برامج حماية الأسرة في مصر تستدعي التركيز أكثر على الفئات الهشة

برامج الحماية الأسرية التي تمنحها مصر للفقراء في شكل دعم مادي شهريا تضع غالبية أصحابها من الأسر في خانتي الفقر والفقر المدقع بسبب تدنيها.
الأربعاء 2021/09/08
المنح لا تسمن ولا تغني من جوع

تبقى برامج الحماية في مصر رغم تعددها عاجزة عن الوصول إلى جميع الفئات المحرومة وقاصرة عن تلبية احتياجاتها خصوصا في المجال الصحي. وكشفت إحصائيات رسمية عن أن ما يقرب من ثلث عدد السكان فقراء، مع تطبيق الحماية الاجتماعية، ما دفع بأطفالهم إلى العمل في الحرف المختلفة مثل النجارة وسمكرة السيارات لسد العجز المادي.

القاهرة- رغم تعدد برامج الحماية الاجتماعية لتوفير شبكة أمان للعديد من الأسر في مصر، إلا أنها تثير ضجيجا إعلاميًا بلا طحين حقيقي على أرض الواقع، فالحماية يجب أن تحوي ضمانات أساسية للأسرة، وحصول الجميع على الرعاية الصحية الأساسية وتأمين دخل لا يقل عن مستوى الحد الأدنى المقرر وطنيًا لحمايتهم من الأمراض التي تستحوذ على جزء كبير من دخل الأسرة.

وانتهجت الحكومة المصرية ثلاثة أنماط من البرامج الخاصة بحماية الأسرة في الأعوام الخمسة الأخيرة طالب بها صندوق النقد الدولي لمواجهة الإجراءات التقشفية التي أعقبت برنامج الإصلاح الاقتصادي، لكنها لم تحقق الهدف المنشود للأسر الهشة.

وتمثلت في برامج لا تستند إلى اشتراكات أو مساهمات المستفيدين، أولها شبكات الأمان الاجتماعي على غرار معاش تكافل وكرامة، والضمان الاجتماعي، وثانيها برامج الحماية التي تستند إلى اشتراكات المستفيدين من الأسر مثل التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي.

أما ثالثها فهي برامج سوق العمل النشط، وتتوسط المسافة بين شبكات الأمان الاجتماعي من جانب، والتأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي من جانب آخر عبر توفير فرص عمل للفئات الأفقر والعاطلة عن العمل في كل أسرة لنقلها من العوز والحاجة إلى التمكين، ومن ثم يقل الاعتماد على شبكات الأمان الاجتماعي.

بسنت فهمي: مع رفع سقف المطالب يصعب تحديد احتياجات الأسرة المصرية

وكشفت بحوث الدخل والإنفاق والاستهلاك التي يجريها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كل عامين في مصر عن ارتفاع معدل الفقر من 27.8 في المئة في 2015 إلى 32.5 في المئة في غضون ثلاثة أعوام، ثم تراجع بشكل طفيف العام الماضي إلى 29.7 في المئة، ما يعني أن ما يقرب من ثلث عدد السكان فقراء، مع تطبيق الحماية الاجتماعية، وهو ما ينسحب على جزء كبير من الأسر، إذا أخذ في الاعتبار أن البطالة تضرب عددا كبيرا من أرباب الأسر.

وحدد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء خط الفقر المدقع للفرد شهريًا في 2015 بمبلغ 31.5 دولارا، وخط الفقر العادي بنحو 47.2 دولارا شهريًا، بينما ارتفعت قيمة خط الفقر العام الماضي لتصبح 54.9 دولارا للفرد شهريًا.

وبالنظر إلى برامج الحماية الأسرية التي تمنحها مصر للفقراء في شكل دعم مادي شهريًا يتراوح بين 26.9 دولارا شهريًا و67.3 دولارا، فهي مستويات متدنية وتضع غالبية أصحابها من الأسر في خانتي الفقر والفقر المدقع.

وفي جولة قامت بها “العرب” في نطاق محافظتي القاهرة والقليوبية المجاورة لها، أكدت العديد من الأسر المستفيدة من برامج الحماية أنها لا تعتمد بشكل أساسي على ما تقدمه الحكومة لها، لأن تلك المنح لا تسمن ولا تغني من جوع، بل تدفع بأطفالها للعمل في الحرف المختلفة مثل النجارة وسمكرة السيارات لسد العجز المادي.

وقالت نجوى ع. لـ”العرب”، “أحصل على معاش الضمان الاجتماعي بقيمة 27 دولارا تقريبًا في الشهر، لكن لا أعتمد عليه بشكل أساسي، ولدي ولدان أحدهما في المرحلة الابتدائية والثاني في الإعدادية، ويعملان في ورشة أثاث، حتى نستطيع مسايرة الحياة، بجانب بعض المساعدات التي يمنحها لي أهل الخير”.

وأضافت “أناشد الحكومة أن تهتم بتطوير المستشفيات وتوسيع نطاق العلاج، لأنني أعاني من مرضي الضغط والسكري، ولا أستطيع شراء الأدوية، أتمنى من المسؤولين الاهتمام برعايتنا أكثر في العلاج والصحة لأنهما أهم من المعاش الشهري”.

أما أم سيد، هكذا يناديها جيرانها، وهي من إحدى قرى محافظة القليوبية وتحصل على معاش تكافل، فقالت “أي حاجة تيجي من الحكومة حلوة، فأنا أحصل على المعاش وأدبر به بعض الاحتياجات وأقوم ببيع الخضروات في قريتي بجانب عمل ابني الكبير في محل سمك في مدينة بنها، لأن زوجي متوفي، لكن مشكلتي لو مرضت، الكشوفات (الفحص) غالية والعلاج سعره مرتفع، وأتمنى الاهتمام بالتأمين الصحي للفقراء”.

وأطلقت الحكومة مشروعا طموحا لتعميم التأمين الصحي وتوفيره لجميع أفراد الأسرة، وبدأت تطبيقه تدريجيا في بعض المناطق تمهيدا لوصوله إلى كل فرد في الأسرة.

وكشفت العديد من الدراسات العلمية أن العامل الأهم في برامج حماية الأسرة هو التأمين الصحي، حيـث أكدت على ضرورة تعظيم الاهتمام بالتأمين الصحي كإحدى الـصور والآليات الفعلية التي يمكن من خلالها تحقيق الحماية الصحية المنشودة لجميع أفراد الأسرة، إذ من المخطط أن يستفيد من خدمات التأمين الصحي قطاع عريض من الفقراء، والذين هم في أمس الحاجة لتلبية حاجاتهم الصحية.

خالد الشافعي: الآثار الإيجابية لبرامج الحماية ساعدت على استقرار بعض الأُسر

ومن الضروري أن تركز عملية حماية الأسرة على التأمين الصحي وإعادة تطوير المستشفيات وتوفير العلاج للمرضى، خاصة الأسر غير المشمولة بالتأمين الإجباري، وتوفير الوجبات الغذائية الصحية للأطفال وسبل علاجهم، وهو محور متوقع أن تركز عليه الحكومة في الفترة المقبلة بشكل كبير.

ومنح البنك الدولي الحكومة المصرية نحو 400 مليون دولار لمساندة نظام التأمين الصحي الشامل الذي تطبقه مصر في إطار سعيها نحو تعميم التغطية الصحية للمواطنين وتحسين النتائج لجميع أفراد الأسرة.

وتلعب الوظائف وتوفير فرص العمل وتدريب الأفراد وإنشاء الورش الحرفية دورًا حاسمًا في التغلب على الفقر وعدم الحاجة المستمرة للاعتماد على برامج الحماية الأسرية، لأن انتظار تلك البرامج لن يفي بمتطلبات الحياة.

وينصح خبراء بأهمية توزيع برامج الحماية الأسرية على المستحقين وتحصين الفئات الهشة من العاجزين عن العمل وأصحاب الإعاقات المزمنة، والمرأة المعيلة التي تربي أيتاما، بجانب المسنين وغير القادرين على العمل بنشاط، مع التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية التي تهدد الكثير من الأسر.

وقالت بسنت فهمي رئيسة إحدى الجمعيات الخيرية ووكيلة اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب سابقًا، إن مشكلة الحماية في مصر أن الفقراء ومن يحتاجون إلى مساعدات لديهم تطلعات كبيرة تصل إلى حد البذخ، وتظهر تلك التطلعات عند أول مساعدة تُقدم لهم، خاصة الأسر التي تحتاج مساعدات لتجهيز الفتيات المقبلات على الزواج، وهذه موروثات في القرى يجب التغلب عليها.

وأوضحت لـ”العرب” أن برامج الحماية الاجتماعية قد تكفي لتوفير متطلبات الأسر البسيطة، لكن مع رفع سقف المطالب يصعب تحديد احتياجات الأسرة المصرية التي وقعت في فخ “المظاهر” ولا تعرف حدودها ومطالب معيشتها.

وأشارت فهمي لـ”العرب” إلى أن الكثير من أفراد الأسرة لا يفضلون العمل ويحبذون العيش على المنح، وهذا واضح من ضعف الناتج القومي الإجمالي الذي لا يتناسب مع عدد سكان مصر، كما أن محدودي الدخل وبعض موظفي الحكومة لا يحصلون على أجر مناسب، وهم في حاجة للحماية الأسرية عبر توفير تأمين صحي ملائم لوقايتهم من خطر المرض.

وقالت منظمة العمل الدولية إن برامج الحماية في مصر يجب أن تحتوي عددا من الضمانات، مثل الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك رعاية الأمومة، وعلى مستوى الحد الأدنى المحدد وطنياً بما يلبي معايير التوافر وإمكانية الالتحاق والقبول والجودة، بجانب حصول الأطفال على التغذية والتعليم والرعاية.

ارتفاع معدل الفقر من 27.8 في المئة في 2015 إلى 32.5 في المئة في غضون ثلاثة أعوام، ثم تراجع بشكل طفيف العام الماضي إلى 29.7 في المئة

وتتضمن تلك الضمانات حدا أدنى للدخل على مستوى مقبول يتم تحديده وطنيا للأشخاص من سن العمل غير القادرين على كسب دخل كاف، في حالات المرض والبطالة والأمومة والإعاقة، والحد الأدنى للدخل والمعاش المحدد على الصعيد الوطني لكبار السن.

وأكد خالد الشافعي رئيس مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية أن برامج الحماية ظهرت آثارها الإيجابية على استقرار بعض الأُسر المصرية المعدومة، لكن يجب توجيه جزء أكبر من تلك البرامج إلى الرعاية الصحية لهم.

وأشار لـ”العرب” إلى أن الحكومة تسعى لتعزيز أكبر لبرامج الحماية الاجتماعية لتشجيع القطاع الخاص للمشاركة فيها عبر الصناديق الخيرية المختلفة بسبب ضبابية المشهد في ظل توالي الأزمات الصحية والاقتصادية.

21