلك فإنهم يعثرون على قطع رائعة كثيرة. ولفتت بونتون إلى أن أجمل ما عثرت عليه هو مقبض سكين يرجع تاريخه إلى 500 عام، مصنوع من عظام عجل. وأضافت أن أحد أفضل الأشياء حول هواية البحث في الطمي هو إعادة تجديد مياه نهر التايمز، وتشير إلى “ظهور عجول النهر مرة أخرى”.
وكان الباحثون السابقون الهواة عن محتويات النهر قبل ذلك في القرن الثامن عشر، عبارة عن أطفال فقراء يبحثون عن الأخشاب والحبال على ضفاف النهر، وترجع شعبية هذه الهواية حاليا جزئيا إلى كتاب كان من أكثر الكتب مبيعا عنوانه “مادلاركينج: المفقود والمكتشف على ضفاف نهر التايمز” من تأليف الكاتبة لارا مايكليم.
وهذا الكتاب الحاصل على جائزة يصف الكنوز التي عثرت عليها الكاتبة داخل الطمي على مدى 15 عاما، وتتنوع بين الخواتم الرومانية وجمجمة يرجع تاريخها إلى 300 عام أطلقت عليها اسم “فريد”. وتقول الكاتبة إن علماء الآثار يجرون حاليا دراسات حول هذه الجمجمة.