بروتينات حليب وبيض دون اعتماد الحيوانات

بدأت في السنوات الأخيرة بدائل الحليب القائمة على الصويا أو اللوز أو الأرز تنتشر بشكل كبير في المتاجر الغذائية، ومع ازدياد تركيز المستهلكين على حقوق الحيوان والقضايا البيئية، يعتمد العلماء وأخصائيو الأغذية على التخمير الذي عرف منذ القدم لكن برؤية جديدة لتقنياته من أجل إنتاج بروتينات حليب أو بيض في المخابر.
باريس - تسعى شركات ناشئة لإنتاج بروتينات حليب أو بيض دون استخدام الحيوانات عبر عملية تخمير موجّهة يتوصّلون من خلالها إلى منتج يحافظ على ملمس وطعم الأجبان أو البيض، لكن دون البصمة الكربونية الخاصة بتربية المواشي.
وانتشرت بدائل الحليب القائمة على الصويا أو اللوز أو الأرز أو جوز الهند أو الشوفان بشكل كبير في المتاجر الغذائية بأنواعها في الأعوام الأخيرة، إذ يزداد تركيز المستهلكين على حقوق الحيوان والقضايا البيئية.
وتُعد الأبقار، البالغ عددها 270 مليون رأس تقريباً في العالم، مصدرا رئيسيا للغازات المسببة للاحتباس الحراري، في حين أن إنتاج الحليب يشكل ضغطاً على الموارد الطبيعية مثل المياه والتربة.
وداخل مختبرات “ستاندينغ أوفايشن” في باريس، يبدأ تصنيع المنتج داخل غرفة مظلمة، إذ ينبغي إدخال كائنات دقيقة (خميرة وفطريات وبكتيريا) إلى جينات بقرة قادرة على إنتاج الكازيين، وهو البروتين الرئيسي الموجود في الحليب.
ثم “تنمو” كائنات دقيقة داخل قوارير قبل نقلها إلى أجهزة تخمير حيث تتكاثر عند خلطها بالماء والملح والنيتروجين والسكر. ومن قارورة بسعة 30 مليلترا، يمكن للشركة إنتاج لتر واحد خلال 24 ساعة.
ثم يخضع المنتج لعملية ترشيح ثم فصل للجزيئات بحسب كثافتها ثم تجريده من الكائنات الدقيقة المعدّلة وراثياً، حتى يصبح عبارة عن مسحوق أبيض تعتزم الشركة الناشئة توفيره للمصنّعين داخل أكياس تزن 25 كيلوغراماً. وتتولّى المصانع تحويله إلى ما يعادل جبن الكممبير أو الكروتين أو الجبنة القابلة للدهن أو الآيس كريم.
وتكون المنتجات مشابهة لنظيراتها من أصل حيواني أكثر من البدائل النباتية، على ما يؤكد المؤسس المشارك لـ”ستاندينغ أوفايشن” رومان شايو.
ويقول “في النهاية، يكون البروتين المُنتج نفسه كالذي توفره البقرة”.
إلا أنّ المُنتج ليس حلاً معجزة بالنسبة إلى مَن يعانون حساسية من بروتينات الحليب، لكنه قد يكون جيداً لأولئك الذين لديهم حساسية من اللاكتوز، وهو السكر الموجود في الحليب.
ويمكن لـ”ستاندينغ أوفايشن” أن تستند أيضا إلى الحمض النووي الخاص بالماعز أو الخرفان أو الجواميس أو حتى الحيتان.
ويُعدّ التخمير الذي يُستخدم في تحويل القمح إلى خبز مثلا، طريقة مُثبتة منذ قرون في مجال تصنيع الأغذية، لكن تمت في الآونة الأخيرة إضافة تقنيات تتيح تدريب كائنات دقيقة على إنتاج بروتينات أو إنزيمات معينة.
وتشمل الاستخدامات الرئيسية لذلك إعادة إنتاج بروتينات الحليب (الكازيين ومصل اللبن)، أو البيض، أو مواد مثل الهيم الذي يستخدمه مصنعو البرغر النباتي لجعل منتجاتهم مشابهة للحوم الحمراء.
وعلى عكس اللحوم المُصنّعة من زرع الخلايا، لا تُستخدم الخلايا الحيوانية في عملية التخمير الموجّهة.
وانطلق القطاع عام 2020، مستقطباً استثمارات بقيمة 938 مليون دولار في العام 2021 و382 مليون دولار سنة 2022، بحسب “غود فود انستيتيوت” المنظمة الأميركية التي تروّج لبدائل اللحوم.
وأعلنت شركة “بون فيفان” الناشئة في ليون والتي تنتج أيضاً بروتينات من الحليب، أنها جمعت 15 مليون يورو إضافية لتستخدمها في تطوير أعمالها.
ودخل عدد من الشركات الأخرى المجال في بلدان مختلفة كما في الولايات المتحدة (بيرفكت داي وإيفري) وألمانيا (فورمو) وإسرائيل (ري ميلك). وأشارت “غود فود انستيتيوت” إلى وجود 62 شركة مماثلة بمختلف أنحاء العالم في نهاية 2020.
وتُباع في الولايات المتحدة منذ العام 2020 منتجات من البوظة مصنوعة من من بروتين مصل اللبن المأخوذ من الخميرة المعدلة جينيا تنتجها شركة “بيرفكت داي”.
وأثارت شركات ناشئة مثل “بيرفكت داي” ضجّة حين طوّرت مكوّنات يمكن استخدامها في المثلجات والجبنة الكريمية والبيتزا باستخدام تقنية التخمير الدقيق، حيث ينقل المهندسون الحمض النووي للأبقار إلى كائنات دقيقة تتغذّى على سائل من المغذيات بهدف إنتاج البروتين. وعلى عكس الحليب النباتي، فإن منتجات التخمير الدقيق لا يمكن تمييزها عن حليب البقر بحسب الخبراء، بالتالي تُجنّب المنتجين تلقي الشكاوى الاعتيادية حول التفريط بالنكهة والقوام.
وتأمل “ستاندينغ أوفايشن” أن تتمكّن من طرح منتجها في الأسواق الأميركية اعتبارا من عام 2024، بحسب شايو.
وتُعد إجراءات الحصول على ترخيص لـ”الأطعمة الجديدة” في دول الاتحاد الأوروبي أطول منها في الولايات المتحدة. وتسعى “ستاندينغ أوفايشن” للحصول على ترخيص بين 2025 و2026.
وتستخدم الشركة الناشئة راهنا جهاز تخمير هو عبارة عن خزان فولاذي تبلغ سعته 10 أمتار مكعبة، لكنها تطمح إلى الانتقال على المدى البعيد إلى جهاز بسعة 200 متر مكعب. وتأمل أن تُطرح المنتجات المصنّعة من مسحوقها بنفس سعر نظيراتها الحيوانية.
وتُشجّع الجهات المُصنّعة الابتكارات، خاصة وأن الأمم المتحدة تتوقع أن العالم سيحتاج إلى مضاعفة إنتاج الغذاء لإطعام سكان العالم بحلول العام 2050، ما دفعها منذ فترة طويلة إلى تشجيع تربية الحشرات لاستخدامها مصدرا مستداما للبروتين بديلا للماشية التقليدية.
وعقدت “ستاندينغ أوفايشن” شراكة عام 2022 مع شركة “بيل” المصنعة لمنتجات “كيري” و”بورسان” والتي بدأت تطرح في الأسواق منتجات جبنة نباتية.
وتجري كل من “نستله” و”يونيليفر” تجاربهما الخاصة في المجال.
وتشير ستيلا تشايلد التي تعمل لدى “غود فود انستيتيوت” لتعزيز الأبحاث في المجال بأوروبا، إلى أن المنتجات الناتجة من التخمير الموجّه “تتسبب بانبعاثات أقل مما ينجم عن تربية المواشي” التي يُعزى إليها باستمرار تسببها بانبعاث غاز الميثان الناتج عن تجشؤ الحيوانات، كما أنها “تستخدم كميات أقل من المياه”.
وتقول “على الحكومات مساعدة قطاع التخمير على التوسّع كما ساعدت في تطوير الطاقات المتجددة”، وذلك لدعم الصناعات الغذائية الأكثر استدامة.